الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الماعون: 2] أي: إن أردت معرفته فذلك.
29 -
حذف جواب الشرط: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض} الآية [الأنعام: 35]، أي: فافعل. {ولو أن قرءانا سيرت به الجبال} [الرعد: 31] أي: لما آمنوا به، بدليل:{وهم يكفرون بالرحمن} [الرعد: 30]، قال ابن هشام في «المغني»: والنحويون يقدرون: لكان هذا القرآن، وما قدرته أظهر.
{وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك} [فاطر: 4] أي: فتصبر {فقد كذبت رسل من قبلك} [فاطر: 4]، {إن يمسسكم قرح} [آل عمران: 140] فتصبروا، {فقد مس القوم قرح مثله} [آل عمران: 140]، {ومن يتبع خطوات الشيطان} [النور: 21] أي: يفعل الفواحش والمنكرات {فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} [النور: 21]، {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا} يظفر ويغلب، {فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 56].
فائدة:
الحذف على أنواع:
أحدها: ما يسمى بالاقتطاع، وهو حذف بعض حروف الكلمة.
وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن. ورد: بأن بعضهم جعل منه فواتح السور، على القول بأن كل حرف منها اسمًا من أسمائه تعالى ومن آلائه تعالى، فالألف أول «الله» ، واللام «لطيف» كما تقدم.
ومنه قراءة بعضهم: {ونادوا يا مالك} [الزخرف: 77]، بالترخيم.
ومنه حذف همزة «إنا» من قوله تعالى: {لكنا هو الله ربي} [الكهف: 38] الأصل «لكن أنا» حذفت همزة «أنا» تخفيفًا وأدغمت النون في النون.
النوع الثاني: ما يسمى بالاكتفاء، وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بذكر أحدهما عن الآخر لنكتة. ويختص ذلك غالبًا بالارتباط العطفي، كقوله:{سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي: والبرد، وخص الحر بالذكر؛ لأن الخطاب للعرب، وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم؛ لأنه أشد عندهم من البرد.
وقيل: أنت البرد تقدم ذكره في الامتنان بوقايته صريحًا في قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها} [النحل: 80] وفي قوله تعالى: {وجعل لكم من الجبال أكنانًا} [النحل: 81]، وفي قوله تعالى:{والأنعام خلقها لكم فيها دفء} [النحل: 5].
ومن أمثلة هذا النوع أيضًا قوله تعالى: {بيدك الخير} [آل عمران: 26] أي: «والشر» ، وإنما خص الخير بالذكر؛ لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم، أو لأنه أكثر وجودًا في العالم، أو لأن إضافة الشر إلى الله تعالى [ليس] من باب الأدب، كما قال صلى الله عليهم وسلم:«والشر ليس إليك» وقيل: ليس هو من هذا الباب،
بل الشر المشتمل على الحكمة والمصالح خير، فلهذا قال تعالى:{بيدك الخير} [آل عمران: 26].
ومنها: {وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم} {آل عمران: 26] أي: «وما تحرك» وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون.
ومنها قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 3]؛ لأنه مدح؛ ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس، فالمعنى:«يؤمنون بالغيب والشهادة» .
ومنها قوله تعالى: {ورب المشارق} [الصافات: 5] أي: والمغارب.
ومنها قوله تعالى: {إن امرؤا هلك ليس له ولد} [النساء: 176] أي: ولا
والد، بدليل أنه أوجب للأخت النصف، وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها.
النوع الثالث من أنواع الحذف: ما يسمى: الاحتباك؛ وهو ألطف الأنواع وأبدعها. قال الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى-: وقل من تنبه له أو نبه عليه من أهل فن البلاغة، ولم أره إلا في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي.
وذكره الزركشي في «البرهان» ، ولم يسمه هذا الاسم، بل سماه: الحذف المقابلي. وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي، قال الأندلسي في شرح البديعية: من أنواع البديع الاحتباك، وهو نوع عزيز، وهو أن يحذ من الأول ما ثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما ثبت نظيره في الأول، كقوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق
…
} الآية [البقرة: 171]، التقدير: ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به، فحذف من الأول:«الأنبياء» ، لدلالة «الذي ينعق» عليه، ومن
الثاني الذي ينعق به لدلالة «الذين كفروا» عليه.
ومن ذلك قوله تعالى: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} [النمل: 12]، التقدير: وأدخل يدك في جيبك غير بيضاء، وتخرجها تخرج بيضاء، فحذف «غير بيضاء» من الأول، ومن الثاني أخرجها تخرج. وقال الزركشي: هو أن يجتمع في الكلام متقابلان، فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه، كقوله تعالى:{أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلى إجرامي وأنا بريء مما تجرمون} ، وقوله تعالى:{ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} [الأحزاب: 24] فلا يعذبهم، وقوله تعالى:{ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن} [البقرة: 222] أي حتى يطهرن من الدم، ويتطهرن بالماء، فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن، وقوله تعالى:{خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا} [التوبة: 102] أي عملاً صالحًا بسيئ، وآخر سيئًا بصالح.
قال السيوطي -رحمه الله تعالى-: ومن لطيفه قوله تعالى: {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} [آل عمران: 13]، تقاتل في سبيل الطاغوت.
وفي «الغرائب» للكرماني: في الآية الأولى التقدير: مثل الذين كفروا بك كمثل الناعق مع الغنم، فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر. وله في القرآن نظائر وهو بلغ ما يكون من الكلام. انتهى.
وأما فوائد الحذف: فقد ذكروا له فوائد:
منها: الإيجاز، والاختصار، والاحتراز عن العبث، والتنبيه على أن الزمان متقاصر عن الإتيان بالمحذوف، وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم.
وهذه فائدة باب التحذير والإغراء. وقد اجتمعا في قوله تعالى: {ناقة الله وسقياها} [الشمس: 13]، بتقدير: ألزموا، وتحذير بتقدير: ذروا.
ومنها: التعظيم والتفخيم لما في الحذف من الإبهام.
قال حازم في «منهاج البلغاء» : إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه، أو
لقصديه تعديد أشياء، فيكون في تعدادها طول أو سآمة، فيحذف ويكتفي بدلالة الحال عن ذكرها، ولهذا القصد يورد في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس، ومنه قوله تعالى: في وصف أهل الجنة: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} [الزمر: 73] فحذف الجواب؛ إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عن ذلك لا ينتهي؛ فجعل الحذف دليلاً على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه، وتركت النفوس تقدر ما شأنه؛ ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك. وكذا قوله تعالى:{ولو ترى إذ وقفوا على النار} [الأنعام: 27]، أي لرأيت أمرًا فظيعًا لا يكاد يحيط به العبارة. انتهى.
وقال القزويني في «تلخيص المفتاح» في أحوال/ المسند إليه: أما حذفه فللاحتراز عن العبث بناء على الظاهر.
أقول: يعني أنه لا يخفى وأنه في غاية الظهور، فإذا ذكر كان عبثًا. قال: أو تخيل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ.
أقول: وهذه فائدة عظيمة من فوائد الحذف وهو أن المتكلم اعتمد على أن
العقل مثبت للمحذوف راسخ فيه، كما أن العبارة مثبت للمذكور موضحة له، ودلالة العقل أقوى من دلالة اللفظ، لأنه يحتاج إلى الفعل.
قال في التلخيص: أو اختبار تنبه السامع عند القرينة، أو مقدار تنبهه.
أقول: وهما نكتان من فوائد الحذف، يعني تحذف المحذوف ولتعلم هل ينبه السامع أو هل يتنبه من أول وهلة، أو بعد التأمل.
قال: أو إيهام صونه عن لسانك يعني تعظيمًا له، «أو عكسه» يعني أنك تصون لسانك عن ذكره تحقيرًا له. قال:«أو تعينه» يعني لا ينصرف إلا إليه، كقولنا: خالق كل شيء، فاعل لما يريد، لا ينصرف إلا إلى الله تعالى.
قال: «أو ادعاء التعين» يعني: وإن أمكن أن ينصرف إلى الغير، لكن المتكلم يدعي أنه لا ينصرف إلا في مذكور معروف تعظيمًا وتنويهًا، نحو: وهاب الألوف، يعني الخليفة.
وقال في باب متعلقات الفعل: وإما للتعميم مع الاختصار، كقولك: قد كان منك ما يؤلم، أي كل أحد، وعليه قوله تعالى:{والله يدعوا إلى دار السلام} [يونس: 25].
أقول: يعني بحذف المفعول للتعميم كما في الآية والله يدعو، أي: جميع عباده.
قال: وأما لمجرد الاختصار، نحو: أصغيت إليه، أي: أذني، وعليه قوله تعالى:{أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143]، أي: ذاتك. انتهى.
أقول: حمل الآية على أنه لمجرد/ الاختصار مما لا ينبغي في القرآن، فإنها نكتة ضعيفة لفظية.
وجعل الآية في عروس الأفراح للسبكي، مما حذف تعظيمًا لذكره، وصيانة اللسان عن أن ينطق به لشرفه وعلوه، وهو في غاية النفاسة والحسن.
قال: أو لرعاية الفاصلة، كقوله تعالى:{وما دعك ربك وما قلى} [الضحى: 3]. انتهى.
كذا ذكره غير واحد، أن حذف المفعول في «قلى» لرعاية السجعة، وهو ضعيف، ولم أر من ذكر لذلك نكتة معنوية، وقد لاح لي في ذلك: أنه إنما حذف المفعول لئلا يواجه الحق سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بكاف الخطاب- فإن القلي هو الإبعاد، والهجر، والبغض- فحذف لئلا يتوجه إليه هذا الخطاب، وإن كان منفيًا، فقال تعالى:{ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 2].