الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْىِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا، قَصَّرَ مِنْ شَعَرِهِ، وَتَحَلَّلَ، إلَّا أنْ يَكُونَ الْمُتَمَتِّعُ قَدْ سَاقَ هَدْيًا، فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَحُجَّ.
ــ
عَطاءٌ: يُجْزِئُه. وعن أحمدَ، يُجْزِئُه إن نَسِىَ، وإلَّا فَلَا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لمّا سُئِلَ عن التَّقَدُّم والتَّأخُّرِ في حالِ الجَهْلِ والنِّسْيانِ، قال:«لَا حَرَج» (1). ولَنا، أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم إنّما سَعَى بعدَ الطَّوافِ، وقال:«لِتَأْخُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (2). فعلى هذا، إن سَعَى بعدَ طَوافِه، ثم عَلِم نَه طافَ غيرَ مُتَطَهِّرٍ أعادَ السَّعْىَ. وإن سَعَى المُفْرِدُ والقارِنُ بعدَ طَوافِ القُدُومِ، لم يَلْزَمْهُما سَعْىٌ بعدَ ذلك. ولا تَجِبُ المُوالَاةُ بينَ الطَّوافِ والسَّعْىِ. رُوِىَ ذلك عن الحَسَنِ وعَطاءٍ، قالا: لا بَأْسَ أن يَطُوفَ أوَّلَ النَّهارِ ويَسْعَى آخِرَه. وفَعَلَه القاسِمُ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ؛ لأنَّ المُوالَاةَ إذا لم تَجِبْ في نَفْسى السَّعْىِ، ففيما بينَه وبينَ الطَّوافِ أوْلَى.
1278 - مسألة: (فإذا فَرَغ مِن السَّعْىِ، فإذا كان مُعْتَمِرًا، قَصَّرَ مِن شَعَرِه، وتَحَلَّلَ، إلَّا أن يكونَ قد ساقَ)
معه (هَدْيًا، فلا يَحِلَّ حتى يَحُجَّ) إذا طافَ المُتَمَتِّعُ، وسَعَى قَصَّرَ أو حَلَق، وقد حَلَّ مِن عُمْرَتِه،
(1) أخرجه البخارى، في: باب إذا رمى بعد ما أمسى. . . .، وباب الفتيا على البداية. . . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 214، 215. ومسلم، في: باب من حلق قبل النحر. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 950. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 258، 269، 291، 300.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 87.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن لم يَكُنْ معه هَدْىٌ؛ لِما روَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنهما، قال: تَمَتَّعَ النّاسُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فلَمّا قَدِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قال للنّاسِ:«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَإنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَجَّهُ (1)، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْى، فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. ولا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التحَلُّلِ. قال أبو داودَ: سَمِعْتُ أحمدَ، سُئِلَ عمَّن دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فلم يُقَصِّرْ حتى كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، عليه شئٌ؟ قال: هذا لم يَحِلَّ حتى يُقَصِّرْ، ثم يُهِلُّ بالحَجِّ، وليس عليه شئٌ، وبِئْسَ ما صَنَع.
فصل: فأمَّا مَن معه الهَدْىُ، فليس له أن يَتَحَلَّلَ، لكن يُقِيمُ على إِحْرامِه، ويُدْخِلُ الحَجَّ على العُمْرَةِ، ثم لا يَحِلُّ حتى يَحِلَّ منهما جَمِيعًا. نصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. وعنٍ أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يَحِلُّ له التَّقْصِيرُ مِن شَعَرِ رَأْسِه خاصَّةً، ولا يَمَسُّ مِن أظْفَارِه وشارِبِه شَيْئًا.
(1) في م: «حجته» .
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 157.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُوِىَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ. وهو قولُ عَطاءٍ؛ لِما رُوِىَ عن مُعاوِيَةَ، قال: قَصَّرْتُ مِن رَأْسِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصٍ (1) عندَ المَرْوَةِ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وقال مالكٌ، والشافعىُّ في قولٍ: له التَّحَلُّلُ، ونَحْرُ هَدْيِه عندَ المَرْوَةِ. ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ. ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ، ورَوَتْ عائشةُ، قالت: خَرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدعَ، فأهْلَلْتُ بعُمْرَةٍ، ولم أكُنْ سُقْتُ الهَدْىَ، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» (3).
وعن حَفْصَةَ، أنَّها قالت: يا رسولَ اللهِ، ما شَأْنُ النّاسِ حَلَّوا مِن العُمْرَةِ،
(1) المشقص؛ كمنبر: نصل عريض أو سهم فيه ذلك.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب الحلق والتقصير. . . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 214. ومسلم، في: باب التقصير في العمرة، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 913.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الإقران، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 419. والنسائى، في: باب كيف يقصر؟ من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 175. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 96 - 98.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب كيف تهل الحائض والنفساء. . . .، وباب طواف القارن، من كتاب الحج، وفى: باب حجة الوداع، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 2/ 172، 191، 192، 5/ 221. ومسلم، في: باب بيان وجوه الإحرام. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 870، 871. وأبو داود، في: باب في إفراد الحج، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 412. والنسائى، في: كتاب في المهلة بالعمرة. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 129. والإمام مالك، في: باب دخول الحائض مكة، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 410، 411. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 243.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم تَحْلِلْ أنت مِن عُمْرَتِك؟ قال: «إِنِّى لَبَّدْتُ رَأْسِى، وَقَلَّدْتُ هَدْيِى، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أنْحَرَ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). والأحَادِيثُ فيه كَثِيرَةٌ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ ثالِثَةٌ، في مَن قَدِم مُتَمَتِّعًا في أشْهُرِ الحَجِّ، وساقَ الهَدْىَ، قال: إن دَخَلَها في العَشْرِ لم يَنْحَرِ الهَدْىَ حتى يَنْحَرَه يومَ النَّحْرِ، وإن قَدِم قبلَ العَشْرِ نَحَر الهَدْىَ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ المُتَمَتِّعَ إذا قَدِم قبلَ العَشْرِ حَلَّ، وإن كان معه. هَدْىٌ، وإن قَدِم في العَشْرِ لم يَحِلَّ. وهو قَوْلُ عَطاءٍ. رَواه حَنْبَلٌ «المَناسِكِ» . وقال في مَن لَبَّدَ، أو ضَفَّرَ: هو بمَنْزِلَةِ مَن ساقَ الهَدْىَ؛ لحَدِيثِ حَفْصَةَ. والرِّوايَةُ الأولَى أوْلَى؛ لِما فيها مِن الأحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، فهى أوْلَى بالاتِّباعِ.
فصل: فأمَّا المُعْتَمِرُ غيرُ المُتَمَتِّعِ، فإنَّه يَحِلُّ، سَواءٌ كان معه هَدْىٌ أو لم يَكُنْ، وسَواءٌ كان في أشْهُرِ الحَجِّ أو في غَيْرِها؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ ثَلاثَ عُمَرٍ سِوَى عُمْرَتِه التى مع حَجَّتِه، بَعْضُهُنَّ في ذِى القَعْدَةِ. وقيلَ:
(1) تقدم تخريجه في 8/ 157.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كُلُّهُنّ في ذِى القَعْدَةِ. وكان يَحِلُّ. فإن كان معه هَدْىٌ نَحَرَه عندَ المَرْوَةِ، وحيثُ نَحَرَه مِن الحَرَمِ جازَ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» . رَواه أبو داودَ (1).
فصل: وقَوْلُ المُصَنِّفِ، رحمه الله: قَصَّرَ مِن شَعَرِه. يَدُلُّ على أنَّ المُسْتَحَبَّ في حَقِّ المُتَمَتِّعِ إذا حَلَّ مِن عُمْرَتِه التَّقْصِيرُ؛ ليُؤَخِّرَ الحَلْقَ إلى الحَجِّ. قال أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ أبي داودَ: يُعْجِبُنِى إذا دَخَل مُتَمَتِّعًا أن يُقَصِّرَ؛ ليَكُونَ الحَلْقُ للحَجِّ. ولم يَأْمُرِ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه إلَّا بالتَّقْصِيرِ، فقال في حديثِ جابِرٍ:«حِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وقَصِّرُوا» (2). وفى حديثِ ابنِ عُمَرَ، أنه قال:«مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ، فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ» مُتَّفَقٌ عليه (3). وإن حَلَق جَازَ؛ لأنَّه أحَدُ النُّسُكَيْن، فجازَ فيه كلُّ واحِدٍ منهما. وفى الحَدِيثِ دَلِيلٌ على أنَّه لا يَحِلُّ إلَّا بالتَّقْصِيرِ، وهذا يَنْبَنِى على أنَّ التَّقْصِيرَ هل هو نُسُكٌ أو لَا؟ وسَنَذْكُرُ ذلك إن شاءَ الله تعالَى. فإن أحْرَمَ بالحَجِّ قبلَ التَّقْصِيرِ، وقُلْنا: هو نُسُكٌ. فقد أدْخَلَ الحَجَّ على العُمْرَةِ، وصار قارِنًا.
(1) تقدم تخريجه في 8/ 194.
(2)
تقدم تخريجه في حديث جابر الطويل في 8/ 363.
(3)
تقدم تخريجه في 8/ 157.