الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَىْءٍ.
ــ
1312 - مسألة: (ثم قد حَلَّ له كلُّ شئٍ)
. يَعْنِى إذَا طافَ للزِّيارَةِ بعدَ الرَّمْى والنَّحْرِ والحَلْقِ، وكان قد سَعَى، حَلَّ له كلُّ شئٍ حَرَّمَه الإِحْرامُ. وقد ذَكَرْنا أنَّه لم يَكُنْ بَقِىَ عليه مِن المَحْظُوراتِ سِوَى النِّساءِ، فبهذا الطَّوافِ حَلَّ له النِّساءُ. قال ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّه عنهما: لم يَحِلَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم مِن شئٍ حَرُمَ منه، حتى قَضَى حَجَّه، ونَحَر هَدْيَه يَوْمَ النَّحْرِ، فأفاضَ بالبَيْتِ، ثم حَلَّ مِن كلِّ شئٍ حَرُمَ منه. وعن عائشةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، مثلُه. مُتَّفَقٌ عليهما (1). ولا نَعْلَمُ خِلافًا في حُصُولِ الحِلِّ بما ذَكَرْناه على هذا التَّرْتِيبِ، فإن طافَ ولم يَكُنْ سَعَى، لم يَحِلَّ حتى يَسْعَى، إن قُلْنا: إنَّ السَّعْىَ رُكْنٌ. وإن قُلْنا: هو سُنَّةٌ. فهل يَحِلُّ قبلَه؟ على وَجْهَيْن؛ أحَدُهما، يَحِلُّ؛ لأنَّه لم يَبْقَ عليه شئٌ مِن واجِباتِه. والثانى، لا يَحِلُّ؛ لأنَّه مِن أفْعالِ الحَجِّ، فيَأْتى به في إحْرامِ الحَجِّ، كالسَّعْىِ في العُمْرَةِ.
فصل: قال الخِرَقِىُّ: يُسْتَحَبُّ للمُتَمَتِّعِ إذا دَخَل مَكَّةَ لطَوافِ الزِّيارَةِ، أن يَطُوفَ طَوافًا يَنْوِى به القُدُومَ، ثم يَسْعَى بينَ الصَّفَا
(1) أخرجهما البخارى، في: باب من ساق البدن معه، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 205، 206. ومسلم، في: باب وجوب الدم على المتمتع. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 901. كما أخرج حديث ابن عمر أبو داود، في: باب في الإقران، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 419. والنسائى، في: باب التمتع، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 117، 118
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمَرْوَةِ، ثم يَطُوفَ طَوافَ الزِّيارَةِ؛ لأنَّ المُتَمَتِّعَ لم يَأْتِ به قبلَ ذلك، فإنَّ الطَّوافَ الذى طافَه في الأوَّلِ كان طَوافَ العُمْرَةِ. وقد نَصَّ أحمدُ، رحمه الله، على ذلك في رِوايَةِ الأثْرَمِ. قال: قُلْتُ لأبى عبدِ اللَّهِ: فإذَا رَجَع -يَعْنِى المُتَمَتِّعَ- كم يَطُوفُ ويَسْعَى؟ قال: يَطُوفُ ويَسْعَى لحَجِّه، ويَطُوفُ طَوافًا آخَرَ للزِّيارَةِ. عاوَدْناه في هذا غيرَ مَرَّةٍ، فثَبَتَ عليه. وكذلك الحُكْمُ في القارِنِ والمُفْرِدِ، إذا لم يَكُونَا أتَيَا مَكَّةَ قبلَ يومِ النَّحْرِ، ولا طافا طَوافَ القُدُومِ، فإنَّهُما يَبْدآن بطَوافِ القُدُومِ قبلَ طَوافِ الزِّيارَةِ. نَصَّ عليه أحمدُ أيضًا. واحْتَجَّ بما رَوَتْ عائشةُ، رَضىَ اللَّه عنها، قالت: فطافَ الذين أهَلُّوا بالعُمْرَةِ، وبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ثم حَلُّوا، ثم طافُوا طَوافًا آخَرَ بعدَ أن رَجَعُوا مِن مِنًى لحَجِّهم، وأمَّا الذين جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فإنَّما طافُوا طَوافًا واحِدًا (1). فحَمَلَ أحمدُ، رَضِىَ اللَّه عنه، قولَ عائشةَ على أنَّ طَوافَهم لحَجِّهم هو طَوافُ القُدُومِ، ولأنَّه قد ثَبَت أنَّ طَوافَ القُدُومِ مَشْرُوعٌ، فلم يَكُنْ طَوافُ الزِّيارَةِ مُسْقِطًا له، كتَحِيَّةِ المَسْجِدِ عندَ دُخُولِه قبلَ التَّلبُّسِ بصلاةِ الفَرْضِ. قال شيخُنا (2)، رحمه الله: ولم أعْلَمْ أحَدًا وَافَقَ أبا عبدِ اللَّهِ على هذا الطَّوافِ الذى ذَكَرَه الخِرَقِىُّ، بل المَشْرُوعُ طَوافٌ واحِدٌ للزِّيارَةِ، كمَن دَخَل المَسْجِدَ، وأُقِيمَتِ الصلاةُ، فإنَّه يَكْتَفِى بها مِن تَحِيَّةِ المَسْجِدِ. ولأنَّه لم يُنْقَلْ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 138.
(2)
في: المغنى 5/ 315.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا أصحابِه الذين تَمَتَّعُوا معه في حَجَّةِ الوادعِ، ولا أمَرَ به النبىُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا، وحَدِيثُ عائشةَ دَلِيلٌ على هذا، فإنَّها قالت: طافُوا طَوافًا واحِدًا بعدَ أن رَجَعُوا مِن مِنًى لحَجَّتِهم. وهذا هو طَوافُ الزِّيارَةِ، ولم تَذْكُرْ طَوافًا آخَرَ، ولو كان هذا الذى ذَكَرَتْه طَوافَ القُدُومِ، لكانَتْ قد أخَلَّتْ بذِكْرِ طَوافِ الزِّيارَةِ الذى هو رُكْنُ الحَجِّ، لا يَتِمُّ إلَّا به، وذَكَرَتْ ما يُسْتَغْنَى عنه، وعلى كلِّ حالٍ فما ذَكَرَتْ إلَّا طَوافًا واحِدًا، فمِن أين يُسْتَدَلُّ على طَوافَيْن؟ وأيضًا فإنَّها لَمَّا حاضَتْ، فقَرَنَتِ الحَجَّ إلى العُمْرَةِ بأمْرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولم تَكُنْ طافَتْ للقُدُومِ، لم تَطُفْ للقُدُومِ، ولا أمَرَها به النبىُّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ طَوافَ القُدُومِ لو لم يَسْقُطْ بالطَّوافِ الواجبِ، لَشُرِعَ في حَقِّ المُعْتَمِرِ طوافٌ للقُدُومِ مع طَوافِ العُمْرَةِ، ولأنَّه أوَّلُ قُدُومِه إلى البَيْتِ، فهو به أوْلَى مِن المُتَمَتِّعِ الذى يَعُودُ إلى البَيْتِ بعدَ رُؤْيَتِه وطَوافِه. وفى الجُمْلَةِ، هذا الطَّوافُ المُخْتَلَفُ فيه ليس بواجِبٍ، إنَّما الواجِبُ طَوافٌ واحِدٌ، وهو طَوافُ الزِّيارَةِ، وهو في حَقِّ المُتَمَتِّعِ كهو في حَقِّ القارِنِ والمُفْرِدِ، لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به.
فصل: والأطْوِفَةُ المَشْرُوعَةُ في الحَجِّ ثَلَاَثَةٌ؛ طَوافُ الزِّيارَةِ، وهو رُكْنٌ لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به، بغيرِ خِلافٍ. وطوافُ القُدُومِ، وهو سُنَّةٌ، لا شئَ على تَارِكِه. وطَوافُ الوَداعِ، واجِبٌ، يَجِبُ بتَرْكِه دَمٌ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه. وقال مالكٌ: على تارِكِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طَوافِ القُدُوم دَمٌ، ولا شئَ على تارِكِ طَوافِ الوداعِ. وحُكِىَ عن الشافعىِّ كقولِنا في طَوافِ الوَداعِ، وكقولِه في طَوافِ القُدُومِ. وما زادَ على هذه الأطْوِفَةِ فهو نَفْلٌ، ولا يُشْرَعُ في حَقِّهِ أكثرُ مِن سَعْىٍ واحِدٍ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه. قال جابِرٌ: لم يَطُفِ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابُه بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ إلَّا طَوافًا واحِدًا، طَوافَه الأوَّلَ. رَواه مسلمٌ (1). ولا يكونُ السَّعْىُ إلَّا بعدَ طَوافٍ، وقد ذَكَرناه.
فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يَدْخُلَ البَيْتَ، فيُكَبِّرَ في نَواحِيهِ، ويُصَلِّىَ فيه رَكْعَتَيْن، ويَدْعُوَ اللَّهَ عز وجل. قال ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: دَخَل النبىُّ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ، وبِلالٌ، وأُسامَةُ بنُ زَيْدٍ، فقُلْتُ لبلالٍ: هل صَلَّى فيه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قُلْتُ: أين؟ قال: بينَ العَمُودَيْن تِلْقَاءَ وَجْهِه. قال: ونَسِيتُ أن أسْألَه كم صَلَّى. وقال ابنُ عباسٍ (2): أخْبَرَنِى أُسَامَةُ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَل البَيْتَ، دَعَا في نَواحِيه كلِّها، ولم يُصَلِّ فيه حتى خَرَج. مُتَّفَقٌ عليهما (3). فقَدَّمَ أهْلُ العِلمِ رِوايَةَ بِلالٍ على رِوايَةِ أُسامَةَ؛
(1) في: باب بيان وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 883.
كما أخرجه أبو داود، في: باب طواف القارن، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 437.
(2)
في النسخ: «أسامة» خطأ.
(3)
الأول أخرجه البخارى، في: باب الأبواب والْغَلَقِ للكعبة والمساجد، وباب الصلاة بين السوارى في غير جماعة، من كتاب الصلاة، وفى: باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، من كتاب التهجد. صحيح البخارى 1/ 126، 134، 2/ 70. ومسلم، في: باب استحباب دخول الكعبة للحاج. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 966، 967.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الصلاة في الكعبة، من كتاب الحج. سنن أبى داود 1/ 466، 467. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه مُثْبِتٌ، وأُسامَةُ نافٍ، ولأنَّ أُسامَةَ كان حَدِيثَ السِّنِّ، فيَجُوزُ أن يكونَ اشْتَغَلَ بالنَّظَر إلى ما في الكَعْبَةِ عن صلاةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وإن لم يَدْخُلِ البَيْتَ، فلا بَأْسَ، فإنَّ إسْماعِيلَ بنَ أبى (1) خالدٍ قال: قُلْتُ لعبدِ اللَّهِ ابِن أبى أوفَى: دَخَل النبى صلى الله عليه وسلم البَيْتَ في عُمْرَتِه؟ قال: لا. مُتَّفَقٌ عليه (2). وعن عائشةَ، رَضِىَ اللَّه عَنها، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِن عندِها وهو مَسْرُورٌ، ثم رَجَعَ وهو كَئِيبٌ. فقال:«إنِّى دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا، إنِّى أَخَافُ أنْ أكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِى» (3).
= والنسائى، في: باب الصلاة في الكعبة، وباب مقدار ذلك، من كتاب الصلاة، وفى: باب دخول البيت، وباب موضع الصلاة في البيت، من كتاب المناسك. المجتبى 2/ 27، 28، 49، 5/ 171، 172. وابن ماجه، في: باب دخول الكعبة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1018.
والثانى أخرجه البخارى، في: باب قول تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، من كتاب الصلاة. صحيح البخارى 1/ 110. ومسلم، في: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 968. والنسائى، في: باب موضع الصلاة في الببت، وباب موضع الصلاة من الكعبة، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 172، 174.
(1)
سقط من النسخ.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب من لم يدخل الكعبة، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 184. ومسلم، في: باب استحباب دخول الكعبة للحاج. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 968. كما أخرجه أبو داود، في: باب أمر الصفا والمروة، من كتاب الحج. سنن أبى داود 1/ 439. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 355.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في دخول الكعبة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 467، 468. والترمذى، في: باب ما جاء في دخول الكعبة، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 102. وابن ماجه، في: باب دخول الكعبة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1018، 1019. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 137.