الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْى أَوِ النَّحْرِ، جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، فَلَا شَىْءَ
ــ
لقولِه في حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «إذَا رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَئٍ، إلَّا النِّسَاءَ» . وكذلك قال ابنُ عباسٍ. قال بعضُ أصحابِنا: هذا يَنْبَنِى على الخِلافِ في الحَلْقِ، إن قُلْنا: هو نُسُكٌ. حَصَل الحِلُّ، وإلَّا حَصَل بالرَّمْى وَحْدَه، وهو الذى ذَكَرَه شيخُنا في كتابِه المَشْرُوحِ.
1307 - مسألة: (وإن قَدَّمَ الحَلْقَ على الرَّمْى والنَّحْرِ، جاهِلًا أو
عَلَيْهِ. وَإنْ كَانَ عَالِمًا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
ناسِيًا، فلا شئَ عليه. وإن كان عالِمًا، فهل يَلْزَمُه دَمٌ؟ على رِوايَتَيْن) السُّنَّةُ في يَوْمِ النَّحْرِ أن يَرْمِىَ، ثم يَنْحَرَ، ثم يَحْلِقَ، ثم يَطُوفَ، تَرتِيبُها هكذا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَتَّبَهَا كذلك، فروَى أنَسٌ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى، ثم نَحَر، ثم حَلَق. رَواه أبو داودَ (1). فإن أخَلَّ بتَرْتِيبِها ناسِيًا أو جاهِلًا، فلا شئَ عليه. هذا قولُ الحسنِ، وطاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وعَطاءٍ، والشافعىِّ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وداودَ، ومحمدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِىِّ. وقال أبو حنيفةَ: إن قَدَّمَ الحَلْقَ على الرَّمْى، أو على النَّحْرِ، فعليه دَمٌ، فإن كان قارِنًا فعليه دَمان. وقال زُفَرُ: عليه ثَلاثَةُ دِماءٍ؛ لأنَّه لم يُوجَدِ التَّحَلُّلُ الأوَّلُ، أشْبَهَ ما لو حَلَق قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ. ولَنا، ما روَى عبدُ اللَّه بِنُ عَمْرٍو، قال: قال رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، حَلَقْتُ قبلَ أن أذْبَحَ؟ قال:«اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» . فقالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قبلَ أن أرْمِىَ؟ قال: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وفى لَفْظٍ، قال:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 205.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، وباب السؤال والفتيا عند رمى الجمار، من كتاب العلم، وفى: باب الفتيا على الدابة. . .، من كتاب الحج، وفى: باب إذا حنث ناسيا. . .، من كتاب الأيمان. صحيح البخارى 1/ 31، 43، 2/ 215، 8/ 169. ومسلم، في: باب من حلق قبل النحر. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 948 - 950. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فجاءَ رجلٌ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، لم أشْعُرْ، فحَلَقْتُ قبلَ أن أذْبَحَ. وذَكَر الحَدِيثَ. قال: فما سَمِعْتُه يُسْألُ يَوْمَئِذٍ عن أمْرٍ مِمّا يَنْسَى المرءُ أو يَجْهَلُ، مِن تَقْدِيمِ بعضِ الأمُورِ على بَعْضٍ وأشباهِها، إلَّا قال:«افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ» . رَواه مسلم. وعن ابنِ عباسٍ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قيلَ له يومَ النَّحْرِ، وهو بمِنًى: في النَّحْرٍ، والحَلْقِ، والرَّمْى، والتَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، [فقالَ:«لَا حَرَجَ» ] (1). مُتَّفقٌ عليه (2). ورَواه عبدُ الرزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِىِّ، عن عيسى بنِ طَلْحَةَ، عن عبدِ اللَّه بِن عَمْرٍو، وفيه: فحَلَقْتُ قبلَ أن أَرْمِىَ. وسُنَّةُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحَقُّ أن تُتَبَّعَ. فأمَّا إن فَعَلَه عامِدًا، عالِمًا مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ، فإنَّه لا دَمَ عليه، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن. وهو قولُ عَطاءٍ، وإسحاقَ؛ لإطْلاقِ حَدِيثِ ابنِ عباسٍ، وكذلك حديثُ عبدِ اللَّهِ ابنِ عَمْرٍو، مِن رِوايَةِ سُفْيانَ بنِ عُيَيْنَةَ. والثانيةُ، عليه دَمٌ. رُوِى نَحْوُ ذلك عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وجابرِ بنِ زَيْدٍ، وقتادَةَ، والنَّخَعِىِّ؛ لأنَّ اللَّهَ
= كما أخرجه أبو داود، في: باب في من قدم شيئًا قبل شئ. . .، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 464. والترمذى، في: باب ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح. . .، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 148. وابن ماجه، في: باب من قدم نسكا قبل نسك، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1014. والدارمى، في: باب في من قدم نسكه شيئًا قبل شئ، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 64، 65. والإمام مالك، في: باب جامع الحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 421. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 159، 160، 192، 202، 210، 217.
(1)
سقط من النسختين، وأثبتناه من مصادر التخريج.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 136.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى قال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (1). ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَتَّبَ، وقال:«خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (2). والحديثُ المُطْلَقُ قد جاء مُقَيَّدًا، فيُحْمَلُ المُطْلَقُ على المُقَيَّدِ. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّهِ يُسْألُ عن رجلٍ حَلَق قبلَ أن يَذْبَحَ؟ فقال: إن كان جاهِلًا، فليس عليه دَمٌ، فأمَّا مع التَّعَمُّدِ فلا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم سَألَه رجلٌ، فقال: لم أشْعُرْ. قِيلَ لأبى عبدِ اللَّهِ: سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ لا يقولُ: لم أشْعُرْ. فقالَ: نَعَمْ، ولكنَّ مالكًا والناسَ عن الزُّهْرِىِّ (3): لم أشْعُرْ. وهو في الحَدِيثِ. وقال مالكٌ: إن قَدَّمَ الحَلْقَ على الرَّمْى، فعليه دَمٌ، وإن قَدَّمَه على النَّحْرِ، أو النَّحْرَ على الرَّمْى، فلا شَئَ عليه؛ لأنَّه بالإجْماعِ مَمْنُوعٌ مِن حَلْقِ شَعَرِه قبلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ، ولا يَحْصُلُ إلَّا برَمْى الجَمْرَةِ، فأمَّا النَّحْرُ قبلَ الرَّمْى، فجائِزٌ؛ لأنَّ الهَدْىَ قد بَلَغَ مَحِلَّه. ولَنا الحَدِيثُ، فإنَّه لم يُفَرِّقْ بَيْنَهما، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قيلَ له: في الحَلْقِ، والنَّحْرِ، والتَّقْدِيمِ، والتَّأْخِيرِ. فقال:«لَا حَرَجَ» . ولا نَعْلَمُ خِلافًا بينَهم في أنَّ مُخالَفَةَ التَّرْتِيبِ لا تُخْرِجُ هذه الأفْعالَ عن الإِجْزاءِ، ولا تَمْنَعُ وُقُوعَها
(1) سورة البقرة 196.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 87.
(3)
أى: يقولون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَوْقِعَها، وإنَّما اخْتَلَفُوا في وُجُوبِ الدَّمِ على ما ذَكَرْنا.
فصل: فإن قَدَّمَ الإِفاضَةَ على الرَّمْى، أجْزَأ طَوافُه. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ: لا تُجْزِئُه الإِفاضَةُ، فلْيَرْمِ، ثم لْيَنْحَرْ، ثم لْيُقَصِّرْ. وكان ابنُ عُمَرَ يقولُ في مَن أفاضَ قبلَ أن يَحْلِقَ: يَرْجِعُ فيَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ، ثم يُفِيضُ. ولَنا، ما روَى عَطاءٌ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال له رجلٌ: أفَضْتُ قبلَ أن أَرْمِىَ؟ قال: «ارْم وَلَا حَرَجَ» . وعنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَئٍ فَلَا حَرَجَ» . رَواهما سعيدٌ في «سُنَنِه» . ورُوِىَ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، أتاه آخَرُ، فقالَ: إنِّى أفَضْتُ إلى البَيْتِ قبلَ أن أرْمِىَ؟ فقالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» . فما سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن شئٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلَّا قال: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» . رَواه أبو داودَ، والنَّسائىُّ، والتِّرْمِذِىُّ (1). ولأنَّه أتَى بالرَّمْى في وَقْتِه، فأجْزَأه، كما لو رَتَّبَ. ومُقْتَضَى كَلامِ أصحابِنا أنَّه يَحْصُلُ له بالإِفاضَةِ قبلَ الرَّمْى التَّحَلُّلُ الأوَّلُ، كمَن رَمَى ولم يُفِضْ. فعلى هذا لو واقَعَ أهلَه قبلَ الرَّمْى بعدَ الإِفاضَةِ، فعليه دَمٌ، ولا يَفْسُدُ حَجُّه. وكذلك قال الأوْزاعِىُّ. فإن رَجَع إلى أهْلِه ولم يَرْمِ، فعليه دَمٌ لتَرْكِ الرَّمْى، وحَجُّه صَحيحٌ؛ فإنَّ ابنَ عباسٍ قال: مَن نَسِىَ أو تَرَك شَيْئًا مِن نُسُكِه، فَلْيُهَرِقْ لذلك دَمًا (2).
(1) تقدم تخريجه في صفحة 219. ورواية النسائى له في السنن الكبرى 2/ 446، 447.
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 125.