الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ وَلَدَتْ، ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا. وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا.
ــ
1356 - مسألة: (وإن وَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدَها معها، ولا يَشْرَبُ مِن لَبَنِها إلَّا ما فَضَلَ عن وَلَدِها)
إذا عَيَّنَ أُضْحِيَةً، فوَلَدَتْ، فحُكْمُ وَلَدِها حُكْمُها، سَواءٌ كان حَمْلًا حالَ التَّعْيِينِ، أو حَدَثَ بعدَه. وبهذا قال الشافعىُّ. وعن أبى حنيفةَ: لا يَذْبَحُه، ويَدْفَعُه إلى المساكينِ حيًّا، فإن ذَبَحَه دَفَعَه إليهم مَذْبُوحًا، وأرْشَ ما نَقَصَهُ الذَّبْحُ؛ لأنَّه مِن نَمائِها، فيَلْزَمُه دَفْعُه إليهم على صِفَتِه، كصُوفِها وشَعَرِها. ولَنا، أنَّ اسْتِحْقَاقَ وَلَدِها حُكْمٌ ثَبَتَ للوَلَدِ بطريقِ السِّرايَةِ مِن الأُمِّ، فثَبَتَ له ما ثَبَت لها، كَولَدِ أُمِّ الوَلَدِ، والمُدَبَّرَةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يَذْبَحُه كما ذَبَحَها؛ لأنَّه صارَ أُضْحِيَةً على وَجْهِ التَّبَعِ لأُمِّه، ولا يَجُوزُ ذَبْحُه قبلَ وَقْت ذَبْحِ أُمِّه، ولا تَأْخِيرُه عن آخِرِ الوَقْتِ، كأُمِّه. وقد رُوِى عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ رَجُلًا سَأَلَه، فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمِنين، إنِّى اشْتَرَيْتُ هذه البَقَرَةَ لأُضَحِّىَ بها، وإنَّها وَضَعَتْ هذا العِجْلَ؟ فقال علىٌّ: لا تَحْلِبْها إلَّا ما فَضَل عن تَيْسِيرِ وَلَدِها، فإذا كان يومُ الأَضْحَى، فاذْبَحْها ووَلَدَها عن سَبْعَةٍ. رَواه سعيدٌ، والأثْرَمُ (1).
(1) وأخرجه البيهقى، في: باب ما جاء في ولد الأضحية ولبنها، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ووَلَدُ الهَدْيَةِ بِمَنْزِلَتِها أيضًا، كوَلَدِ الأُضْحِيَةِ إن أمْكَنَ سَوْقُه، وإلَّا حَمَلَه على ظَهْرِها، وسَقَاهُ مِن لَبَنِها، فإن لم يُمْكِنْه سَوْقُه ولا حَمْلُه، صَنَع به ما يَصْنَعُ بالهَدْىِ إذا عَطِبَ، ولا فَرْقَ في ذلك بينَ ما عَيَّنَه ابْتِداءً، وبينَ ما عَيَّنَه عن الواجِبِ في ذِمَّتِه. وقال القاضِى في المُعَيَّنِ بَدَلًا عن الواجِبِ: يَحْتَمِلُ أن لا يَتْبَعَها وَلَدُها؛ لأنَّ ما في الذِّمَّةِ واحِدٌ، فلا يَلْزَمُه اثْنَانِ. والصَّحِيحُ أنَّه يَتْبَعُ أُمَّه في الوُجُوبِ؛ فإنَّه وَلَدُ هَدْىٍ واجبٍ، فتَبِعَه، كالمُعَيَّنِ ابْتِداءً، ولِمَا ذُكِرَ مِن حَدِيثِ علىٍّ. فإن تَعَيَّبتِ المُعَيَنَّةَ عن واجِبٍ في الذِّمَّةِ، وقُلْنا: يَذْبَحُها. ذَبَح وَلَدَها معها؛ لأنَّه تَبَعٌ لَهَا. وإن قُلْنَا: يَبْطُلُ تَعْيينُها، وتُرَدُّ إلى مالِكِها. احْتَمَلَ أن يَبْطُلَ التَّعْيِينُ في وَلَدِها تَبَعًا، كما ثَبَتَ تَبَعًا، قِياسًا على نَمائِها المُتَّصِلِ بها، واحْتَمَلَ أن لا يَبْطُلَ، ويَكُونَ للفُقَرَاءِ؛ لأنَّه تَبِعَها في الوُجُوبِ حالَ اتِّصَالِه بِها، ولم. يَتْبَعْها في زَوَالِه؛ لأنَّه صارَ مُنْفَصِلًا عنها، فهو كوَلَدِ المَبِيع المَعِيبِ إذا وَلَدَ عندَ المُشْتَرِى، ثم رَدَّه، لا يَبْطُلُ البَيْعُ في وَلَدِها، والمُدَبَّرَةُ إذا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا، فَبَطَلَ تَدْبِيرُها، لا يَبْطُلُ في وَلَدِها. وحُكْمُ الأُضْحِيَةِ المُعَينَّةَ عَمّا في الذِّمَّةِ إذا تَعَيَّبَتْ (1) وَوَلَدَت، كذلك، على قِياسِ الهَدْيَ؛ لأنَّها في مَعْنَاهَا.
فصل: ولا يَشْرَبُ مِن لَبَنِها إلَّا الفاضِلَ عن وَلَدِها، فإن لم يَفْضُلْ عنه شئٌ، أو كان الحَلْبُ يَضُرُّ بها [أو يَنْقُصُ](2) لَحْمَها، لم يَكُنْ له
(1) في م: «تعينت» .
(2)
في م: «وينقص» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أخْذُه، وإلَّا فله أخْذُه والانْتِفاعُ به. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَحْلِبُها، وَيَرُشُّ على الضَّرْعِ الماءَ حتى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ، فإنِ احْتَلَبَها، تَصَدَّقَ به؛ لأنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِن الأُضْحِيَةِ الوَاجبَةِ، فلم يَجُزْ للمُضَحِّى الانْتِفاعُ به، كالوَلَدِ. ولَنا، قَوْلُ علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: لا يَحْلِبُها إلَّا فَضْلًا عن تَيْسِيرِ وَلَدِها. ولأنَّه انْتِفاعٌ لا يَضُرُّ بها ولا بوَلدِها، فأشْبَهَ الرُّكُوبَ، ويُفارِقُ الوَلَدَ، فإنَّه يُمْكِنُ إيصالُه إلى مَحِلِّه، أمَّا اللَّبَنُ، فإن حَلَبَه وتَرَكَه فَسَد، وإن لم يَحْلِبْه تَعَقَّدَ الضَّرْعُ وأضَرَّ بها، فجُوِّزَ له شُرْبُه، وإن تَصَدَّقَ به كان أفْضَلَ؛ لأنَّ فيه خُرُوجًا مِن الخِلافِ. وإنِ احْتَلَبَ (1) ما يَضُرُّ بها أو بوَلَدِها، لم يَجُزْ له، وعليه الصَّدَقَةُ به، وإن شَرِبَه ضَمِنَه؛ لأنَّه تَعَدَّى بأخْذِه. وهكذا الحُكْمُ في الهَدْيَةِ. فإن قيلَ: فصُوفُها وشَعَرُها إذا جَزَّه تَصَدَّقَ به، ولم يَنْتَفِعْ به، فلِمَ جَوَّزْتُم له الانْتِفَاعَ باللَّبَنِ؟ قُلْنَا: الفَرْقُ بينَهما مِن وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، أنَّ لَبَنَها يَتَوَلَّدُ مِن غِذائِها وعَلَفِها، وهو القائِمُ به، فجازَ صَرْفُه إليه، كما أنَّ المُرْتَهِنَ إذا عَلَف الرَّهْنَ، كان له أن يَرْكَبَ ويَحْلِبَ، وليس له أن يأْخُذَ الصُّوفَ ولا الشَّعَرَ. الثانى، أنَّ الصُّوفَ والشَّعَرَ يُنْتَفَعُ به على الدَّوامِ، فجَرَى مَجْرَى جِلْدِها وأجْزائِها، واللَّبَنُ يُشْرْبُ ويُؤْخَذُ شيئًا فشيئًا، فجَرَى مَجْرَى مَنافِعِها ورُكُوبِها، ولأن اللَّبَنَ يَتَجَدَّدُ كلَّ يومٍ، والصُّوفَ والشَّعَرَ عَيْن مَوْجُودَة دَائِمَةٌ في جَمِيعِ الحَوْلِ.
(1) في الأصل: «أحلب» .