الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
أرْكَانُ الْحَجِّ؛ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ. وَعَنْهُ، أَنَّهَا أَرْبَعَة؛ الْوُقُوفُ، وَالإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْىُ. وَعَنْهُ، أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ، وَأنَّ السَّعْىَ سُنَّةٌ. وَاخْتَارَ الْقَاضِى أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ.
ــ
فصل: قال رَضِىَ اللَّهُ عنه: (أرْكانُ الحَجِّ؛ الوُقُوفُ بعَرَفَةَ، وطَوافُ الزِّيارَةِ. وعنه، أنَّها أرْبَعَةٌ؛ الوُقُوفُ، والطَّوافُ، والإِحْرَامُ، والسَّعىُ. وعنه، أنَّها ثَلَاثَةٌ، وأنَّ السَّعْىَ سُنَّةٌ. واخْتارَ القَاضِى أنَّه واجِبٌ، وليس برُكْنٍ) الوُقُوفُ بعَرَفَةَ رُكْنٌ لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به إجْماعًا. وقد روَى الثَّوْرِىُّ عن بُكَيْرِ بنِ عَطاءٍ اللَّيْثىِّ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ يَعْمُرَ الدِّيلىِّ، قال: أتَيْتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بعَرَفَةَ، فجاءه نَفَرٌ مِن أهْلِ نَجْدٍ، فقالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، كَيْفَ الحَجُّ؟ قال:«الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْع فَقَدْ تمَّ حَجُّهُ» . رَواه أبو داودَ (1). قال محمدُ بنُ يَحْيَى: ما أرَى للثَّوْرِىِّ حَدِيثًا أشْرَفَ منه. وطَوافُ الزِّيارَةِ أيْضًا رُكْنٌ
(1) تقدم تخريجه في 8/ 181.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للحَجِّ لا يَتِمُّ إلَّا به. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هو مِن فرائِض الحَجِّ، لا خِلاف في ذلك بينَ العُلَمَاءِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1).
فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ في الإِحْرامِ والسَّعْى، فرُوِىَ عنه أنَّ الإِحْرامَ رُكْنٌ؛ لأنَّه عِبارَة عنْ نِيَّةِ الدُّخُولِ في الحَجِّ، فلم يَتِمَّ بدُونِها؛ لقولِه عليه السلام:«إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنياتِ» (2). وكسائِرِ العِباداتِ. وعنه، أنَّه ليس برُكْنٍ؛ لحَدِيثِ الثَّوْرِىِّ الذى ذَكَرْناه. وأمَّا السَّعْىُ، فرُوِىَ عنه أنَّه رُكْنٌ لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به. وهو قولُ عائشةَ، وعُرْوَةَ، ومالكٍ، والشافعىِّ؛ لِما رُوِى عن عائشةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، قالت: طافَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وطافَ المُسْلِمُونَ، يَعْنِى بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، فكانت سُنَّةً،
(1) سورة الحج 29.
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 308.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلَعَمْرِى ما أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لم يَطُفْ بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ. رَواه مسلمٌ (1). وعن حَبِيبَةَ بنتِ أبى تَجْرَاةَ (2)؛ إحْدَى نِساءِ بنى عبدِ الدَّارِ، قالت: دَخَلْتُ مع نِسْوَةٍ مِن قُرَيْشٍ دارَ آلِ أبى حُسَيْنٍ، نَنْظُرُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَسْعَى بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، وإنَّ مِئْزَرَه ليَدُورُ في وَسَطِه مِن شِدَّةِ سَعْيهِ، حتى إنِّى أقولُ: إنِّى لأرَى رُكْبَتَيْهِ، وسَمِعْتُه يقولُ:«اسْعَوْا فإنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْىَ» . رَواه ابنُ ماجه (3). ولأنَّه نُسُكٌ في الحَجِّ والعُمْرَةِ فكانَ رُكْنًا فيهما (4)، كالطَّوافِ بالبَيْتِ. وعن أحمدَ، أنَّه سُنَّةٌ لا دَمَ في تَرْكِه. رُوِى ذلك عن ابنِ عباسٍ، وأنَسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، وابِنِ سِيرِينَ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (5). ونَفْىُ
(1) في: باب ببان أن السعى بين الصفا والمروة ركن. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 928، 929. كما أخرجه البخارى، في: باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، من كتاب العمرة. صحيح البخارى 3/ 7. وابن ماجه، في: باب السعى بين الصفا والمروة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 994، 995.
(2)
هى العبدرية، يقولون: إنهم من الأزد حلفاء بنى عبد الدار، صحابية. انظر ترجمتها في: الطبقات الكبرى، لابن سعد 8/ 180، حاشية المشتبه 112.
(3)
ليس في سنن ابن ماجه، وقد نبه إلى هذا الألبانى، في إرواء الغليل 4/ 270. والحديث أخرجه البيهقى، في: باب وجوب الطواف بين الصفا والمروة، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 97، 98. الإمام أحمد، في: المسند 6/ 422. والدارقطنى، في: كتاب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 256. والحاكم، في: باب ذكر حبيبة بنت أبى تجراة، من كتاب معرفة الصحابة. المستدرك 4/ 70.
(4)
في م: «فيها» .
(5)
سورة البقرة 158.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَرَجِ عن فاعِلِه دَلِيلٌ على عَدَمِ وُجُوبِه، فإنَّ هذا رُتْبَةُ المُباحِ، وإنَّما تَثْبُتُ سُنَّتُه بقولِه:{مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} . ورُوِىَ أنَّ في مُصْحَفِ أُبَىٍّ، وابنِ مَسْعودٍ:«فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهمَا» . وهذا إن لم يَكُنْ قُرْآنًا، فلا يَنْحَطُّ عن رُتْبَةِ الخَبَرِ؛ لأنَّهُما يَرْوِيانِه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه نُسُكٌ مَعْدُودٌ لا يَتَعَلَّقُ بالبَيْتِ، فلم يَكنْ رُكْنًا، كالرَّمْى. واخْتارَ القَاضِى أنَّه واجِبٌ وليس برُكْنٍ، لكن يَجِبُ بتَركِه دَمٌ. وهو قولُ الحسنِ، وأبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ. وهذا أوْلَى؛ لأنَّ دَلِيلَ مَن أوْجَبَه دَلَّ على مُطْلَقِ الوُجُوبِ، لا على أنَّه لا يَتِمُّ الحَجُّ (1) إلَّا به. وقولُ عائشةَ في ذلك مُعارَضٌ بقولِ مَن خالَفَها مِن الصَّحَابَةِ. وحَدِيثُ بِنْتِ أبى تَجْراةَ يَرْوِيه عبدُ اللَّهِ ابنُ المُؤَمَّلِ، وقد تَكَلَّمُوا في حَدِيثه. ثم هو يَدُلُّ على أنَّه مَكْتُوبٌ، وهو الوَاجِبُ. فأمَّا الآيةُ، فإنَّما نَزَلَتْ لَمّا تَحَرَّجَ ناسٌ مِن السَّعْى في الإِسْلامِ، لِما كانُوا يَطُوفُونَ بينَهما في الجَاهِلِيَّةِ لأجْلِ صَنَمَيْنِ كانا على الصَّفَا والمَرْوَةِ. كذلك قالَتْ عائشةُ. وهذا أوْسَطُ الأقْوالِ. وهو اخْتِيارُ شيخِنا (2).
(1) سقط من: م.
(2)
في: المغنى 5/ 239.