الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّع الَّذِى حَلَّ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحِلِّينَ بِمَكَّةَ، الإحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْم التَّرْوِيَة -وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ- مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنَ الْحَرَمِ، جَازَ.
ــ
هَدْيِه، ثم أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ ببِضْعَةٍ (1) فجُعِلَتْ في قِدْرٍ فطُبخَتْ، فأكَلَا مِن لَحْمِها، وشَرِبَا مِن مَرَقِها، ثم رَكِب رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأفَاضَ إلى البَيْتِ، فصَلَّى بمَكَّةَ الظُّهْرَ، فأتَى بنِى عبدِ المُطَّلِبِ وهم يَسْقُونَ على زمْزَمَ، فقال:«انْزِعُوا بَنى عَبْدِ المُطَّلِبِ، فلَوْلَا أنْ تَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لنَزَعْتُ مَعَكُمْ» . فنَاوَلُوه دَلْوًا شَرِب منه. قال عَطاءٌ: كان مَنْزِلُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمِنًى بالخَيْفِ.
1280 - مسألة: (يُسْتَحَبُّ للمُتَمَتِّع الذىْ حَلَّ، وغيرِه مِن المُحِلِّينَ بمَكَّةَ، الإحْرامُ بالحَجِّ يومَ التَّرْوِيَةِ -وهو الثامِنُ مِن ذِى الحِجَّةِ- مِن مَكَّةَ، ومِن حيثُ أحْرَمَ مِن الحَرَمِ، جاز)
سُمِّىَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بهذا الاسْمِ؛ لأنَّهُم كانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِن الماءِ فيه، يُعِدُّونَه ليومِ عَرَفَةَ، وقِيلَ:
(1) البضعة: القطعة من اللحم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سُمِّىَ بذلك؛ لأنَّ إبْراهِيمَ، عليه السلام، رَأى لَيْلَتَئِذٍ (1) في المَنامِ ذَبْحَ ابنه، فأصْبَحَ يَرْوِى في نَفْسِه أهو حُلْمٌ أم مِن اللَّه تِعالَى؟ فَسُمِّىَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فلمّا كانت لَيْلَةُ عَرَفَةَ رَأَى ذلك أيضًا، فعَرَفَ أنَّه مِن اللَّه، فسُمِّىَ يَوْمَ عَرَفَةَ، واللَّهُ تَعالَى أعْلَمُ. والمُسْتَحَبُّ لمَن كان بمَكَّةَ مِن المُتَمَتِّعِينَ الذين حَلُّوا مِن عُمْرَتِهم، أو كان مُقِيمًا بمَكَّةَ مِن أهْلِها أو مِن غيرِهم وهو حَلالٌ، أن يُحْرِمُوا يومَ التَّروِيَةِ حينَ يَتَوَجَّهُونَ إلى مِنًى. وبهذا قال ابنُ عُمَرَ، وابنُ عباسٍ، وعَطاءٌ، وطاوُسٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وإسحاقُ. وقد رُوِى عن عُمَرَ، رضي الله عنه، أنَّه قال لأهْلِ مَكَّةَ: ما لَكُمْ يَقْدَمُ النّاسُ عليكم شُعْثًا! إذا رَأَيْتُم الهِلالَ فأهِلُّوا بالحَجِّ. وهذا مَذْهَبُ ابنِ الزُّبَيْرِ. وقال مالكٌ: مَن كان بمَكَّةَ، فأُحبُّ أن يُهِلَّ مِن المَسْجِدِ لهِلالِ ذِى الحِجَّةِ. ولَنا، قَوْلُ جابِرٍ: فلمّا كان يَوْمُ التَّروِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بالحَجِّ. وفى لَفظٍ عن جابِرٍ، رضي الله عنه، قال: أمَرَنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَلْنَا،
(1) في م: «ليلته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن نُحْرِمَ إذا تَوَجَّهْنا إلى مِنًى فأهْلَلْنا مِن الأبْطَحِ، حتى إذا كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وجَعَلْنا مَكَّةَ بظَهْرٍ، أهْلَلْنَا بالحَجِّ. رَواه مسلمٌ (1). وعن عُبَيْدِ ابن جُرَيْجٍ، أنه قال لابن عُمَرَ: رَأَيْتُكَ إذا كُنْتَ بمَكَّةَ، أهَلَّ النّاسُ ولم تُهِلَّ أنت، حتى يكونَ يومُ التَّرْوِيَةِ؟ فقال عبدُ اللَّه بنُ عُمَرَ: أمَّا الإِهْلالُ، فإنِّى لم أر رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حتى تَنْبَعِثَ به راحِلَتُه. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأنَّه مِيقاتٌ للإحْرامِ، فاسْتَوَى فيه أهْلُ مَكَّةَ وغيرُهم، كمِيقاتِ المَكانِ. وإن أحْرَمَ قبلَ ذلك، جازَ.
فصل: والأفْضَلُ أن يُحْرِمَ مِن مَكَّةَ؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في المَواقِيتِ: «حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» (3). ومِن أيها أحْرَمَ جازَ؛ للحَدِيثِ. وإن أحْرَمَ خارجًا منها مِن الحَرَم، جازَ؛ لقَوْلِ جابِرٍ: فأهْلَلْنَا مِن الأبْطَحِ.
(1) في: باب بيان وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 882، 885.
كما أخرجه البخارى، في: باب الإهلال من البطحاء. . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 197. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 318، 378.
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 144.
(3)
تقدم تخريجه في 8/ 104.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّ المَقْصُودَ أن يَجْمَعَ في النُّسُكِ بينَ الحِلِّ والحَرَمِ، وذلك حاصِلٌ بإِحْرامِه مِن جَمِيع الحَرَمِ. ويُسْتَحَبُّ أن يَفْعَلَ عندَ إحْرامِه هذا ما يَفْعَلُه عندَ الإِحْرامِ مِن المِيقاتِ؛ مِن الغُسْلِ والتَّنْظِيفِ، ويَتَجَرَّدُ عن المَخِيطِ، ويَطُوفُ سَبْعًا، ويُصَلِّى رَكْعَتَيْن، ثم يُحْرِمُ عَقِيبَهما. ومِمَّن اسْتَحَبَّ ذلك عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. ولا يُسَنُّ أن يَطُوفَ بعدَ إحْرامِه. قال ابنُ عباسٍ، رَضِىَ اللَّه عنه: لا أرَى لأهْلِ مَكَّةَ أن يَطُوفوا بعدَ أن يُحْرِمُوا بالحَجِّ، ولا أن يَطُوفُوا بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ حتى يَرْجِعُوا. وهذا مَذْهَبُ عَطاءٍ، ومالكٍ، وإسحاقَ. وإن طافَ بعدَ إحْرامِه ثم سَعى، لم يُجْزِئْه عن السَّعْىِ الواجِبِ.