الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ
وَهُوَ ضَربَانِ، أَحَدُهُمَا، لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، فَيَجِبُ فِيهِ مِثْلُهُ. وَهُوَ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا، مَا قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ، فَفِيهِ [68 ظ] مَا قَضَتْ؛
ــ
بابُ جَزاءِ الصَّيْدِ
(وهو ضَربان؛ أحَدُهما، له مِثْلٌ مِن النَّعَمِ، فَيَجِبُ مِثْلُه. وهو نَوْعان؛ أحَدُهما، قَضَتْ فيه الصَّحابَةُ، ففيه ما قَضَتْ) يَجِبُ على المُحْرِمِ الجَزاءُ بقَتْلِ صيْدِ البَرِّ بمِثْلِه مِن النَّعَمِ، إن كان له مِثْلٌ. هذا قولُ أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ، منهم الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: الواجِبُ القِيمَةُ، ويَجُوزُ صَرْفُها إلى المِثْلِ؛ لأنَّ الصَّيْدَ ليس بمِثْلِىٍّ. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (1). وجَعَل النبىُّ صلى الله عليه وسلم في الضبع كَبْشًا (2). وأجْمَعَ الصَّحابَةُ، رَضِىَ اللهُ عنهم، على إيجابِ المِثْلِ، فقال
(1) سورة المائدة 95.
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 428.
فَفِى النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ،
ــ
عُمَرُ، وعلىٌّ، وعثمانُ، وزَيْدٌ، وابنُ عباسٍ، ومُعاوِيَةُ: في النَّعامَةِ بَدَنَةٌ. وحَكَم عُمَرُ وعلىٌّ في الظَّبْىِ بِشاةٍ. وحَكَم عُمَرُ في حِمارِ الوَحْشِ ببَقَرَةٍ. حَكَمُوا بذلك في الأزْمِنَةِ المُخْتَلِفَةِ، والبُلْدانِ المُتَفَرِّقَةِ، فدَلَّ على أنَّ ذلك ليس على وَجْهِ القِيمَةِ؛ لأنَّه لو كان على وَجْهِ القِيمَةِ لاعتَبَرُوا صِفَةَ المُتْلَفِ التى تَخْتَلِفُ بها (1) القِيمَةُ، إمّا برُؤْيَةٍ أو إخْبارٍ، ولم يُنْقَلْ عنهم السُّؤالُ عن ذلك حالَ الحُكْمِ، ولأنَّهم حَكَمُوا في الحَمامِ بشاةٍ، والحَمَامَةُ لا تَبْلُغُ قِيمَةَ الشّاةِ غالِبًا. إذا ثَبَت هذا، فليس المُرادُ حَقِيقَةَ المُماثَلَةِ، فإنَّها لا تَتَحَقَّقُ بينَ الأنْعامِ والصَّيْدِ، لكنْ أُرِيدَ المُماثَلَةُ مِن حيثُ الصُّورَةُ. والمِثْلِىُّ مِن الصَّيْدِ قِسمان؛ أحَدُهما، قَضَتْ فيه الصَّحابَةُ، فيَجِبُ قيه ما قَضَتْ. وبه قال عَطاءٌ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ. وقال مالكٍ: يُسْتَأنَفُ الحُكْمُ فيه؛ لأنَّ الله تعالى قال: {يحكُمُ بِهِ ذَوَا عَدلٍ منكُم} . ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «أصْحَابِى
(1) سقط من: م.
وَفِى حِمَارِ الْوَحْشِ، وبَقَرَتِهِ، وَالأَيِّلِ، وَالثَّيْتَلِ، وَالْوَعْلِ بَقَرَةٌ،
ــ
كالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» (1). وقال:«اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنَ مِنْ بَعْدِى، أبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ» (2). ولأنَّهم أقْرَبُ إلى الصَّوابِ، وأبْصَرُ بالعِلْمِ، فكانَ حُكْمُهم حُجَّةً على غيرِهم، كالعالِمِ مع العامِّىِّ، فالذى بَلَغَنا قَضاؤهم فيه النَّعامَةُ. حَكَم فيها عُمَرُ، وعلىٌّ، وعثمانُ، وزَيْدٌ، وابنُ عباسٍ، ومُعاوِيَةُ، رَضِىَ الله عنهم، بِبَدَنَةٍ. وبه قال عَطاءٌ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأكْثَرُ العُلَماءِ. وحُكِىَ عن النَّخَعِىِّ، أنَّ فيها قِيمَتَها. وبه قال أبو حنيفةَ. وخالَفَه في ذلك صاحِباه. واتِّباعُ النَّصِّ والآثارِ أوْلَى. ولأنَّ النَّعامَةَ تُشْبِهُ البَعِيرَ في خَلْقِه، فكانَ مِثْلًا لها، فيَدخُلُ في عُمُومِ النَّصِّ. وفى حِمارِ الوَحشِ بَقَرَةٌ. رُوِىَ ذلك عن عُمَرَ. وبه قال عُروَةُ، ومُجاهِدٌ، والشافعىُّ. وعن أحمدَ، فيه بَدَنَةٌ. رُوِىَ ذلك عن أبِى عُبَيْدَةَ، وابنِ عباس. وبه قال عَطاء، والنَّخَعِىُّ. وفى بَقَرَةِ الوَحْشِ بَقَرَةٌ. رُوِىَ ذلك عن ابنِ مسعودٍ، وعَطاءٍ، وعُروةَ، وقَتَادَةَ، والشافعىِّ. والأيِّلُ (3) فيه
(1) قال البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم. وانظر لطرقه ورواياته تلخيص الحبير 4/ 190، 191.
(2)
أخرجه الترمذى، في: باب في مناقب أبى بكر وعمر. . . .، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 129. وابن ماجه، في: باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المقدمة. سنن ابن ماجه 1/ 37. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 382، 385، 399، 402.
(3)
الأيل: ذكر الأوعال، وهى التيوس الجبلية.
وَفِى الضَّبُعِ كَبْشٌ،
ــ
بَقَرَةٌ، قاله ابنُ عباسٍ. قال أصْحابُنا: في الثَّيْتَلِ (1) والوَعْلِ بقَرَةٌ كالأيِّلِ. والأرْوَى (2) فيها بَقَرَةٌ. قاله ابنُ عُمَرَ. وقال القاضى: فيها عَضْبٌ؛ وهو مِن أوْلادِ البَقَرِ ما بَلَغ أن يُقْبَضَ (3) على قَرْنِه، ولم يَبْلُغْ أن يَكُونَ ثَوْرًا. وفى الضَّبُعِ كَبْشٌ لِما روَى أبو داودَ (4) عن جابِرٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم جَعَل في الضَّبُعِ يَصِيدُها المُحْرِمُ كَبْشًا. قال أحمدُ: حَكَم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الضَّبُعِ بكَبْشٍ، وقَضى به عُمَرُ، وابنُ عباسٍ. وبه
(1) الثيتل: الذكر المسن من الأوعال.
(2)
الأروى: أنثى الوعل، وهى شاةٌ.
(3)
في م: «يعتض» .
(4)
تقدم تخريجه في 8/ 428.
وَفِى الْغَزَالِ وَالثَّعْلَبِ عَنْزٌ،
ــ
قال عَطاءٌ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال الأوْزاعِىُّ: كان العُلَماءُ بالشّام يَعُدُّونها مِن السِّباعِ، ويَكْرَهُون أكْلَها. وهو القِياسُ، إلَّا أنَّ اتِّباعَ السُّنَّةِ والآثارِ أوْلَى. وفى الغَزالِ شاةٌ. ثَبَت ذلك عن عُمَرَ. ورُوِىَ عن علىٍّ. وبه قال عَطاءٌ، وعُرْوَةُ، والشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ. ولا يُحْفَظُ عن غيرِهم خِلافُهم. وقد روَى جابِرٌ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«فِى الظَّبْىِ شَاةٌ، وَفِى الأرْنَبِ عَنَاقٌ (1)، وَفِى الْيَرْبُوعِ (2) جَفْرَةٌ» . قال ابنُ الزُّبَيْرِ: والجَفْرَةُ التى قد فُطِمَتْ ورَعَتْ. رَواه الدَّارَقُطْنِىُّ (3). وفى الثَّعْلَبِ شاةٌ أيْضًا؛ لأنَّه يُشْبِهُ الغَزالَ. وممَّن قال: فيه الجَزاءُ؛ قَتادَةُ،
(1) العناق: الأنثى من ولد المعز.
(2)
اليربوع: حيوان طويل الرجلين، قصر اليدين جدا، لونه كلون الغزال.
(3)
في: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطني 2/ 246، 247.
كما أخرجه البيهقى، في: باب فدية الضبع، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 183.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وطاوُسٌ، ومالكٌ، والشافعىُّ. وعن أحمدَ، لا شَئَ فيه؛ لأنَّه سَبُعٌ.
وَفِى الْوَبْرِ وَالضَّبِّ جَدْىٌ،
ــ
وأمّا الوَبْرُ (1)، فقالَ القاضى: فيه جَفْرَةٌ؛ لأنَّه ليس بأكْبَرَ منها. وهو قولُ الشافعىِّ. وقيلَ: فيه شاةٌ. رُوِىَ ذلك عن مُجاهِدٍ، وعَطاءٍ. وفى الضَّبِّ جَدْىٌ. قَضَى به عُمَرُ، وأرْبَدُ (2). وبه قال الشافعىُّ. وعن أحمدَ، فيه شاةٌ، لأنَّ جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ، وعَطاءً، قال فيه ذلك. وقال مُجاهِدٌ: حَفْنَةٌ مِن طَعام. [وقال قَتادَةُ: صاعٌ. وقال مالكٌ: قِيمَتُه مِن الطَّعامِ](3). والأُولَى أوْلَى؛ لأنَّ قَضاءَ عُمَرَ أوْلَى مِن قَضاءِ غيرِه.
(1) الوبر: حيوان من ذوات الحرافر في حجم الأرنب.
(2)
في م: «زيد» .
وأربد يأتى ذكره في الحديث الذى أخرجه الشافعى في مسنده بعد قليل.
(3)
سقط من: م.
وَفِى الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ لَها أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ،
ــ
والجَدْىُ أقرَبُ إليه مِن الشّاةِ. (وفى اليَرْبُوعِ جَفْرَةٌ) لِما ذَكرْنا مِن حديثِ جابِرٍ. ورُوِىَ ذلك عن عُمَرَ، وابنِ مَسْعُودٍ. وبه قال عَطاءٌ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال النَّخَعِىُّ: فيه (1) ثَمَنُه. وقال مالكٌ: قِيمَتُه مِن الطَّعام. وقال عَمْرُو بنُ دِينارٍ: ما سَمِعْنا أنَّ الضَّبَّ واليَرْبُوعَ يُودَيان. واتِّباعُ الآثارِ أوْلَى. والجَفْرَةُ يَكُونُ لها أرْبَعَةُ أشْهُرٍ مِن المَعْزِ. وقال
(1) سقط من: م.
وَفِى الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِى الْحَمَامِ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ، شَاةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِىُّ: كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ.
ــ
أبو الزُّبَيْرِ: هى التى فُطِمَت ورَعَتْ. وقِيلَ: هى الطِّفْلَةُ التى يَرُوحُ بها الرّاعِى على يَدَيْه. (وفى الأرْنَبِ عَنَاقٌ) لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ جابِرٍ، وقَضَى به عُمَرُ أيضًا. وبه قال الشافعىُّ. وقال ابنُ عباس: فيه حَمَلٌ. وقال عَطاءٌ: فيه شاةٌ. وقَضاءُ عُمَرَ أوْلَى. والعَناقُ، الأُنْثَى مِن أوْلادِ المَعْزِ، أصْغَرُ مِن الجَفْرَةِ. والذَّكَرُ جَدْىٌ. (وفى الحَمامِ؛ وهو كلُّ ما عبَّ وهَدَر، شاةٌ) حَكَم به عُمَرُ، وعثمانُ، وابنُ عُمَرَ، وابنُ عباسٍ، ونافِعُ بنُ عبدِ الحارِثِ (1)،
(1) نافع بن عبد الحارث بن خالد الخزاعى، أسلم يوم الفتح، وأمره عمر على مكة. الإصابة 6/ 408. تهذيب التهذيب 10/ 406.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في حَمامِ الحَرَمِ. وبه قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، وعُرْوَةُ، وقَتادَةُ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: فيه قِيمَتُه. إلَّا أنَّ مالكًا وافَقَ في حَمامِ الحَرَمِ دُونَ الإحْرامِ؛ لأنَّ القِياسَ يَقْتَضِى القِيمَةَ في كلِّ الطَّيْرِ، تَرَكْناه (1) في حَمامِ الحَرَمِ بحُكْمِ الصَّحابَةِ، ففيما عَداه يَبْقَى على الأصْلِ. قُلْنا: قد رُوِىَ عن ابنِ عباسٍ في الحَمامِ في حالِ الإحْرامِ، كقَوْلِنا. ولأنَّها حَمامَةٌ مَضْمُونَةٌ لحَقِّ اللهِ تعالى، فضُمِنَتْ بشاةٍ، كحَمامَةِ الحَرَمِ، ولأنَّها متى كانَتِ الشّاةُ مِثْلًا لها في الحَرَمِ، فكذلك في الحِلِّ، فيَجِبُ ضَمانُها بها؛ لقول اللهِ تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (2). وقِياسُ الحَمامِ على جِنْسِه أوْلَى مِن قِياسِه على غيرِه. والحَمامُ كل ما عبَّ الماءَ، أى وَضَع مِنْقارَه فيه، فيَكْرَعُ كما تَكْرَعُ الشّاةُ، ولا يَأْخُذُ قَطْرَةً قَطْرَةً، كالدَّجاجِ والعَصافِيرِ. وإنَّما أوْجَبُوا فيه شاةً؛ لشِبْهِه بها في كَرْعِ الماءِ، ولا يَشْرَبُ كشُرْب بَقِيَّةِ الطُّيُورِ. قال أحمدُ في رِوايَةِ ابنِ القاسِمِ وسِندِىٍّ: كلُّ طَيْرٍ يَعُبُّ الماء
(1) هذا من تتمة استدلال الإمام مالك.
(2)
سورة المائدة 95.