الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثلاثون بعد المائة
علم جدل القرآن
النوع الثلاثون بعد المائة
علم جدل القرآن
أفرد هذا النوع بالتصنيف نجم الدين الطوفي.
قال العلماء: قد اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلة، وما من برهان ودلالة وتقسيم [وتحذير- يبنى] من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله قد نطق به، لكن أورده على عادة العرب، دون دقائق طرق المتكلمين، لأمرين:
أحدهما: بسبب ما قاله [جل شأنه]: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [إبراهيم: 4].
والثاني: أن المائل إلى طريق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة [بالجلي] من الكلام؛ فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم يتخط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون؛ ولم يكن
ملغزًا، فأخرج تعالى مخاطباته في محاجة خلقه في [أجل] صورة، ليفهم العامة [من جليلها] ما يقنعهم، وتلزمهم الحجة، وتفهم الخواص من أثنائها ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء.
وقال ابن أبي الأصبع: زعم الجاحظ أن المذهب الكلامي لا يوجد منه شيء في القرآن، وهو مشحون به، وتعريفه: أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب الكلام.
ومنه نوع منطقي تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة، فإن الإسلاميين من أهل هذا العلم ذكروا أن أول سورة [الحج] إلى قوله [تعالى]:{وأن الله يبعث من في القبور} [الحج: 7]. خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات:
قوله: {ذلك بأن الله هو الحق} [الحج: 6]؛ لأنه [قد] ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظمًا لها، وذلك مقطوع بصحته؛ [لأنه خبر] أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت [قدرته] منقول إلينا بالتواتر فهو حق، ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا بالحق، فالله هو الحق.
وأخبر {وأنه على كل شيء قدير} [الحج: 6] لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر، وحصول فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى، ليشاهدوا تلك
الأهوال التي [يعلمها الله] من أجلهم، وقد ثبت أنه قادر على كل شيء.
ومن الأشياء إحياء الموتى فهو يحيي الموتى.
وأخبر [تعالى] أنه على كل شيء قدير لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين ومن يجادل فيه بغير علم يذقه عذاب السعير، ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شيء قدير، {فهو على كل شيء قدير} .
وأخبر [جل شأنه]{وأن الساعة آتية لا ريب فيها} [الحج: 6] لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب، إلى قوله:{لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا} [الحج: 5]. وضرب لذلك مثلًا بالأرض الهامدة التي ينزل عليها الماء، فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالحق ثم أعدمه بالموت ثم يعيده بالبعث، وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق، ثم أماتها بالمحل، ثم أحياها بالخصب؛ وصدق خبره في ذلك كله- بدلالة الواقع المشاهد على المتوقع الغائب؛ حتى انقلب الخبر عيانًا- صدق خبره في الإتيان بالساعة.
ولا يأتي بالساعة إلا من يبعث من في القبور؛ لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة، فهي آتية لا ريب فيها، وهو سبحانه وتعالى يبعث من في القبور.