الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الخامس والعشرون بعد المائة
علم أسرار تكرار قصص القرآن
وبيان الحكمة والسر في ذلك
النوع الخامس والعشرون بعد المائة
علم أسرار تكرار قصص القرآن
وبيان الحكمة والسر في ذلك
ولم يفرد هذا النوع الحافظ السيوطي رحمه الله في الإتقان، بل ذكر مسائله في نوع الإيجاز والإطناب، وقد تقدم الاعتراض عليه في جعله في باب الإطناب، [وقد] ألف في هذا النوع البدر بن جماعة كتابًا سماه:«المقتص في فوائد تكرار القصص» ، (ولم أقف عليه، نقل عنه الحافظ السيوطي في الإتقان).
منها: أن في كل موضع زيادة كل شيء لم يذكر في الذي قبله، أو إبدال
كلمة بأخرى لنكته (وهذا عادة البلغاء)
ومنها: أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن، ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر بعده آخرون يحكون عنه ما نزل بعد صدور من تقدمهم؛ فلولا تكرار القصص لوقعت قصة (موسى) إلى قوم آخرين؛ وكذا سائر القصص، فأراد الله اشتراك الجميع فيها، يكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد الآخرين. انتهى.
قلت: وهذه الحكمة والسر في تكرار القصص فائدة عظيمة؛ فإن القرآن كان ينزل شيئًا فشيئًا وتتلقاه العرب إلى مواطنها فكان في التكرار عموم الانتفاع به.
قال: ومنها (أن في إبراز الكلام الواحد) في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة.
ومنها: أن الداعي لا تتوفر على نقلها كتوفرها على (نقل) الأحكام، فلهذا كررت القصص دون الأحكام.
ومنها: (أن الله تعالى) أنزل هذا القرآن، وعجز القوم عن الإتيان بمثله، [بأي نظم جاءوا]، ثم أوضح الأمر في عجزهم، بأن كرر ذكر القصة في
مواضع، إعلامًا بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله، أي بأي نظم جاءوا، وبأي عبارة عبروا.
ومنها: أنه لما تحداهم قال: {فأتوا بسورةٍ من مثله} [البقرة: 23]، فلو ذكرت القصص في موضع واحد واكتفى بها لقال العربي: ايتونا أنتم بسورة من مثله، فأنزلها سبحانه و [تعالى] في تعداد السور دفعًا لحجتهم من كل وجه.
ومنها: أن القصة (الواحدة)(لو كررت) كان في ألفاظها في كل موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير، وأتت على أسلوب (غير أسلوب الأخرى)، فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النظم وجذب النفوس إلى سماعها لما جلبت عليه من حب التنقل في الأشياء المتجددة واستلذاذها بها، وإظهار خاصة القرن حيث لم يحصل من تكرار ذلك فيه هجنة في اللفظ، ولا ملل عند سماعه، فباين ذلك كلام المخلوقين. انتهى.
قلت: وقد ظهر لي في وجه في أسرار تكرار القصص غير ما تقدم، وقد أشرت إليه فيما سبق في نوع أسماء السور، وهو أن الله تعالى ذكر كل قصة في سورة من سور القرآن لغير المعنى الذي ذكر حاله في السورة الأخرى، فإن القصة الواحدة تشير إلى معان متعددة، فيكون في بعض السور مساق الكلام: صبر النبي صلى الله عليه وسلم على إيذاء الكفار، والتسلية له بذكر قصص الأنبياء عليه السلام وأنهم صبروا وأوذوا أذى عظيمًا، فتساق القصص على هذا المعنى، وفي بعض
السور يكون مساق الكلام: الإخبار عن إهلاك المعاندين والظالمين، وأن عاقبة أمرهم الهلاك في الدنيا والخزي في الآخرة، فتساق القصص على هذا المعنى.
وفي بعض السور يكون مساق الكلام الإخبار عن التوحيد، وتبليغ الرسالة، وإرشاد الخلق إلى الله تعالى فتقص القصص على هذا المساق؛ للإشارة إلى أنهم على وتيرة واحدة ومنهج واحد داعون إلى توحيد الله تعالى وإرشاد الخلق إلى الله تعالى.
وتارة يكون مساق في بعض السور إثبات البعث والنشور، وأن الخلق مبعوثون مجزون محاسبون، فتساق قصص الأنبياء عليهم السلام لإثبات هذا المعنى وأنهم دعوا إلى هذا الأمر.
ومن هذا الأسلوب استنبط بعض أهل العلم كالبخاري في صحيحه تكرار الحديث الواحد إذا كان يشير إلى معان كثيرة، وقد أثنى الناس على البخاري رحمه الله في هذا الصنيع ولم يعدوا كثرة تكراره تكرارًا.
وقال بعضهم: فقد البخاري في تراجمه قصد به على باب غير المقصود الذي قصده في الباب الآخر، فكذلك قصص الأنبياء عليهم السلام.
وجه آخر في سر تكرار القصص، وهو أن القرآن مشتمل على جملة كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم السلام كما دل على ذلك جملة من الأحاديث: منه ما أخرجه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن معقل بن ....................
يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت سورة من الذكر الأول، وأعطيت (طه) والطواسين والحواميم، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفضل نافلة» .
وأخرج البيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير عن [واثلة] رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، ................................................................................