الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَمِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَه الْحَمْدُ، يُحْيِى وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَىٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَده الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى.
ــ
1286 - مسألة: (ويُكْثِرَ مِن الدُّعاءِ، ومِن قَوْلِ: لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَه لَا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، يُحْيِى ويُمِيتُ، وهو على كُلِّ شئٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وفى بَصَرِى نُورًا، وفى سَمْعِى نُورًا، ويَسِّرْ لِى أمْرِى)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه يُسْتَحَبُّ الإِكثارُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ تعالى والدُّعاءِ يومَ عَرَفَةَ؛ فإنَّه يَوْمٌ تُرْجَى فيه الإِجابَةُ، ولذلك أحْبَبْنَا له الفِطر، ليَتقَوَّى به على الدُّعاءِ، مع أنَّ صَوْمَه بغيرِ عَرَفَة يَعْدِلُ سَنَتَيْن. وروَى ابنُ ماجه في «سُنَنِه» (1)، قال: قالت عائشةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنهَا: إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:«مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإنَّهُ لَيَدْنُو عز وجل، ثُمَّ يُبَاهِى بِكُمُ المَلَائِكَةَ، فيَقُولُ: مَا أرَادَ هَؤُلَاءِ» . ويُسْتَحَبُّ أن يَخْتارَ المَأْثُورَ مِن
(1) في: باب الدعاء بعرفة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1003. كما أخرجه مسلم، في: باب في فضل الحج والعمرة. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 983. والنسائى، في: باب ما ذكر في يوم عرفة، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 202.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأَدْعِيَةِ، مثلَ ما رُوِى عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَرُ دُعَاءِ الأنْبِيَاءِ قَبْلِى، وَدُعَائِى عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِى وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِير، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَيَسِّرْ لِى أمْرِى» (1). وكان ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّه عنهما، يقول: اللَّه أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، وللَّهِ الحَمْدُ، اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، وللَّهِ الحَمْدُ، اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، وللَّهِ الحَمْدُ، لَا إلهَ إلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، اللَّهُمَّ اهْدِنِى بالهُدَى، وقِنى بالتَّقْوَى، واغْفِرْ لِى في الآخِرَةِ والأُولَى. ويَرُدُّ يَدَيْه، ويَسْكُتُ قَدْرَ ما كان إنْسانٌ قارِئًا فاتِحَةَ الكِتَابِ، ثم يَعُودُ فيَرْفَعُ يَدَيْه، ويقولُ مثلَ ذلك، ولم يَزَلْ يَفْعَلُ ذلك حتى أفاضَ. وسُئِلَ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أفْضَلِ الدُّعاءِ يومَ عَرَفَةَ؟ فقالَ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو على كُلِّ شئٍ قَدِيرٌ. فقِيلَ له: هذا ثَناءٌ وليس بدُعَاءٍ. فقالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشّاعِرِ (2):
أَأَذْكُرُ حَاجَتِى أم قَدْ كَفَانِى
…
حَيَاؤُكَ إنَّ شِيمَتَك الحَيَاءُ
إذا أَثْنَى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا
…
كَفَاهُ مِن تَعَرُّضِه الثَّنَاءُ
ورُوِىَ أنَّ مِن دُعاءِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم بعَرَفَةَ: «اللَّهُمَّ إنَّكَ تَرَى مَكَانِى،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب أفضل الدعاء. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 117. وضعف إسناده.
(2)
هو أمية بن أبى الصلت من قصيدة يمدح بها عبد اللَّه بن جدعان. والبيتان في: الاشتقاق 143، والأغانى 8/ 328، والأول في: طبقات فحول الشعراء 1/ 265.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَتَسْمَعُ كَلَامِى، وَتَعْلَمُ سِرِّى وَعَلَانِيَتى، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَئٌ مِنْ أمْرِى، أنَا البَائِسُ الفَقِيرُ، المُسْتَغِيثُ المُسْتَجِيرُ، الوَجِلُ المُشْفِقُ، المُقِرُّ المُعْتَرِفُ بِذَنْبِه، أسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ المِسْكِينِ، وأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتهَالَ المُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الخَائِفِ المُسْتجِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ (1) لَكَ رَقَبَتُه، وذَلَّ لَكَ جَسَدُهُ، وَفَاضَتْ لَكَ عَيْنُهُ، وَرَغَمَ (2) لَكَ أنْفُهُ» (3). ورُوِّينا عن سُفْيانَ الثَّوْرِىِّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ أعْرابِيًّا، وهو مُسْتَلْقٍ بعَرَفَةَ، يقولُ: إلهِى مَنْ أوْلَى بِالزَّلَلِ والتَّقْصِيرِ مِنِّى وقد خَلَقْتَنِى ضَعِيفًا، ومَنْ أوْلَى بالعَفْوِ عَنِّى مِنْكَ وعِلْمُكَ فىَّ سابِقٌ، وأمْرُكَ بى مُحِيطٌ، أطَعْتُكَ بإذْنِكَ والمِنَّةُ لك، وعَصيْتُكَ بعِلْمِكَ والحُجَّةُ لك، فأسْألُكَ بوُجُوبِ حُجَّتِكَ وانْقِطَاعِ حُجَّتِى، وبفَقْرِى إليكَ، وغِنَاكَ عَنِّى، أن تَغْفِرَ لِى وتَرْحَمَنِى. إلهِى لم أُحْسِنْ حتى أعْطَيْتَنِى، ولم أُسِئْ، حتى قَضَيْتَ علىَّ، اللَّهُمَّ أطعْتُكَ بنِعْمَتِكَ في أحب الأشْياءِ إليك، شَهَادَةِ أن لا إلهَ إلَّا اللَّه، ولم أعْصِكَ في أبْغَضِ الأشْياءِ إليك، الشِّرْكِ بك، فاغْفِرْ لى ما بينَهما، اللَّهُمَّ أنت أُنْسُ المُؤْنِسينَ لأوْلِيَائِك، وأقْرَبُهم بالكِفَايَةِ مِن المُتَوكِّلين عليك، تُشَاهِدُهم في ضَمائِرِهم، وتَطَّلِعُ على سَرائِرِهم، وسِرِّى اللَّهُمَّ لك مَكْشُوفٌ، وأنا إليك مَلْهُوفٌ، إذا أوْحَشَتْنِى الغُرْبَةُ
(1) في الأصل: «خشعت» .
(2)
رغم: مثلثة الغين: ذل.
(3)
أورده الهيثمى في: مجمع الزوائد 3/ 253. وعزاه إلى الطبرانى في الكبير والصغير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
آنَسنِى ذِكْرُكَ، وإذا أصْمَتْ (1) على الهُمُومُ لجَأْتُ إليك، اسْتِجَارَةً بك، عِلْمًا بأنَّ أزِمَّةَ الأُمُورِ بيَدَيْكَ، ومَصْدَرَها عن قَضَائِكَ. وكان إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحَرْبىُّ يقولُ: اللَّهُمَّ قد آوَيْتَنِى مِن ضَناىَ، وبَصَّرْتَنِى مِن عَمَاىَ، وأنْقَذْتَنِى مِن جَهْلِى وجَفَاىَ، أسْألكَ ما يَتِمُّ به فَوْزِى، وما أُؤمِّلُ في عاجِلِ دُنْياىَ ودِينِى، ومَأْمُولِ أجَلِى ومَعَادِى، ثم ما لا أَبْلُغُ أداءَ شُكْرِه، ولا أنالُ إحْصاءَه وذِكْرَه، إلَّا بتَوْفِيقِكَ وإلْهامِكَ، أنْ هَيَّجْتَ قَلْبِىَ القَاسِىَ على الشُّخُوصِ إلى حَرَمِك، وقَوَّيْتَ أرْكانِىَ الضَّعِيفَةَ لزِيارَةِ عَتِيقِ بَيْتك، ونَقَلْتَ بَدَنِى لإِشْهَادِى مَواقِفَ حَرَمِكَ، اقْتِدَاءً بسُنَّةِ خَلِيلِكَ، واحْتِذاءً على مِثالِ رسولِكَ، واتباعًا لآثارِ خِيرَتِكَ وأنبِيائِكَ وأصْفِيائِكَ، صلّى اللَّهُ عليهم، وأدْعُوكَ في مَواقِفِ الأنْبِيَاءِ، عليهم السلام، ومَناسِكِ السُّعداءِ، ومَشاهِدِ الشُّهَداءِ، دُعاءَ مَن أتَاكَ لرَحْمَتِك رَاجيًا، وعن وَطَنِه نائِيًا، ولِقَضاءِ نُسُكِه مُؤَدِّيًا، ولفَرائِضِك قاضيًا، ولكِتابِك تالِيًا، ولرِّبه عز وجل دَاعِيًا مُلبيًا، ولقَلْبِه شاكِيًا، ولذَنْبِه خاشِيًا، ولحَظِّه مُخْطِئًا، ولرَهْنِه مُغْلِقًا، ولنَفْسِه ظالِمًا، ولجُرْمِه عالِمًا، دُعاءَ مَن عَمَّتْ عُيُوبُه، وكَثُرَتْ ذُنُوبُه، وتَصَرَّمَتْ أيّامُه، واشْتَدَّتْ فاقَتُه، وانْقَطَعَتْ مُدَّتُه، دُعاءَ مَن ليس لذَنْبِه سواكَ غافِرًا، ولا لعَيْبِه غَيْرُكَ مُصْلِحًا، ولا لضَعْفِه غَيْرُكَ مُقَوِّيًا، ولا لكَسْرِه غَيْرُكَ جابِرًا، ولا لمَأْمُولِ خَيْرٍ غَيْرُكَ مُعْطِيًا، اللَّهُمَّ وقد أصْبَحْتُ في بَلَدٍ حَرامٍ، ويَوْمٍ حَرامٍ في شَهْرٍ حَرامٍ،
(1) أصمى الأمر فلانًا: حل به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في قِيامٍ مِن خَيْرِ الأنامِ، أسْأَلُكَ أن لا تَجْعَلَنِى أشْقَى خَلْقِكَ المُذْنِبينَ عندَك، ولا أخْيَبَ الرَّاجِين لَدَيْكَ، ولا أحْرَمَ الآمِلِينَ لرَحْمَتِك الزَّائِرِين لبَيْتك، ولا أخْسَرَ المُنْقَلِبِين مِن بلادِكَ، اللَّهُمَّ وقد كان مِن تَقْصِيرِى ما قد عَرَفْتَ، ومِن تَوْبِيقِى نَفْسِى ما قد عَلِمْتَ، ومِن مَظالِمِى ما قد أحْصَيْتَ، فكَم مِن كَرْبٍ منه قد نَجَّيْت، وكم مِن غَم قد جَلَّيْتَ، ومِن هَمٍّ قد فَرَّجْتَ، ودُعاءٍ قد اسْتَجَبْتَ، وشِدَّةٍ قد أزَلْتَ، ورَجاءٍ قد أنَلْتَ، مِنْكَ النَّعْماءُ، وحُسْنُ القَضاءِ، ومِنِّى الجَفاءُ، وطولُ الاسْتِقْصَاءِ، والتَّقْصِيرُ عن أداءِ شُكْرِكَ، لك النَّعْماءُ يا مَحْمُودُ، فلا يَمْنَعُكَ يا مَحْمُودُ مِن إعْطائِى مسألَتِى مِن حاجَتِى إلى حيثُ انْتَهَى لها سُؤْلِى ما تَعْرِف مِن تَقْصِيرِى، وما تَعْلَمُ مِن ذُنُوبِى وعُيُوبِى، اللَّهُمَّ فأدْعُوكَ راغِبًا، وأنْصِبُ لَكَ وَجْهِى طالِبًا، وأضَعُ لَكَ خَدِّى مُذْنِبًا راهِبًا، فَتَقَبَّلْ دُعائِى، وارْحَمْ ضَعْفِى، وأصْلِحِ الفَسادَ مِن أمْرِى، واقْطعْ مِن الدُّنْيَا هَمِّى، واجْعَلْ فيما عندَك رَغْبَتِى، اللَّهُمَّ واقْلِبْنِى مُنْقَلَبَ المُدْرِكِين لرَجائِهم، المَقْبُولِ دُعاؤُهم، المَفْلُوجِ حُجَّتُهُم (1)، المَبْرُورِ حَجُّهم، المَغْفُورِ ذَنْبُهم، المَحْطُوطِ خَطَايَاهُم، المَمْحُوِّ سَيِّئَاتُهم، المَرْشُودِ أمْرُهُم، مُنْقَلَبَ مَن لا يَعْصِى لَكَ بَعْدَه أمْرًا، ولا يَأْتِى مِن بَعْدَه مَأْثَمًا، ولا يَرْكَبُ بَعْدَه جَهْلًا، ولا يَحْمِلُ بَعْدَه وِزْرًا، مُنْقَلَبَ مَن عَمَّرْتَ قَلْبَه بذِكْرِكَ، ولِسَانَه بشُكْرِك، وطَهَّرْتَ الأدْناسَ مِن بَدَنِه، واسْتَوْدَعْتَ
(1) المفلوج حجتهم: المثبتة حجتهم.
وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوع الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، فمَنْ حَصَلَ بِعَرَفةَ فِى شَىْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ عَاقِلٌ، تَمَّ حَجُّهُ.
ــ
الهُدَى قَلْبَه، وشَرَحْتَ بالإِسْلامِ صَدْرَه، وأقْرَرْتَ بعَفْوِكَ قبلَ المَمَاتِ عَيْنَه، وأغْضَضْتَ عن المَآثِمِ بَصَرَه، واسْتُشْهِدَتْ في سَبِيلِكَ نَفْسُه، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين، وَصلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى آلِه وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، كما يُحِبُّ رَبُنا ويَرْضَى، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّه العَلِىِّ العَظِيمِ. ويَدْعُو بما أحَبَّ مِن الدُّعاءِ والذِّكْرِ إلى غُرُوبِ الشمسِ.
فصل: (ووَقْتُ الوُقُوفِ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ يومَ عَرَفَةَ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ يومَ النَّحْرِ، فمَن حَصَل بعَرَفَةَ في شئٍ مِن هذا الوَقْتِ وهو عاقِل، تَمَّ حَجُّه) لا نَعْلَمُ خِلافًا بينَ العُلَماءِ، أنَّ آخِرَ وَقْتِ الوُقُوفِ طُلُوعُ الفَجْرِ مِن يومِ النَّحْرِ. قال جابِر، رَضِىَ اللَّه عنه: لا يَفُوتُ الحَجُّ حتى يَطْلُعَ الفَجْرُ مِن لَيْلَةِ جَمْع. قال أبو الزُّبَيْرِ: فقُلْتُ له: أقَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نَعَمْ. رَواه الأثْرَمُ (1). وأمّا أوَّلُه فمِن طُلُوعِ الفَجْرِ يومَ
(1) أخرجه البيهقى بنحوه، في: باب إدراك الحج بإدراك عرفة. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 174.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَرَفةَ، فمتى حَصَل بعَرَفَةَ في شئٍ مِن هذا الوَقْتِ وهو عاقِلٌ، فقد تَمَّ حَجُّه. وقال مالكٌ، والشافعىُّ: أوَّلُ وَقْتِه زَوالُ الشمس يومَ عَرَفَةَ. واخْتاره أبو حَفْص العُكْبَرِىُّ. وحَكَى ابنُ عبدِ البَرِّ ذلك إجْماعًا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما وَقَف بعدَ الزَّوَالِ. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنا هَذِه، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» (1). ولأنَّه مِن يومِ عَرَفَةَ، فكانَ وَقْتًا للوُقُوفِ، كما بعدَ الزَّوالِ، وتَرْكُ الوُقُوفِ فيه لا يَمْنَعُ كَوْنَه وَقْتًا له، كما بعدَ العِشاءِ. وإنَّما وَقَفُوا في وَقْتِ الفَضِيلَةِ، ولم يَسْتَوْعِبُوا وَقْتَ الوُقُوفِ.
فصل: وكيفما حَصَل بعَرَفَةَ وهو عاقل أجْزَأه؛ قائِمًا، أو جالِسًا، أو راكِبًا، أو نائِمًا وإن مَرَّ بها مُجْتازًا (2)، فلم يَعْلَمْ أنَّها عَرَفَةُ، أجْزأَه أيضًا. وبه قال مالك، والشافعىُّ، وأبو حنيفةَ. وقال أبو ثَوْرٍ: لا يُجْزِئُه، لأنَّه لا يكونُ واقِفًا إلَّا بالإرادَةِ. ولَنا، عُمُومُ قَوْلِه عليه السلام:
(1) تقدم تخريجه في 8/ 346.
(2)
في النسخ: «مختارًا» . وانظر المغنى 5/ 275.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أوْ نَهَارًا» . ولأنَّه حَصَل بعَرَفَةَ في زَمَنِ الوُقُوفِ وهو عاقِلٌ، فأجْزَأه، كما لو عَلِم. وإن وَقَف وهو مُغْمًى عليه أو مَجْنُونٌ، ولم يُفِقْ حتى خَرَج منها، لم يُجْزِئْه. وهو قولُ الحسنِ، والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال عَطاءٌ في المُغْمَى عليه: يُجْزِئُه. وهو قولُ مالكٍ، وأصحابِ الرَّأْى. وقد تَوَقَّفَ أحمدُ في هذه المسألةِ، وقال: الحَسَنُ يَقُولُ: بَطَل حَجُّه، وعَطاء يُرَخِّصُ فيه. وذلك لأنَّه لا يُعْتَبَرُ له نِيَّةٌ ولا طَهارَةٌ، ويَصِحُّ مِن النّائِمِ، فصَحَّ مِن المُغْمَى عليه، كالمَبِيتِ بمُزْدَلِفَةَ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه رُكْنٌ مِن أرْكانِ الحَجّ، فلم يَصِحَّ مِن المُغْمَى عليه، كسائِرِ أرْكانِه. قال ابنُ عَقِيلٍ: والسَّكْرانُ كالمُغْمَى عليه؛ لأنَّه زائِلُ العَقْلِ بغيرِ نَوْم. فأمّا النّائِمُ فهو في حُكْمِ المُسْتَيْقِظِ، يُجْزِئُه الوُقُوفُ.
فصل: وتُسَنُّ له الطَّهارَةُ. قال أحمدُ: يُسْتَحَبُّ أن يَشْهَدَ المَنَاسِكَ كلَّها على وُضُوءٍ، كان عَطاءٌ يقولُ: لا يُقْضَى شئٌ مِن المَناسِكِ إلَّا على وُضُوءٍ. ولا يَجِبُ ذلك. وحَكَاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. وفى قولِ النبىِّ