الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْفَوَاتِ وَالإِحْصَارِ
وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْىٍ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ يَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا. وَعَنْهُ، عَلَيْهِ القَضَاءُ.
ــ
بابُ الفَواتِ والإِحْصارِ
1331 - مسألة: (ومَن طَلَع عليه الفَجْرُ يومَ النَّحْرِ ولم يَقِفْ بعَرَفَةَ، فقد فاته الحَجُّ، ويَتَحَلَّلُ بطَوافٍ وسَعْىٍ. وعنه، أنَّه
(1) يَنْقَلِبُ إحْرامُه لعُمْرَةٍ، ولا قَضاءَ عليه، إلَّا أن يكونَ فَرْضًا. وعنه، عليه القَضاءُ) الكلامُ في هذه المسألةِ في ثَلَاثَةِ أُمُورٍ؛ أوَّلُها، أنَّ آخِرَ وَقْتِ الوُقُوفِ آخِرُ لَيْلَةِ النَّحْرِ، فمَن لم يُدْرِكِ الوُقُوفَ حتى طَلَع الفَجْرُ يَوْمَئِذٍ، فاتَه الحَجُّ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. قال جابِرٌ، رَضِىَ اللَّه عنه: لا يَفُوتُ الحَجُّ حتى يَطْلُعَ الفَجْرُ مِن لَيْلَةِ جَمْعٍ. قال أبو الزُّبيْرِ: فقُلْتُ له: أقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم. رَواه الأثْرَمُ (1). وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّه» (2). يَدُلُّ على فَواتِه بخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْع. الثَّانِى، أنَّ مَن فاتَه الحَج يَتَحَلَّلُ بَطوافٍ وسَعْىٍ وحِلاقٍ (3). هذا الصَّحِيحُ مِن المَذْهَبِ. رُوِى ذلك عن عُمَرَ ابنِ الخَطَّابِ، وابنِه، وزَيْدِ بنِ ثابِتٍ، وابنِ عباسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وهو قولُ مالكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْى. وقال ابنُ أبى مُوسَى: في المَسْألَةِ رِوايَتان؛ إحْداهُما، كما ذَكَرْنا. والثانِيَةُ، يَمْضِى في حَجٍّ فاسِدٍ. وهو قولُ المُزَنِىِّ، قال: يَلْزَمُه جَمِيعُ (4)
(1) وأخرجه البيهقى، في: باب إدراك الحج بإدراك عرفة. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 174
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 181.
(3)
في م: «حلق» .
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أفْعالِ الحَجِّ؛ لأنَّ سُقُوطَ ما فاتَ وَقْتُه لا يَمْنَعُ وُجُوبَ ما لم يَفُتْ. ولَنا، قولُ مَن سَمَّيْنا مِن الصَّحَابَةِ، ولم نَعْرِفْ له مُخالِفًا، فكان إجْماعًا. وروَى الشافعىُّ في «مُسْنَدِه» (1) أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، قال لأبى أيُّوبَ، حينَ فاتَه الحَجُّ: اصْنَعْ ما يَصنَعُ المُعْتَمِرُ، ثم قد حَلَلْتَ، فإن أدْرَكْتَ الحَجَّ قابِلًا فحُجَّ، وأهْدِ ما اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْى. وروَى النَّجَّادُ بإسْنادِه عن عَطاءٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ، ولْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، وَلْيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ» (2). ولأنَّه يَجُوزُ فَسْخُ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ مِن غيرِ فَواتٍ، فمع الفَواتِ أوْلَى. إذا ثَبَت هذا، فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه يَجْعَلُ إحْرامَه بعُمْرَةٍ. وقد نَصَّ عليه أحمدُ. واختارَه أبو بَكْرٍ. وهو قولُ ابنِ عباسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، وعَطاءٍ، وأصحابِ الرَّأْى.
(1) في: الباب التاسع في أحكام المحصر ومن فاته الحج، من كتاب الحج. كما روى عن ابن عمر نحوه. ترتيب مسند الشافعى للسندى 1/ 384.
كما أخرجه الإمام ملك، في: باب هدى من فاته الحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 383. والبيهقى، في: باب ما يفعل من فاته الحج، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 174.
(2)
وأخرجه الدارقطنى عن عطاء عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم، بمعناه، في: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 241.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعنه، لا يَصِيرُ إحْرامُه بعُمْرَةٍ، بل يَتَحَلَّلُ بطَوافٍ وسَعْىٍ وحَلْقٍ. وهو مَذْهَبُ مالكٍ، والشافعىِّ؛ لأنَّ إحْرامَه انْعَقَدَ بأحَدِ النُّسُكَيْن، فلم يَنْقَلِبْ إلى الآخَرِ، كما لو أحْرَمَ بالعُمْرَةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ مَن قال؛ يَجْعَلُ إحْرامَه بعُمْرَةٍ. أرادَ أنَّه يَفْعَلُ فِعْلَ المُعْتَمِرِ، مِن الطَّوافِ والسَّعْى، فلا يكونُ بينَ القَوْلَيْن خِلافٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّه يَصِيرُ إحْرامُه بحَجٍّ إحْرامًا بعُمْرَةٍ، بحيثُ تجْزِئُه عن عُمْرَةِ الإِسْلامِ، إن لم يَكُنِ اعْتَمَرَ، ولو أدْخَلَ الحَجَّ عليها لصارَ قارِنًا، إلَّا أنَّه لا يُمْكِنُه الحَجُّ بذلك الإِحْرامِ، إلَّا أنَّه يَصِيرُ مُحْرِمًا به في غيرِ أشْهُرِه، فيكونُ كمَن أحْرَمَ بالحَجِّ في غيرِ أشْهُرِه، ولأنَّ قَلْبَ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ يَجُوزُ مِن غيرِ سَبَبٍ على ما قَرَّرْناه في فَسْخِ الحَجِّ، فمع الحاجَةِ أوْلَى، ويُخَرَّجُ على هذا قَلْبُ العُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فإنَّه لا يَجُوزُ، ولأنَّ العُمْرَةَ لا يَفُوتُ وَقْتُها، ولا حاجَةَ إلى انْقِلابِ إحْرامِها بخِلافِ الحجِّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمْرُ الثالِثُ، في وُجُوبِ القَضاءِ، وفيه رِوايَتان؛ إحْداهُما، يَجِبُ، سَواءٌ كان الفائِتُ واجِبًا أوَ تَطَوُّعًا. اخْتارَه الخِرَقِىُّ. ويُرْوَى ذلك عن عُمَرَ، وابنِه، وزَيْدٍ، وابنِ عباسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، ومَرْوَانَ. وهو قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْى. والثانِيَة، لا قَضاءَ عليه، بل إن كانت فَرْضًا فَعَلَها بالوُجُوبِ السابقِ، وتَسْقُطُ إن كانت نَفْلًا. رُوِى هذا عن عَطاءٍ، وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْن عن مالكٍ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عن الحَجِّ أكثرَ مِن مَرَّةٍ، قال:«مَرَّةً وَاحِدَةً» (1). ولو أوْجَبْنا القَضاءَ، كان أكثرَ مِن مَرَّةٍ، ولأنَّه مَعْذُورٌ في تَرْكِ إتْمامِ حَجِّه، فلم يَلْزَمْه القضاءُ، كالمُحْصَرِ، ولأنَّها عِبَادَةُ تَطَوُّعٍ، فلم يَجِبْ قَضاؤُها إذا فاتَتْ، كسائِرِ التَّطَوُّعاتِ. ووَجْهُ الأُولَى ما ذَكَرْناه مِن الحَدِيثِ وإجْماعِ الصَّحَابَةِ، وروَى الدَّارَقُطنِىُّ (2)، بإسْنادِه، عن ابنِ عباس، رَضِىَ اللَّه
(1) أخرجه أبو داود، في: باب فرض الحج، من كتاب الحج. سنن أبى داود 1/ 400. وابن ماجه، في: باب فرض الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 963.
(2)
في: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 241.