الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عد من ارتاب فيه بمنزلة العدم، وأنهم ليس ممن يعتد بهم، لجهلهم، وسوء طباعهم، وأن الناس هم الذين يؤمنون به ويهتدون به.
وقال الزمخشري: بولغ في تأكيد الموت تنبيهًا للإنسان أن يكون الموت نصب عينه، ولا يغفل عن ترقبه، فإن مآله إليه، فأكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى، لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي؛ حتى كأنه مخلد، ولم يؤكد جملة البعث إلا بـ «إن» لأنه برز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع، ولا يقبل الإنكار.
لطيفة:
قال الجرجاني في «نظم القرآن» : قوله تعالى: {ويقول الإنسان إذا ما مت لسوف أخرج حيا} [مريم: 66] ليست اللام فيه للتأكيد؛ فإنه منكر؛ فكيف يحقق ما ينكر؟ وإنما قاله حاكيًا به كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصادر منه بأداة التأكيد، فحكاه، فنزله منزلة الآية على ذلك.
«تنبيه» ذكر السيوطي -رحمه الله تعالى- في «الإتقان» من أنواع الإطناب:
أن يكون شيئًا من أدوات التوكيد، ولام الابتداء والقسم، وغير ذلك من الأدوات.
وليس الأمر على إطلاقه، بل التأكيد والقسم إن كان الكلام مقتضيه في أصل تأدية المعنى فليس من الإطناب، بل هو من المساواة. وإن لم يكن الكلام مقتضيه فهو من بابه كما قدمناه.
الثالث من أنواع الإطناب: الزيادة في الكلام بعض الحروف التي يقصد بها تأكيد الكلام وتقويته، كقوله تعالى:{أليس الله بكاف عبده} [الزمر: 36].
وأما الأفعال، فنحو قوله تعالى:{كيف نكلم من كان في المهد صبيًا} [مريم: 29] فـ «كان» قال بعضهم: صلة أتى بها للتأكيد والتقوية.
وقال بعضهم: أصبح في قوله تعالى: {فأصبحوا خاسرين} [المائدة: 3] مزيدة.
وقال الرماني: العادة أن من ب هبه علة تزداد بالليل ويرجو الفرج عند الصبح، فاستعمل «أصبح» لأن الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجى فيه الفرج، فليست زائدة.
وأما الأسماء، فأكثر النحويين على أنها لا تزاد في الكلام.
وبعض النحويين واللغويين يرون زيادة الأسماء، وقد ذكروا ذلك في كثير من كلام العرب، فيقولوا: هو مقحم، أي: زائد. وحمل عليه بعضهم قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة: 137] أي: بما.
الرابع من أنواع الإطناب: التأكيد الصناعي، وهو أربعة أقسام:
أحدها: التأكيد المعنوي بـ «كل» ، و «أجمع» ، و «كلا» ، و «كلتا» ، نحو قوله تعالى:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: 30].
الثاني: التأكيد اللفظي، وهو تكرار اللفظ الأول بلفظه، نحو قوله تعالى:
{دكًا دكًا} [الفجر: 21]، {صفًا صفًا} [الفجر: 22]، {قواريرًا قواريرًا} [الإنسان: 15، 16]، أو مرادفه، نحو قوله تعالى:{ضيقًا حرجًا} [الأنعام: 125].
الثالث: تأكيد الفعل بالمصدر، نحو قوله تعالى:{وكلم الله موسى تكليمًا} [النساء: 164]، {وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56].
الرابع: الحال المؤكدة، نحو قوله تعالى:{وأرسلناك للناس رسولاً} [النساء: 79].
كذا ذكر الحافظ السيوطي في «الإتقان» هذا النوع أنه من الإطناب، وأطال في أمثلته.
وأقول: إن التوكيد بسائر أنواعه ليس من الإطناب في شيء، بل هو من أصل الكلام، وقصد به المتكلم رفع المجاز، فليس من الإطناب، لأن الإطناب: الزيادة عن أصل الكلام الذي به يتساوى المعنى، وليس التأكيد منه.
ولم يذكره القزويني في «تلخيص المفتاح» .
الخامس من أنواع الإطناب: التكرير، وهو من محاسن الفصاحة، وله فوائد:
[1]
منها: التقرير، وقد قيل: الكلام إذا تكرر تقرر.
[2]
ومنها: التأكيد.
[3]
ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة، ليكمل تلقي الكلام بالقبول، ومنه قوله تعالى -حاكيًا-:{وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد (38) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع} [غافر: 38، 39] فكرر النداء لذلك.
[4]
ومنها: إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول، أعيد ثانيًا تطرية له، وتجديدًا لعهده، ومنه قوله تعالى:{ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [النحل: 119] وقوله تعالى: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها} [النحل: 110]، وقوله تعالى:{ولما جاءهم كتاب من عند الله} إلى قوله: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89]، وقوله تعالى:{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} [آل عمران: 188]، وقوله تعالى: {
…
إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4].
[5]
ومنها: التعظيم، نحو قوله تعالى:{الحاقة (1) ما الحاقة} [الحاقة: 1، 2]، وقوله تعالى:{القارعة (1) ما القارعة} [القارعة: 1، 2]،
وقوله تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} [الواقعة: 27].
[6]
ومنها التنبيه والإيقاظ للسامع لينتبه ويستيقظ لما يلقى إليه، وما يعد عليه من النعم والامتنانات وما يسرد عليه من العبر والإشارات، كقوله تعالى -في سورة الرحمن-:{فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: 13] نيفًا وثلاثين مرة، إيقاظًا للسامعين، وتنبيهًا لهم على، نعم الله وامتناعه عليهم، وأدلة توحيده، ولذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال:«لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودًا منكم، كلما أتيت على قوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد» . انتهى.
وذكر الزمخشري في الكشاف في تفسير سورة «اقتربت» عند قوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 32، 40]، فإن قلت: ما فائدة تكرير قوله تعالى: {فذوقوا عذابي ونذر (37) ولقد صبحهم بكرةً عذاب مستقر} ؟ قلت: أن يتجدد عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارًا وإيقاظًا، وأن يستأنفوا تنبيهًا واستيقاظًا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وأن يقرع لهم العصا مرات، ويقعقع لهم
الشن تارات لئلا يغلبهم السهو، ولا تستولي عليهم الغفلة. وهذا حكم التكرير: كقوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: 13] عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن، وقوله تعالى:{ويل يومئذ للمكذبين} [المرسلات: 15] عند كل آية أوردها في سورة المرسلات، وكذلك تكرير الأنباء والقصص أنفسها، لتكون تلك العبرة حاضرة للقلوب مصورة للأذهان، مركوزة غير منسية في كل أوان. انتهى.
وقال في «عروس الأفراح» : فإن قلت: إذا كان المراد بكل ما قبله ليس ذلك بإطناب بل هي ألفاظ كل أريد غير ما أريد بالآخر، قلت: والأمر كذلك، ولا يرد عليه: أن التأكيد لا يزاد على ثلاثة؛ لأن ذاك في التوكيد هو تابع، وأما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع. انتهى.
ومن هذا النوع أيضًا قوله تعالى في سورة (الشعراء): {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين (8) وإن ربك لهو العزيز الرحيم} [الشعراء: 8، 9] كررت ثماني مرات، كل مرة عقب قصة، فالإشارة في كل واحدة من ذلك/ إلى قصة النبي المذكور قبلها، وما اشتملت عليه من الآيات والعبر. وقوله:{وما كان أكثرهم مؤمنين} إلى قومه. ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى
بوصفي: «العزيز الرحيم» للإشارة إلى أن «العزة» على من لم يؤمن منهم، «الرحمة» لمن آمن.
قال السيوطي -رحمه الله تعالى- في «الإتقان» : ومن ذلك تكرير القصص قصة آدم، وموسى، ونوح، وغيرهم من الأنبياء، انتهى.
وأقول: إن تكرار قصص الأنبياء عليهم السلام ليس من الإطناب في شيء؛ لأن قصص الأنبياء عليهم السلام أن تكرر القصة في أماكن متعددة، وسور مختلفة، بأساليب متنوعة، ولها في كل سورة حكمة ولطيفة غير ما في السورة الأخرى.
وأيضًا كل قصة مستقلة على حدة.
والإطناب: الإطالة والزيادة في كلام واحد، وسيأتي في نوع «تكرار قصص الأنبياء والحكمة في ذلك وسر التكرار» .
ومن التكرار على وجه الإطناب والمبالغة عند الفراء قوله تعالى: {قل يا أيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين} [الكافرون].
قال: هو بمنزلة قوله: لا أفعل هذا الأمر، لا أفعله.
وقال بعضهم: إن الكفار كان في سؤالهم: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، واعبد آلهتنا شهرًا ونعبد إلهك شهرًا، فأتى الجواب على وفق سؤالهم، فكان التكرار؛ لذلك ليست الآية من التكرار الذي قصد به التوكيد. وعليه أكثر المفسرين. فقالوا:«لا أعبد» أي في المستقبل، «ما تعبدون» فيه، «ولا أنتم عابدون» فيه، «ما أعبد» فيه، «ولا أنا عابد» في الحال، «ما عبدتم» في الحال، «ولا أنتم عابدون» في الحال، «ما أعبد» في الحال. ويحتمل عليه ذلك، فإن اسم الفاعل يصلح للحال والاستقبال، فتكون الجملة الأولى للحال، والثانية للاستقبال.
وقد أجاز الوجهين الإمام الرازي في «التفسير الكبير» قال الأول: للاستقبال، الثاني: أن ينقلب الأمر فيجعل الأول للحال، والثاني للاستقبال، ثم قال بعضهم: كل واحد منهما يصلح للحال والاستقبال، ولكنا نخص أحدهما بالحال، والثاني بالاستقبال دفعًا للتكرار، فإن قلنا: إنه خبر عن الحال، ثم عن الاستقبال، فهو الترتيب، وإن قلنا: أخبر أولاً عن الاستقبال، فلأنه هو الذي دعوه إليه، فهو الأهم فبدأ به. انتهى.
وإلى حمل الجملتين على الزمانين ذهب أكثر المفسرين، وبعضهم: إلى
نفي العبادة في الأزمنة الثلاثة. وكل هذه التعبيرات التي عبروا بها تكلف وتعسف. وقال بعضهم في وجه دفع التكرار: {لا أعبد ما تعبدون} [الكافرون] من الأصنام، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} وهو الله، {ولا أنا عابد ما عبدتم} أي عبادتكم، فـ «ما» مصدرية، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي عبادتي، فالجملة الأولى لنفي المعبود، والثانية للعبادة.
وعندي: أن الوجه في السورة ما ذكره المفسرون في أسباب نزول السورة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره، والطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رهطًا من قريش قالوا: يا محمد، هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنةً ونعبد إلهك سنةً فقال:«معاذ الله أن أشرك بالله غيره» ، فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك، فنزلت، فعمد إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم، فآيسوا. انتهى.
وهذا السبب موضح مبين لوجه التكرار/ لمن تأمل أنى تأمل، وكثير من الآيات يشكل ولا يبينها إلا معرفة السبب، كقوله تعالى:{فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115] وقوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] وغير ذلك من الآيات. فيكون معنى: {لا أعبد ما تعبدون} على شريطة أنكم تعبدون الله معي، {ولا أنتم عابدون ما أعبد] إلا بأن أعبد ما تعبدون من الأصنام، {ولا أنا عابد ما عبدتم} على الشرط الآخر أيضًا، وهو قولهم: إن لم تعبد آلهتنا فتسمح ببعضها/ نصدقك، فلا أعبد آلهتكم على هذا الشرط أيضًا، ولا أنتم عابدون إلهي إلا بما شرطتم، فلا يتم أمر بيني وبينكم، لكم الباطل، ولي دين الحق، والله يقول الحق. وعلى هذا المعنى لا يكون من باب التكرار، وهو في غاية الجودة.
النوع السادس من أنواع الإطناب: الإطناب بالنعت والصفة، وتكون لمعان متعددة:
أحدها: التخصيص في النكرة، نحو قوله تعالى:{فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92].