الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ، إِنْ أخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟
ــ
أحَقُّ أن تُتَّبَعَ. رَواهُ سعيدٌ (1). [وعن](2) ابنِ عباسٍ، أنَّه قال: إذا رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ، فقد حَلَّ لكم كلُّ شَئٍ، النِّساءَ. فقال له رجلٌ: والطِّيبُ؟ فقال: أمَّا أنا فقد رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُضَمِّخُ رَأْسَه بالمِسْكِ، أفطِيبٌ هو ذاك أم لا؟ رَواه ابنُ ماجَه (3). وقال مالكٌ: لا يَحِلُّ له النِّساءُ، ولا الطِّيبُ، ولا قَتْلُ الصَّيْدِ؛ لقَوْلِه سبحانه:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (4). وهذا حَرامٌ. وقد ذَكَرْنا ما يَرُدُّ هذا القولَ، ويَمْنَعُ أنَّه مُحْرِمٌ، وإنَّما بَقِىَ بعضُ أحكامِ الإِحْرامِ.
1306 - مسألة: (والحِلاقُ
(5) والتَّقْصِيرُ نُسُكٌ، إن أخَّرَه عن
(1) وأخرجه البيهقى، في: باب ما يحل بالتحلل الأول. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 135، 136. والإمام الشافعى، في: باب فيما يلزم المحرم عند تلبسه بالإحرام، من كتاب الحج. ترتيب مسند الشافعى 1/ 298، 299.
(2)
في م: «عن» .
(3)
في: باب ما يحل للرجل إذا رمى. . .، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1011.
كما أخرجه النسائى، في: باب ما يحل للمحرم. . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 225.
(4)
سورة المائدة 95.
(5)
في م: «الحلق» .
عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ، أنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، لَا شَىْءَ فِى تَرْكِهِ. وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْى وَحْدَهُ.
ــ
أيّامِ مِنًى، فهل يَلزَمُه دَمٌ؟ على رِوايَتَيْن. وعنه، أنَّه إطْلَاقٌ مِن مَحْظُورٍ، لا شئَ في تَرْكِه. ويَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بالرَّمْىِ وَحْدَه) الحَلْقُ والتَّقْصِيرُ نُسُكٌ في الحَجِّ والعُمْرَةِ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ، والشافعىِّ. وعن أحمدَ، أنَّه ليس بنُسُكٍ، وإنَّما هو إطْلاقٌ مِن مَحْظُورٍ كان مُحَرَّمًا عليه بالإِحْرامِ، فأُطْلِقَ فيه بالحِلِّ، كاللِّباسِ، وسائِرِ مَحْظوراتِ الإِحْرامِ. فعلى هذه الرِّوايَةِ لا شئَ على تارِكِه، ويَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بدُونِه. ووَجْهُها، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بالحِلِّ مِن العُمْرَةِ قَبْلَه، فروَى أبو موسى، رَضِىَ اللَّه عنه، قال: قَدِمْتُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«بِمَ أَهْلَلْتَ؟» قُلْتُ: لَبَّيْكَ بإهْلَالٍ كإهْلَالِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«أَحْسَنْتَ» . وأمَرَنِى فطُفْتُ بالبَيْتِ، وبينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ثم قال لى:«أَحِلَّ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وعن جابِرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا
(1) تقدم تخريجه في 8/ 199.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَعَى بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، قال:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ، فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» . رَواه مسلمٌ (1). ولأنَّ ما كان مُحَرَّمًا في الإِحْرام، إذا أُبِيحَ كان إطْلاقًا مِن مَحْظُورٍ، كسائِرِ مُحَرَّماتِه. والرِّوايَةُ الأُولَى أصَحُّ، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ به، فروَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ، فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ» (2). وعن جابِرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أُحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا» . وأمْرُه يَقْتَضِى الوُجُوبَ. ولأنَّ اللَّهَ تعالى وَصَفَهم بقَوْلِه: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (3). ولو لم يَكُنْ مِن المَناسِكِ لَما وَصَفهم به، كاللُّبْسِ وقَتْلِ الصَّيْدِ، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم تَرَحَّمَ على المُحَلِّقِينَ ثَلاثًا، وعلى المُقَصِّرِينَ مَرَّةً، ولو لم يَكُنْ مِن المَناسِكِ، لَما دَخَلَه التَّفْضِيلُ، كالمُباحَاتِ، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه فَعَلُوه في جَمِيع حَجِّهِم وعُمَرِهم، لم يُخِلُّوا به، ولو لم يَكُنْ نُسُكًا لَما دَاوَمُوا عليه، بل لم يَفْعَلُوه إلَّا نادِرًا؛ لأنَّه لم يَكُنْ مِن عادَتِهم فيَفْعَلُوه عادَةً، ولا فيه فَضْل فيَفْعَلُوه لفَضْلِه. فأمَّا أمْرُه بالحِلِّ، فإنَّما مَعْنَاه، واللَّه أعْلَمُ، الحِلُّ
(1) تقدم تخريجه في حديث جابر الطويل في 8/ 363.
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 157.
(3)
سورة الفتح 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَفْعَلُه؛ لأنَّ ذلك كان مَشْهُورًا عندَهم، فاسْتُغْنِىَ عن ذِكْرِه، ولا يَمْنَعُ الحِلُّ مِن العِبادَةِ بما كان مُحَرَّمًا فيها، كالسلامِ في الصَّلاةِ.
فصل: فإذا قُلْنا: إنَّه نُسُكٌ. جاز تَأْخِيرُه إلى آخِرِ أيَّامِ النَّحْرِ؛ لأنَّه إذا جازَ تَأْخِيرُ النَّحْرِ المُقَدَّمِ عليه، فتَأْخِيرُه أوْلَى، فإن أخَّرَه عن ذلك، فلا دَمَ عليه، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْن؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالَى بَيَّنَ أوَّلَ وَقْتِه، ولم يُبَيِّنْ آخِرَه، فمتى أتَى به أجْزَأ، كالطَّوافِ للزِّيارَةِ والسَّعْى. والثّانِيَةُ، عليه دَمٌ، لأنَّه نُسُكٌ أخَّرَه عن مَحِلِّه. ومَن تَرَك نُسُكًا فعليه دَمٌ. ولا فَرْقَ في التَّأخِيرِ بينَ القَلِيلِ والكَثِيرِ، والعامِدِ والسَّاهِى. وقال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ، ومحمدٌ: مَن تَرَكَه حتى حَلَّ، فعليه دَمٌ؛ لأنَّه نُسُكٌ، فوَجَبَ أن يَأْتِىَ به قبلَ الحِلِّ، كسائِرِ مَناسِكِه. ولَنا، ما تَقَدَّمَ. وهل يَحِلُّ قبلَه؟ فيه رِوَايَتان؛ إحداهُما، أنَّ التَّحَلُّلَ إنَّما يَحْصُلُ بالحَلْقِ والرَّمْى مَعًا. وهو ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، وقولُ الشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْى؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا رَمَيْتُمْ، وحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَئٍ، إلَّا النِّسَاءَ» (1). وتَرْتِيبُ الحِلِّ عليهما دَلِيلٌ على حُصُولِه بهما، ولأنَّهما نُسُكان يَتَعَقَّبُهما الحِلُّ، فكان حاصِلًا بهما، كالطَّوافِ والسَّعْى في العُمْرَةِ. والثانِيَةُ، يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بالرَّمْى وَحْدَه. وهذا قولُ عَطاءٍ، ومالكٍ، وأبى ثَوْرٍ. قال شيخُنا (2): وهو الصَّحِيحُ، إن شاءَ اللَّهُ تَعالَى؛
(1) تقدم تخريجه في صفحة 212.
(2)
في: المغنى 5/ 310.