الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ، اسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ، رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
ــ
صحِيحٍ. وفى ذلك اخْتِلافٌ ذَكَرْنَاه فيما مَضَى.
1326 - مسألة: (فإذا فَرَغ مِن الحَجِّ، اسْتُحِبَّ زيارَةُ قَبْرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم وقَبْرِ صاحِبَيْه، رَضِىَ اللَّه عنهما)
تسْتَحَبُّ زيارَةُ قَبْرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِما روَى الدَّارَقُطْنِىُّ (1) بإسْنادِه عن ابنِ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِى بَعْدَ وَفَاتِى، فَكَأنَّمَا زَارَنِى فِى حَيَاتِى» . وفى رِوايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرِى وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِى» . رَواه باللَّفْظِ الأوَّلِ سَعِيدٌ. وقال أحمدُ (2)، في رِوايَةِ عبدِ اللَّهِ، عن يَزِيدَ ابنِ قُسَيْطٍ، عن أبى هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَا مِنْ أحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ عِنْدَ قَبْرِى إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حَتَّى أرُدَّ عليه السلام» . قال: وإذا حَجَّ الذى لم يَحُجَّ قَطُّ، يَعْنِى مِن غيرِ طَربقِ الشَّامِ، لا يَأْخُذُ على طَرِيقِ المَدِينَةِ؛ لأنِّى أخافُ أن يَحْدُثَ به حَدَثٌ، فَيَنْبَغِى أن يَقْصِدَ مَكَّةَ مِن أقْصَدِ الطُّرُقِ، ولا يَتَشَاغَلُ بغيرِه.
(1) في: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 278. وانظر تلخيص الحبير 2/ 266، 267.
(2)
في مسنده: 2/ 527.
كما أخرجه أبو داود، في: باب زيارة القبور، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 470.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُرْوَى عن العُتْبِىِّ (1) قال: كُنْتُ جالِسًا عندَ قَبْرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فجاءَ أعْرَابىٌّ، فقالَ: السلامُ عليك يا رسولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ اللَّهَ يقولُ:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (2). وقد جئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِن ذَنْبِى، مُسْتَشْفِعًا بك إلى رَبِّى، ثم أنْشَأ يقولُ:
يا خَيْرَ مَن دُفِنَت بالقَاعِ أعْظُمُه
…
فطابَ مِن طِيبِهنَّ البانُ والأَكَمُ
نَفْسِى الفِدَاءُ لقَبْرٍ أنْتَ ساكِنُه
…
فيه العَفَافُ وفيه الجُودُ والكَرَمُ
ثم انْصَرَفَ الأعرابىُّ، فحَمَلَتْنِى عَيْنِى، فرأَيْتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«يا عُتْبِىُّ الْحَقِ الأعْرَابِىَّ فَبَشِّرْهُ أنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ» (3). ويُسْتَحَبُّ لمَن
(1) زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم تستحب لأجل السلام عليه. وبشرط أن تكون بدون سفر، بل تشرع لمن كان في المدينة، أو سافر لزيارة المسجد النبوى والصلاة فيه، فإنها تدخل تبعا. والديل على مشروعيتها عموم الدليل على مشروعية زيارة القبور، ولم يثبت بخصوص زيارة قبره عليه الصلاة والسلام حديث، وكل الأحاديث الواردة بخصوص زيارة قبره عليه الصلاة والسلام إما ضعيفة شديدة الضعف، أو موضوعة، كما نبه على ذلك الحفاظ، كالدارقطنى والبيهقى وابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عبد الهادى وغيرهم، فلا يجوز الاحتجاج بها. والحكاية التى ذكرها عن العتبى، لا يحتج بها عند أهل العلم، والمصنف رحمه الله ساقها بصيغة التمريض، حيث قال: ويروى. إلخ.
قال الحافظ ابن عبد الهادى، في «الصارم المنكى» صفحة 212 - 213: وفى الجملة ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابى مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف ولفظها مختلف أيضا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وباللَّه التوفيق. انتهى.
(2)
سورة النساء 64.
(3)
وردت هذه القصة والأبيات في تفسير ابن كثير 2/ 306.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَخَل المَسْجِدَ أن يُقَدِّمَ رِجْلَه اليُمْنَى، ثم يقولُ: بسمِ اللَّهِ والصلاةُ على رسولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لى، وافْتَحْ لى أبْوابَ رَحْمَتِك. فإذا خَرَج قَدَّمَ رِجْلَه اليُسْرَى، وقال مثلَ ذلك، إلَّا أنَّه يقولُ: وافْتَحْ لى أبْوابَ فَضْلِكَ. لِما رُوِى عن فاطِمَةَ بنتِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَها أن تَقُولَ ذلك إذا دَخَلَتِ المَسْجِدَ (1). ثم تَأْتِى القَبْرَ (2) فَتُوَلِّى ظَهْرَكَ القِبْلَةَ، وتَسْتَقْبِلُ وَسَطَه، وتقولُ: السلامُ عليك أيُّها النبىَّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه، السلامُ عليك يا نَبِىَّ اللَّهِ وخِيرَتَه مِن خَلْقِه وعبادِه، أشْهَدُ أنْ لا إله إلَّا اللَّه وَحْدَه لا شَرِيكَ له، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، وأشْهَدُ أنَّكَ قد بَلَّغْتَ رِسَالَاتِ رَبِّك، ونَصَحْتَ لأُمَّتِكَ، ودَعَوْتَ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وعَبَدْتَ اللَّهَ حتى أتاك اليَقِينُ، فصَلى اللَّهُ عليك كَثِيرًا كما يُحِبُّ رَبُّنا ويَرْضَى، اللَّهُمَّ اجْزِ عَنَّا نَبِيَّنا أفْضَلَ ما جَزَيْتَ أحَدًا مِن النَّبِيينَ والمرْسَلِين، وابْعَثْهُ المَقامَ المَحْمُودَ الذى وَعَدْتَه، يَغْبِطُه الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ،
(1) لم نجده عن طريق فاطمة رضى اللَّه عنها، وأخرجه عن طريق أبى حميد أو أبى أسيد مسلم، في: باب ما يقول إذا دخل المسجد، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 494. وأبو داود، في: باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 109. والنسائى، في: باب القول عند دخول المسجد وعند الخروج منه، من كتاب المساجد. المجتبى 2/ 41. والدارمى، في: باب ما يقول إذا دخل المسجد وإذا خرج، من كتاب الاستئذان. سنن الدارمى 2/ 293. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 497، 5/ 425.
(2)
يعنى بعد صلاة تحية المسجد، بأن يصلى ركعتين في المسجد، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبى صلى الله عليه وسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما صَلَّيْتَ على إبْراهِيمَ، وآلِ إبْراهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وبَارِكْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بَارَكْتَ على إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ (1)، وقَوْلُكَ الحَقُّ:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} . وقد أَتَيْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِن ذُنُوبى، مُسْتَشْفِعًا بِك إلى رَبِّى، فأسْألُكَ يارَبِّ أن تُوجِبَ لى المَغْفِرَةَ، كما أوْجَبْتَها لمَن أتاه في حَياتِه، اللَّهُمَّ اجْعَلْه أوَّلَ الشافِعِينَ، وأنْجَحَ السائِلِينَ، وأكْرَمَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، برَحْمَتِك يا أرْحَمَ الرَّاحِمين. ثم يَدْعُو لوَالِدَيْه ولإِخوانِه، وللمُسْلِمِينَ أجْمَعِين، ثم يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا، ويقولُ: السلامُ عليك يا أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، السلامُ عليك يا عمرُ الفارُوقُ، السلامُ عليكما يا صَاحِبَىْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وضَجِيعَيْه
(1) هذا فيه نظر من وجهين: الوجه الأول: أن هذه الآية يقصد بها المجئ إليه صلى الله عليه وسلم في حياته، ليستغفر للمذنبين، أما بعد موته فلا يطلب منه شئ لا الاستغفار ولا غيره، ولا يستغفر عند قبره، كما ذكر المصنف رحمه الله؛ لأن الصحابة لم يكونوا يفعلون هذا عند قبره، وهم أعلم الأمة بمعنى الآية الكريمة. الوجه الثانى، أن الدعاء لا يشرع عند قبره صلى الله عليه وسلم، وإنما يشرع في مسجده، والمشروع عند قبره وقبرى صاحبيه السلام فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في «مجموع الفتاوى» 1/ 229 - 230: فإن المعروف عن مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف من الصحابة والتابعين، أن الداعى إذا سلم على النبى صلى الله عليه وسلم، ثم أراد أن يدعو لنفسه، فإنه يستقبل القبلة، ويدعْو في مسجده، ولا يستقبل القبر ويدعو لنفسه، بل إنما يستقبل القبر عند السلام على النبى صلى الله عليه وسلم والدعاء له. هذا قول أكثر العلماء، كمالك في إحدى الروايتين، والشافعى، وأحمد، وغيرهم، وعند أصحاب أبى حنيفة، لا يستقبل القبر وقت السلام أيضا، ثم منهم من قال: يجعل الحجرة عن يساره. وقد رواه ابن وهب عن مالك، ويسلم عليه. ومنهم من قال: بل يستدبر الحجرة، ويسلم عليه. وهذا هو المشهور عندهم. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووزِيرَيْه، ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه، اللَّهُمَّ اجْزِهما عن نَبيِّهما وعن الإِسْلَامِ خَيْرًا {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (1). اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْه آخِرَ العَهْدِ مِن قَبْرِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم، ومِن حَرَمِ مَسْجِدِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
فصل: ولا يُسْتَحَبُّ التَمَسُّحُ بحائِطِ قَبْرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولا تَقْبِيلُه. قال أحمدُ، رحمه الله: ما أعْرِفُ هذا. قال الأثْرَمُ: رَأيْتُ أهْلَ العِلْمِ مِن أهلِ المَدِينَةِ لا يَمَسُّونَ قَبْرَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، يَقُومُون مِن ناحِيَةٍ فَيُسلِّمُونَ. قال أبو عبدِ اللَّهِ: وهكذا كان ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، يَفْعَلُ. قال: أمَّا المِنْبَرُ، فقد جاءَ فيه ما رَواه إبراهيمُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عَبْدٍ القارىُّ (2)، أنَّه نَظَر إلى ابنِ عُمَرَ، وهو يَضَعُ يَدَه على مَقْعَدِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم مِن المِنْبَرِ، ثم يَضَعُها على وَجْهِه.
فصل: ويُسْتَحَبُّ لمَن رَجَع مِن الحَجِّ أن يَقُولَ ما روَى البخارىُّ (3)، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللَّهِ
(1) سورة الرعد 24.
(2)
نسبة إلى القارة: بطن من العرب، وترجمة إبراهيم في: الأنساب 10/ 16.
(3)
في: باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو، من كتاب العمرة، وفى: باب غزوة الخندق وهى الأحزاب، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 3/ 8، 9، 5/ 142.
كما أخرجه مسلم، في: باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 980. وأبو داود، في: باب التكبير على كل شرف في المسير، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 79، 80. والإمام مالك، في: باب جامع الحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 421. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 5، 10، 15، 63، 105.