الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوَقْتُ الذَّبْحِ يَوْمُ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أوْ قَدْرِهَا، إِلَى آخِرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.
ــ
ثلاثًا وسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِه (1). ولأنَّ فِعْلَه قُرْبَةٌ، وتَوَلِّى القُرْبَةِ بِنَفْسِه أوْلَى مِن الاسْتِنَابَةِ فيها، والاسْتِنَابَةُ جائِزَةٌ؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَابَ مَن نَحَر ما بَقِىَ مِن بُدْنِه. وهذا لا خِلافَ فيه. وإن لم يَذْبَحْها بيَدِه، اسْتُحِبَّ أن يَحْضُرَ ذَبْحَها؛ لأنَّ في حَدِيثِ ابنِ عباسٍ الطَّوِيلِ:«وَاحْضُرُوهَا إذَا ذَبَحْتُمْ، فَإنَّه يُغْفَرُ لَكُمْ عِنْدَ أوَّلِ قَطرةٍ مِنْ دَمِهَا» . ورُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لفَاطِمَةَ: «احْضُرِى أُضْحِيَتَكِ يُغْفرْ لَك بأَوَّلِ قَطرةٍ مِنْ دَمِهَا» (2).
1350 - مسألة: (ووَقتُ الذَّبْحِ يومُ العِيدِ بعدَ الصَّلاةِ أو قدرِها، إلى آخِرِ يَوْمَيْنِ مِن أيامِ التَّشْرِيقِ)
الكَلامُ في وَقْتِ الذَّبْحِ في ثلاثةِ أشْياءَ؛
(1) تقدم تخريجه من حديث جابر الطويل في 8/ 363.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب فضل الضحايا. . .، من كتاب المناسك. المصنف 4/ 388. والبيهقى، في: باب ما يستحب من ذبح النسيكة. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوَّلِه، وآخِرِه، وعُمُومِ وقتِه أو خُصُوصِه. أمّا أوَّلُه، فظاهِرُ كلامِه ههُنا إذا دَخَل وَقْتُ صلاةِ العِيدِ ومَضَى قَدْرُ الصَّلاةِ التَّامَّةِ، فقد دَخَل وَقْتُ الذَّبْحِ، ولا يُعْتَبَرُ نَفْسُ الصَّلاةِ، لا فَرْقَ في هذا بينَ أهْلِ الأمْصَارِ والقُرَى مِمَّن يُصَلِّى العِيدَ وغيرِهم. وهذا قولُ الخِرَقِىِّ، إلَّا أنَّه قال: مِقْدارُ الصَّلاةِ والخُطْبَةِ. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّها عِبادَةٌ يَتَعَلَّقُ آخِرُها بالوَقْتِ، فَتَعَلَّقَ أوَّلُها به، كالصِّيَامِ. وظاهِرُ كَلامِ أحمدَ، أنَّه مِن شَرْطِ جَوازِ التَّضْحِيَةِ في حَقِّ أهْلِ المِصْرِ صلاةُ الإِمامَ وخُطْبَتُه. وعلى قِياسِ قَوْلِه كُلُّ مَوْضِعٍ يُصَلَّى فيه العِيدُ. رُوِى نَحْوُ هذا عن الحسنِ، والأوْزَاعِىِّ، ومالكٍ، وأبى حنيفةَ، وإسحاقَ؛ لِمَا روَى جُنْدَبُ بنُ عبدِ اللَّهِ البَجَلِىُّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّى فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى» (1). وعن البَراءِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلَاتنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْل أنْ يُصَلِّى، فَلْيُعِدْ مَكَانَها أُخْرَى» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وظاهِرُ هذا اعْتِبارُ نَفْسِ الصَّلاةِ. فإن ذَبَحَ بعدَ الصَّلاةِ وقبلَ الخُطْبَةِ، أجْزَأ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ المَنْعَ على فِعْلِ الصَّلاةِ، فلا يَتَعَلَّقُ بغيرِه، ولأنَّ الخُطْبَةَ غيرُ واجِبَةٍ، فلا تكونُ شَرْطًا. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ. وهو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللَّهُ تَعالَى؛ لمُوافَقَةِ ظاهِرِ الحَدِيثِ. فأمَّا غيرُ أهْلِ الأمْصَارِ والقُرَى، فأوَّلُ الوَقْتِ في حَقِّهم قَدْرُ الصلاةِ والخُطْبَةِ بعدَ حِلِّ الصَّلاةِ، في قولِ الخِرَقِىِّ.
(1) أخرجه البخارى، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: فليذبح على اسم اللَّه، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 7/ 118. ومسلم، في: باب وقتها، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1552. والنسائى، في: باب ذبح الناس بالمصلى، من كتاب الذبائح والصيد. المجتبى 7/ 188. وابن ماجه، في: باب النهى عن ذبح الأضحية قبل الصلاة، من كتاب الأضاحى 2/ 1053.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب الأكل يوم النحر، وباب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد، وباب كلام الإمام الناس. . .، من كتاب العيدين، وفى: باب من ذبح قبل الصلاة أعاد، من كتاب الأضاحى. صحيح البخارى 2/ 21، 26، 28، 7/ 132، 133. ومسلم، في: باب وقتها، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1553.
كما أخرجه النسائى، في: باب الخطبة يوم العيد، وباب حث الإمام الناس على الصدقة، من كتاب العيدين، وفى: باب ذبح الضحية قبل الإمام، من كتاب الذبائح والصيد. المجتبى 3/ 148، 149، 155، 7/ 196.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وظاهِرُ ما ذَكَره شيخُنا في كتابِ «المُقْنِعِ» أنَّ أوَّلَ الوَقْتِ في حَقِّهِم قَدْرُ الصلاةِ بعدَ حِلِّ الصَّلاةِ؛ لأنَّه لا صلاةَ في حَقِّهم تُعْتَبَرُ، فوَجَبَ الاعْتِبارُ بقَدْرِها. وقال عَطاءٌ: وَقْتُها إذا طَلَعَتِ الشمسُ. وقال أبو حنيفةَ: أوَّلُ وَقْتِها في حَقِّهِم إذا طَلَع الفَجْرُ الثَّانِى؛ لأنَّه مِن يومِ النَّحْرِ، فكانَ وَقْتًا لها، كسائِرِ اليَوْمِ. ولَنا، أنَّها عِبادَةٌ وَقْتُها في حَقِّ أهْلِ المِصْرِ بعدَ إشْراقِ الشمسِ، فلا يَتَقَدَّمُ وَقْتُها في حَقِّ غَيْرِهم، كصلاةِ العِيدِ. وما ذَكَرُوه يَبْطُل بأهْلِ المِصْرِ، فإن لم يُصَلِّ الإِمامُ في المِصْرِ، لم يَجُزِ الذَّبْحُ حتى تَزُولَ الشمسُ عندَ مَن اعْتَبَرَ نَفْسَ الصَّلاةِ؛ لأنَّها حِينَئِذٍ تَسْقُطُ، فكَأنَّه قد صَلَّى. وسَواءٌ تَرَك الصلاةَ عَمْدًا أو خَطأً، لعُذْرٍ أو غيرِ عُذْرٍ. فأمَّا الذَّبْحُ في اليومِ الثَّانِى والثالِثِ، فيَجُوزُ في أوَّلِ النَّهارِ؛ لأنَّ الصلاةَ فيه غيرُ واجِبَةٍ، ولأنَّ الوَقْتَ قد دَخَل في اليَوْمِ الأوَّلِ، وهذا مِن أثنائِه، فلم تُعْتَبَرْ فيه صلاةٌ ولا غيرُها. فإن صَلَّى الإِمامُ في المُصَلَّى، واسْتَخْلَفَ مَن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَلَّى في المَسْجِدِ، فمتى صَلَّى في أحَدِ المَوْضِعَيْن جازَ الذَّبْحُ؛ لوُجُودِ الصَّلاةِ التى يَسْقُطُ بها الفَرْضُ عن سائِرِ الناسِ. ولا يُسْتَحَبُّ أن يَذْبَحَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ الإِمام، فإن فَعَل أجْزَأه. وقال ابنُ أبى موسى: لا تُجْزِئُه. ويُرْوَى عن مالكٍ. والصَّحِيحُ أنَّها تُجْزِئُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِن الأحَادِيثِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: الثَّانِى في آخِرِ وَقْتِ الذَّبْحِ، وآخِرُه آخِرُ اليَوْم الثَّانِى مِن أيّام التَّشْرِيقِ، فتَكُون أيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةً؛ يَوْمُ النَّحْرِ ويَوْمانِ بَعْدَه. وهذا قولُ عُمُر، وعلىٍّ، وابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وأبى هُرَيْرَةَ، وأَنَسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. قال أحمدُ: أيّامُ النَّحْرِ ثَلاثَةٌ عن غيرِ واحِدٍ مِن أصحاب رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وفى رِوَايَةٍ قال: خَمْسَةٌ مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ولم يَذْكُرْ أَنَسًا. وإليه ذَهَب مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ. ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: آخِرُه آخِرُ أيّامِ التَّشْرِيقِ. وبه قال عَطاءٌ، والحسنُ، والشافعىُّ؛ لأنَّه رُوِى عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعَم، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» (1). ولأنَّها أيّامُ تَكْبِيرٍ وإفْطارٍ، فكانت مَحِلًّا للنَّحْرِ، كالأوَّلَيْن (2). وقال ابنُ سِيرِينَ: لا يَجُوزُ إلَّا في يَوْمِ النَّحْرِ خاصَّةً؛ لأنَّها وَظِيفَةُ عِيدٍ، فاخْتَصَّتْ بيومِ العِيدِ، كالصلاةِ وأداءِ الفِطْرَةِ يومَ الفِطْرِ. وقال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وجابِرُ بنُ زَيْدٍ كقَوْلِ ابنِ سِيرِينَ في أهْلِ الأمْصارِ، وكقَوْلِنا في أهْلِ مِنًى. وعن أبى سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، وعَطاءِ بنِ يَسارٍ: تَجُوزُ
(1) تقدم تخريجه في 8/ 194.
(2)
في م: «الأوليين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّضْحِيَةُ إلى هِلالِ المُحَرَّمِ؛ لِمَا روَى أبو أُمامَةَ سَهْلُ بنُ حُنَيفٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: كان الرجلُ مِن المسلمين يَشْتَرِى أُضْحِيَتَه، فيُسَمِّنُها، حتى يكونَ آخِرُ ذِى الحِجَّةِ، فيُضَحِّىَ بها. رَواه الإِمامُ أحمدُ بإسْنادِه (1). وقال: هذا حدِيِثٌ عَجِيبٌ. وقال: أيَّامُ الأضْحَى التى أُجْمِعَ عليها ثَلاثَةُ أيَّامٍ. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ادِّخَارِ لُحُومِ الأضَاحِى فوقَ ثَلاثٍ (2). ولا يَجُوزُ الذَّبْحُ قى وَقْتٍ لا يَجُوزُ ادِّخَارُ الأُضْحِيَةِ إليه، ولأنَّ اليومَ الرَّابعَ لا يَجِبُ الرَّمْىُ فيه، فلم تَجُزِ التَّضْحِيَةُ فيه، كاليومِ الذى بعدَه، ولأنَّه قولُ مَن سَمَّيْنا مِن الصحابةِ، ولا مُخَالِفِ لهم إلَّا رِوَايَةً عن علىٍّ، وقد رُوِى عنه مثلُ مَذْهَبِنا، وحَدِيثُهم إنَّما هو:«وَمِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ» . وليس فيه ذِكْرُ الأيَّامِ، والتَّكْبِيرُ أعَمُّ مِن الذَّبْحِ، وكذلك الإِفْطارُ، بدَلِيلِ أوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ.
(1) لم نجده في: «مسنده» ، وأخرجه البخارى، في: باب في أضحية النبى صلى الله عليه وسلم بكبشين. . .، من كتاب الأضاحى. صحيح البخارى 7/ 130. وعزاه في الفتح 10/ 10 إلى أبى نعيم في المستخرج من طريق أحمد.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب ما يؤكل من لحوم الأضاحى. . .، من كتاب الأضاحى. صحيح البخارى 7/ 134. ومسلم، في: باب بيان ما كان النهى عن أكل لحوم الأضاحى. . .، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1560. وأبو داود، في: باب في حبس لحوم الأضاحى، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 90. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية أكل الأضحية، من أبواب الأضاحى. عارضة الأحوذى 6/ 308. والنسائى، في: باب النهى عن الأكل من لحوم الأضاحى. . .، من كتاب الأضاحى. المجتبى 7/ 205. والدارمى، في: باب في لحوم الأضاحى، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 78. والإمام مالك، في: باب ادخار لحوم الأضاحى، من كتاب الأضاحى. الموطأ 2/ 484. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 9، 16، 34، 37.