الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُسْتَحَبُّ أنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ، وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَاجِبٍ، إِلَّا مِنْ دَمِ
ــ
لَحْمَه على مَسَاكِينه، أو إطْلاقُه لهم؛ لِما رُوِى أنَّ رجلًا أتَى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّى نَذَرْتُ أن أنْحَرَ ببُوَانَةَ (1). قال: «أبِهَا صَنَمٌ؟» . قال: لَا. قال: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» . رَواه أبو داودَ (2). فإن نَذَر الذَّبْحَ بمَوْضِعٍ فيه صَنَمٌ أو شئٌ مِن الكُفْرِ أو المَعاصِى، كبُيُوتِ النّارِ والكَنائِسِ والبِيَعِ، وأشْباهِ ذلك، لم يَصِحَّ نَذْرُه؛ لعُمُومِ هذا الحَدِيثِ، ولأنَّه نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، فلا يُوفَى به؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا نَذْرَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ» (3). ولقَوْلِه عليه السلام: «مَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِىَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (4).
1373 - مسألة: (ويُسْتَحَبُّ أن يَأْكُلَ مِن هَدْيهِ، ولا يَأْكُلُ مِن
(1) بوانة: هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر. معجم البلدان 1/ 754.
(2)
في: باب ما يؤمر من الوفاء عن النذر، من كتاب الأيمان. سنن أبى داود 2/ 213.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب الوفاء بالنذر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 688. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 64، 6/ 366.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب لا وفاء لنذر في معصية اللَّه. . .، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1262. وأبو داود، في: باب ما يؤمر به من الوفاء عن النذر، وباب في النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان. سنن أبى داود 2/ 213، 215. والنسائى، في: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 27، 28. والدارمى، في: باب لا نذر في معصية اللَّه، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 184. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 430.
(4)
تقدم تخريجه في 7/ 563.
الْمُتْعَةِ وَالْقِرَان.
ــ
واجِبٍ، إلَّا مِن دَمِ المُتْعَةِ والقِرانِ) يُسْتَحَبُّ أن يَأكُلَ مِن هَدْيهِ، وسَواءٌ في ذلك ما أوْجَبَه بالتَّعْيينِ مِن غيرِ أن يكونَ واجِبًا في ذِمَّتِه، وما نَحَرَه تَطَوُّعًا مِن غيرِ أن يُوجِبه؛ لقَوْلِ اللَّهِ تَعالَى:{فَكُلُواْ مِنْهَا} (1). وأقَلُّ أحْوالِ الأمْرِ الاسْتِحْبَابُ. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أكَلَ مِن بُدْنِه. وقال جابِرٌ: كُنَّا لا نَأْكُلُ مِن بُدْنِنَا فوقَ ثَلاثٍ، فرَخَّصَ لَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«كُلُوا وَتَزَوَّدُوا» . فأكَلْنَا وتَزَوَّدْتا. رَواه البخارىُّ (2). والمُسْتَحَبُّ أن يَأْكُلَ اليَسِيرَ، كما روَى جابِرٌ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ ببِضْعَةٍ، فجُعِلَتْ في قِدْرٍ، فأكَلَا منها، وحَسَيَا مِن مَرَقِها (3). ولأنَّه نُسُكٌ، فاسْتُحبَّ الأَكْلُ منه، كالأُضْحِيَةِ. وله التَّزَوُّدُ والأكْلُ كثيرًا، كما جاءَ في حَدِيثِ جابرٍ. وتُجْزِئُه الصَّدَقَةُ باليَسِيرِ منها، كما في الأُضْحِيَةِ.
(1) سورة الحج 28.
(2)
في: باب ما يأكل من البدن وما يتصدق. . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 211.
كما أخرجه مسلم، في: باب بيان ما كان من النبى. . .، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1562. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 317.
(3)
تقدم تخريجه في حديث جابر الطويل في 8/ 363.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن أكَلَها كُلَّها ضَمِنَ المَشْرُوعَ للصَّدَقَةِ منها، كما في الأُضْحِيَةِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: حُكْمُه في الأَكْلِ والتَّفْرِيقِ حُكْمُ الأُضْحِيَةِ. وحَدِيثُ جابِرٍ في أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أمَرَ مِن كُلِّ جَزُورٍ ببِضْعَةٍ، يَدُلُّ على خِلافِ قولِه، ولأنَّ الهَدْى يَكْثُرُ، بخِلافِ الأُضْحِيَةِ. وإن لم يَأْكُلْ فحَسَن، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَحَرَ البَدَنَاتِ الخَمْسَ، قال:«مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» (1). وظاهِرُه أنه لم يَأكُلْ منهُنَّ شَيْئًا. وقال بعضُ أهْلِ العِلْمِ: يَجِبُ الأكْلُ منها، لظاهِرِ الأَمْرِ. ولَنا، الحَدِيثُ المَذْكُورُ، ولأنَّها ذَبِيحَة يُتَقَرَّبُ إلى اللَّهِ تعالَى بها، فلم يَجِبِ الأكْلُ منها، كالعَقِيقَةِ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 205.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وَلَا يَأْكُلُ مِن واجِبٍ، إلَّا دَمَ المُتْعَةِ والقِرانِ دُونَ ما سِواهُما. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ سَبَبَهُما غيرُ مَحْظورٍ، فأشْبَهَا هَدْىَ التَّطوُّعِ. وهذا قَوْلُ أصحابِ الرَّأْى. وعن أحمدَ، أنَّه يَحْرُمُ الأَكْلُ مِن النُّذُورِ وجَزاءِ الصَّيْدِ، ويَأْكُلُ مِمّا سِواهُما. وهو قَوْلُ ابنِ عَمرَ، وعَطاءٍ، والحَسَنِ، وإسحاقَ؛ لأنَّ جَزاءَ الصَّيْدِ بَدَل، والنَّذْرُ جَعَلَه للَّهِ تَعالَى، بخِلافِ غيرِهما. وقال ابنُ أبى مُوسى: لا يَأْكُلُ أيضًا مِن الكَفَّارةِ، ويَأْكُلُ مِمّا سِوَى الثَّلاثَةِ. ونَحْوُه مَذْهَبُ مالكٍ؛ لأنَّ ما سِوَى الثَّلاثَةِ لم يُسَمِّه للمَسَاكِينِ، ولا مَدْخَلَ للإِطْعَامِ فيه، فأَشْبَهَ التَّطَوُّعَ. وقال الشافعىُّ: لا يَأْكُلُ مِن واجِبٍ؛ لأنَّه هَدْىٌ وَجَب بالإِحْرامِ، فلم يَجُزِ الأَكْلُ منه، كدَمِ الكَفَّارَةِ. ولَنا، أن أزْوَاجَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعْنَ معه في حَجَّةِ الوَدَاعِ (1). وأدْخَلَتْ عائشةُ الحَجَّ على العُمْرَةِ، فصارَتْ قارِنَةً (2)، ثم
(1) تقدم تخريجه في 8/ 157.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 138.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذَبَحَ عنهُنَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم البَقَرَةَ، فأكَلْنَ مِن لُحُومِها. قال أحمدُ: قد أكَلَ مِن البَقَرِ أزْوَاجُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، في حَدِيثِ عائشةَ خاصَّةً (1). وقالت عائشةُ: إنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ مَن لم يَكُنْ معه هَدْى إذا طافَ بالبَيْتِ، أن يَحِلَّ، فدُخِلَ علينا يومَ النَّحْرِ بلَحْمِ بَقَر، فَقُلْتُ: ما هذا؟ فقِيلَ: ذَبَحَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن أزْوَاجِه (2). وقال ابنُ عُمَرَ: تَمَتَّعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فساقَ الهَدْى مِن ذِى الحُلَيْفَةِ. مُتَّفقٌ عليه (3). وقد ثَبَت أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ بِيِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ، فأكَلَ هو وَعَلِىٌّ مِن لَحْمِها، وشَرِبَا مِن مَرَقِها. رَواه مسلمٌ (4). ولأنَّهما دَمَا نُسُكٍ، أشْبَها التَّطَوُّعَ. ولا يَجُوزُ الأَكْلُ مِن غيرِهِما؛ لأنَّه وَجَب بفِعْلِ مَحْظُورٍ، أشْبَهَ جَزاءَ الصَّيْدِ.
فصل: فإن أكَلَ مِمّا مُنِعَ مِن أكْلِه، ضَمِنَه بمِثْلِه لَحْمًا؛ لأنَّ الجَمِيعَ مَضْمُونٌ عليه بمثلِه حَيَوانًا، فكذلك أبعاضُه. وكذلك إن أعْطَى الجازِرَ
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب ما يأكل من البدن. . .، من كتاب الحج، وفى: باب الخروج آخر الشهر. . .، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 2/ 211، 212، 4/ 59، 60. ومسلم، في: باب بيان وجوة الإحرام. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 876. وابن ماجه، في: باب فسخ الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 992، 993. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 194، 273.
(3)
تقدم تخريجه في 8/ 157.
(4)
تقدم تخريجه في حديث جابر الطويل في 8/ 363.