الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ، لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافَ، إِذَا فَرَغَ
ــ
وابنُ عباسٍ. ولا يُخْرِجْ مِن حجارَةِ مَكَّةَ إلى الحِلِّ، والخُرُوجُ أشَدُّ، إلَّا أنَّ ماءَ زَمْزَمَ أخْرَجَه كَعْبٌ.
فصل: قال أحمدُ، رَضِىَ اللَّه عَنه: كيفَ لنا بالجِوارِ بمَكَّةَ! قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لأحَبُّ البِقَاعِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّى أُخرِجْتُ مِنْكِ مَا خرَجْتُ» (1). وإنَّما كَرِه عُمَرُ الجِوارَ بمَكَّةَ، لمَن هاجَرَ منها، وجابِرُ بنُ عبدِ اللَّهِ جاوَرَ بمَكَّةَ وجميعُ أهَلِ البلادِ، ومَن كان مِن أهْلِ اليَمَنِ ليس بمَنْزِلَةِ مَن يَخْرُجُ ويُهاجِرُ. أى لا بَأْس به. وابنُ عُمَرَ كان يُقِيمُ بمَكَّةَ. قال: والمُقامُ بالمَدِينَةِ أحَبُّ إلَىَّ مِن المُقام بمَكَّةَ، لمَن قَوِىَ عليه؛ لأنَّها مُهاجَرُ المُسْلِمينَ، وقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَصْبِرُ أحَدٌ عَلَى لَأوَائِهَا وَشِدَّتِهَا إلَّا كُنْتُ له شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ» (2).
1321 - مسألة: (فإذا أتَى مَكَّةَ، لم يَخْرُجْ حتى يُوَدِّعَ البَيْتَ
(1) أخرجه الترمذى، في: باب في فضل مكة، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 280. وابن ماجه، في: باب فضل مكة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1037. والدارمى، في: باب إخراج النبى صلى الله عليه وسلم من مكة، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 239.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب الترغيب في سكنى المدينة، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 1003. والترمذى، في: باب في فضل المدينة، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 13/ 275. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 113، 119، 133، 288، 338، 343، 397، 439، 447، 3/ 58، 6/ 370.
مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ.
ــ
بالطَّوافِ، إذا فَرَغ مِن جَمِيعِ أُمُورِه) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ مَن أتَى مَكَّةَ فلا يَخْلُو؛ إمَّا أن يُرِيدَ الإِقامَةَ بها، أو الخُرُوجَ منها، فإن أقامَ بها فلا وَداعَ عليه؛ لأنَّ الوَداعَ مِن المُفارِقِ، وسَواءٌ نَوَى الإِقامَةَ قبلَ النَّفْرِ أو بعدَه. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن نَوَى الإِقامَةَ بعدَ أن حَلَّ له النَّفْرُ، لم يَسْقُطْ عنه الطَّوافُ. ولَنا، أنَّه غيرُ مُفارِقٍ، فلا يَلْزَمُه وَداعٌ، كمَنِ نَواها قبلَ حِلِّ النَّفْرِ، وإنَّما قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ» (1). وهذا ليس بنافِرٍ. فأمَّا الخارِجُ مِن مَكَّةَ، فليس له الخُرُوجُ حتى يُوَدِّعَ البَيْتَ بطَوافِ سَبْعٍ، وهو واجِبٌ يَجِبُ بتَرْكِه دَمٌ. وبه قال الحسنُ، والحَكَمُ، وحَمّادٌ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال الشافعىُّ في قولٍ: لا يَجِبُ بتَرْكِه شئٌ؛ لأنَّه يَسْقُطُ عن الحائِضِ، فلم يَكُنْ واجِبًا، كطَوافِ القُدُومِ. ولَنا، ما روَى ابنُ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، قال: أُمِرَ النّاسُ أن يكونَ آخِرُ عَهْدِهم بالبَيْتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عن المَرْأةِ الحائِضِ. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولمسلمٍ، قال: كان النّاسُ
(1) أخرجه مسلم، في: باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 963. وأبو داود، في: باب الوداع، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 462. وابن ماجه، في: باب طواف الوداع، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1020. والدارمى، في: باب في طواف الوداع، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 72. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 222.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب طواف الوداع، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 220. ومسلم، في الموضع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْصَرِفُونَ كلَّ وَجْهٍ، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«لَا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ» . وسُقُوطُه عن المَعْذُورِ لا يُوجِبُ سُقُوطَه عن غيرِه، كالصلاةِ تَسْقُطُ عن الحائِضِ، وتَجِبُ على غيرِها، بل تَخْصِيصُ الحائِضِ بإسْقاطِه عنها دَلِيلٌ على وُجُوبِه على غيرِها، إذ لو كان ساقِطًا عن الكلِّ، لم يَكُنْ لتَخْصِيصِها بذلك مَعْنًى. إذا ثَبَت وُجُوبُه، فإنَّه ليس برُكْنٍ، بغيرِ خِلافٍ، ويُسَمَّى طَوافَ الوَداعِ؛ لأنَّه لتَوْدِيعِ البَيْتِ، وطَوافَ الصَّدَرِ؛ لأنَّه عندَ صُدُورِ النّاسِ مِن مَكَّةَ. ووَقْتُه بعدَ فَراغِ الحاجِّ مِن جَمِيعِ أمْرِه؛ ليَكُونَ آخِرُ عَهْدِه بالبَيْتِ، كما جَرَتِ العادَةُ في تَوْدِيعِ المُسافِرِ أهْلَه وإخْوانَه، ولذلك قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِه بِالبَيْتِ» .
فصل (1): ولا وَداعَ على مَن مَنْزِله بالحَرَمِ؛ لأنَّه كالمَكِّىِّ، فإن كان مَنْزِلُه خارِجَ الحَرَمِ قَرِيبًا منه، فعليه الوَداعُ. وهو ظاهِرُ كَلام الخِرَقِىِّ. وهذا قولُ أبى ثَوْرٍ. وقال أصحابُ الرَّأْى في أهلَ بُسْتانِ ابنِ عامِرٍ (2)، وأهلِ المَواقِيتِ: إنَّهم بمَنْزِلةِ أهلِ مَكَّةَ في طَوافِ الوَداعِ؛ لأنَّهم مَعْدُودُون مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ، بدَلِيلِ سُقُوطِ دَمِ المُتْعَةِ عنهم. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السلام: «لَا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ
(1) هذا الفصل غر موجود: في النسخة المطبوعة.
(2)
هو بستان ابن معمر، وهذه تسمية العامة له، وهو مجتمع النخلتين النخلة اليمانية والنخلة الشامية. وقيل: بستان ابن معمر غير بستان ابن عامر، الأول هو الذى يعرف ببطن نخلة، والثانى موضع آخر قريب من الجحفة. معجم البلدان 1/ 610.