الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنْ تَعَيَّبَتْ، ذَبَحَهَا، وَأَجْزَأَتْهُ، إِلَّا أَنْ تَكُوِنَ وَاجِبَةً فِى ذِمَّتِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ، كَالْفِدْدة وَالْمَنْذُورِ فِى الذِّمَّةِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا.
ــ
بالأَكْلِ منها، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه أوْصَلَه إلى مُسْتَحِقِّه، فأشْبَهَ ما لو فَعَلَ ذلك بعدَ بُلُوغِ الهَدْى مَحِلَّه، وإن تَعَيَّبَ ذَبَحَه، وأجْزَأه. وقال أبو حنيفةَ: لا يُجْزِئُه. ولَنا، أنه لو عَطِبَ لم يَلْزَمْه شئٌ، فالعَيْبُ أوْلَى؛ لأنَّه أقَلُّ، وكما لو حَدَث به العَيْبُ حالَ إضجاعِه، فإنَّه قد سَلَّمَه. وإن تَعَيَّبَ بفِعْلِ آدَمِىٍّ، فعليه ما نَقَصَه مِن القِيمَةِ، يَتَصَدَّقُ به. وقال أبو حنيفةَ: يُباعُ جَمِيعُه، ويُشْتَرَى بالجميعِ هَدْىٌ. وبَنَى ذلك على أنَّه لا يُجْزِئُ، وقد بَيَّنَّا أنه يُجْزِئُ.
1365 - مسألة: (وإن تَعَيَّبَتْ، ذَبَحَها، وأجْزَأته، إلَّا أن تَكونَ واجبَةً في ذِمَّتِه قبلَ التَّعْيينِ، كالفِدْيةِ والمَنْذُورِ في الذِّمَّةِ، فعليه بَدَلُها)
إذا أَوْجَبَ أُضْحِيَةً سَلِيمَةً، ثم حَدَث بها عَيْبٌ يَمْنَعُ الإِجْزاءَ، ذَبَحَها، وأجْزَأته. رُوِى هذا عن عَطاءٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، والزُّهْرِىِّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِىِّ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وإسحاقَ. وقال أصحابُ الرَّأْى: لا تُجْزِئُ. لأنَّ الأُضْحِيَةَ عندَهم واجِبَة، فلا يَبْرأ منها إلَّا بإِراقَةِ دَمِها سَلِيمَةً، كما لو أوْجَبَها في ذِمَّتِه، ثم عَيَّنَهَا، فعابَتْ. ولَنا، ما روَى أبو سعيدٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّى به، فأصابَ الذِّئْبُ مِن ألْيَتِه، فسَألْنَا النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فأَمَرَنَا أن نُضَحِّىَ به. رَواه ابنُ ماجَه (1). ولأنَّه عَيْبٌ حَدَث في الأُضْحِيَةِ الواجبَةِ، فلم يَمْنَعِ الإِجْزاءَ، كما لو حَدَث بها عَيْبٌ بمُعالَجَةِ الذَّبْحِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّها واجِبَةٌ في الذِّمَّةِ، وإنَّما تَعَلَّقَ الوُجُوبُ بعَيْنها. فأمَّا إن تَعَيَّبَتْ بفِعْلِه، فعليه بَدَلُها. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا عالَجَ ذَبْحَها، فقَلَعَتِ السِّكِّينُ عَيْنَها، أجْزَأتِ، اسْتِحْسَانًا. ولَنا، أنَّه عَيْبٌ أحْدَثَه قبلَ ذَبْحِها (2)، فلم يُجْزِئْه، كما لو كان قبلَ مُعالَجَةِ الذَّبْحِ.
(1) في: باب من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شئ، من كتاب الأضاحى. سنن ابن ماجه 2/ 1051. كما أخرجه الامام أحمد، في: المسند 3/ 32.
(2)
في م: «ذبحه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والواجِبُ في الذِّمَّةِ مِن الهَدْى قِسْمان؛ أحَدُهما، وَجَب بالنَّذْرِ في ذِمَّتِه. والثانى، وَجَب بغيرِه، كهَدْىِ المُتْعَةِ والقِرانِ، والدِّماءِ الواجِبَةِ في النُّسُكِ بتَرْكِ واجِبٍ، أو فِعْلِ مَحْظُورٍ. فمتَى عَيَّنَ عمّا في ذِمَّتِه شيْئًا، فقال: هذا الواجِبُ علىَّ. فإنَّه يَتَعَيَّنُ الوُجُوبُ فيه مِن غيرِ (1) أن تَبْرَأ الذِّمَّةُ؛ لأَنه لو أوْجب هَدْيًا ولا هَدْىَ عليه لَتَعَيَّنَ، فكذلك إذا كان واجبًا فعَيَّنَه، إلَّا أنَّه مَضْمُونٌ عليه. فإن عَطِبَ، أو سُرِقَ، أو نَحْوُ ذلك، لم يُجْزِئْه، وعاد الوُجُوبُ إلى ذِمَّتِه، كما لو كان لرجلٍ عليه دَيْنٌ، فاشْتَرَى به مَكِيلًا، فتَلِفَ قبلَ قَبْضِه، انْفَسَخَ البَيْعُ، وعاد الدَّيْنُ إلى ذِمَّتِه، ولأنَّ ذِمته لم تَبْرأْ مِن الواجِبِ بتَعْيِينِه، وإنَّما تَعَلَّقَ الوُجُوبُ بمحِلٍّ آخَرَ، فصارَ كالدَّيْنِ يَضْمَنُه ضامِنٌ، أو يَرْهَنُ به رَهْنًا، فإنَّه يَتَعَلَّقُ الحَقُّ بالضَّامِنِ والرَّهْنِ مع بَقائِه في ذِمَّةِ المَدِينِ، فمتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤه مِن الضَّامِنِ، أو تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِىَ الحَقُّ في الذِّمَّةِ بحالِه. فأمَّا إن ساقَ الهَدْى يَنْوِى به الواجِبَ الذى في ذِمَّتِه، ولم يُعَيِّنْه بالقَوْلِ، فهذا لا يَزُولُ مِلْكُه عنه إلَّا بذَبْحِه ودَفْعِه إلى أهْلِه،
(1) بعده في م: «أى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وله التَّصَرُّفُ فيه بما شاءَ مِن بَيْعٍ وهِبَةٍ وأكْلٍ وغيرِ ذلك؛ لأنَّه لم يَتَعَلَّقْ به حَقٌّ لغيرِه، وله نماؤُه، وإن عَطِبَ تَلِفَ مِن مالِه، وإن تَعَيَّبَ لم يُجْزِئْه ذَبْحُه، وعليه الهَدْىُ الذى كان واجِبًا، ولا يَبْرَأُ إلَّا بإيصالِه إلى مُسْتَحِقِّه، بمَنْزِلَةِ مَن عليه دَيْنٌ، فحَمَلَه إلى مُسْتَحِقِّهِ، يَقْصِدُ دَفْعَه إليه، فتَلِفَ قبلَ أن يُوصِلَه إليه. ومتى عَيَّنَه بالقَوْلِ تَعَيَّنَ، فإن ذَبَحَه، فسُرِقَ، أو عَطِبَ، فلا شئَ عليه. قال أحمدُ، رحمه الله: إذا نَحَر فلم يُطْعِمْه حتى سُرِقَ، لا شئَ عليه، فإنَّه إذا نَحَر فقد فَرَغ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وابنُ القاسِمِ صاحِبُ مالكٍ، وأصحابُ الرَّأْى. وقال الشافعىُّ: عليه الإِعادَةُ؛ لأنَّه لم يُوصِلِ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه، فأشْبَهَ ما لو لم يَذْبَحْه. ولَنا، أنه أدَّى الواجِبَ عليه، فبَرِئَ منه، كما لو فَرَّقَه. ودَلِيلُ أنَّه أدَّى الواجِبَ، أنَّه لم يَبْقَ إلَّا التَّفْرِقَةُ، وليست وَاجِبَةً؛ لأنَّه لو خَلَّى بينَه وبينَ الفُقَراءِ أجْزَأه، ولذلك لَمّا نَحَر النبىُّ صلى الله عليه وسلم البَدَناتِ، قال:«مَنْ شَاءَ اقْتَطعَ» (1). وإذا عَطِبَ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 205.