الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أوْ مَحْمُولًا، أجْزَأهُ. وَعَنْهُ، لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ. وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْحَامِلِ.
ــ
الجَهْرَ في صلاةِ الفَجْرِ لا يَقْضِيه في صَلاةِ الظُّهْرِ، ولا يَقْتَضِى القِياسُ أن يَقْضِىَ هَيْئَةَ عِبادَةٍ في عِبادَةٍ أُخْرَى. قال القاضى: ولو طافَ فرَمَلَ، واضْطَبَعَ، ولم يَسْعَ بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، فإذا طافَ بعدَ ذلك رَمَل في طَوافِه؛ لأنَّه يَرْمُلُ في السَّعْىِ بَعْدَه، وهو تَبَعٌ في الطَّوافِ، فلو قُلْنا: لا يَرْمُلُ في الطَّوافِ. أفْضَى إلى كَوْنِ التَّبَعِ أكْمَلَ مِن المَتْبُوعِ. وهذا قولُ مُجاهِدٍ، والشافعيِّ. قال شيخُنا (1): وهذا لا يَثْبُتُ بمثلِ هذا الرَّأْىِ الضَّعِيفِ؛ فإنَّ المَتْبُوعَ لا تَتَغَير هَيْئَاتُه تَبَعًا لتَبَعِه، ولو كانَا مُتلازِمَيْن، كان تَرْكُ الرَّمَلِ في السَّعْىِ تَبَعًا لعَدَمِه في الطوافِ أوْلَى مِن الرَّمَلِ في الطَّوَافِ تَبَعًا للسَّعْى.
1267 - مسألة: (ومَن طافَ رَاكِبًا أو مَحْمُولًا، أجْزَأه. وعنه، لا يُجْزِئُه إلَّا لعُذْرٍ. ولا يُجْزِئُ عن الحامِلِ)
يَصِحُّ طَوافُ الرَّاكِبِ للعُذْرِ
(1) في: المغنى 5/ 221.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّ ابنَ عباسٍ روَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه طافَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ على بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بمِحْجَنٍ. وعن أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، قالت: شَكَوْتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنِّى أشْتَكِى، فقال:«طُوفي مِنْ وَرَاءِ النّاسِ وَأنْتِ رَاكِبَةٌ» . مُتَّفَقٌ عليهما (1). وقال جابِرٌ، رَضِىَ اللهُ عنه: طافَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على راحِلَتِه بالبَيْتِ، وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ، ليَراه النّاسُ، وليُشْرِفَ عليهم، ليَسْألُوه (2)، فإنَّ النّاسَ غَشُوه (3). والمَحْمُولُ كالرَّاكِبِ، فيما ذَكَرْنا، قِياسًا عليه.
فصل: فإن فَعَل ذلك لغيرِ عُذْرٍ فعن أحمدَ فيه ثَلاثُ رِواياتٍ؛ إحْداهُنَّ، لا يُجْزِئُ. وهو ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:
(1) تقدم تخريج الأول في صفحة 86. كما تقدم تخريج الثانى في صفحة 96.
(2)
في م: «يسألوه» .
(3)
أخرجه مسلم، في: باب جواز الطواف على بعير. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 926، 927. وأبو داود، في: باب الطواف الواجب، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 434. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 317، 333، 334.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الطَّوَافُ بِالبَيْتِ صَلَاةٌ» (1). ولأنَّها عِبادَة تَتَعَلَّقُ بالبَيْتِ فلم يَجُزْ فِعْلُها راكِبًا لغَيْرِ عُذْرٍ، كالصلاةِ. والثانِيَةُ، يُجْزِئُه، ويَجْبُرُه بدَمٍ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، إلَّا أنَّه قال: يُعِيدُ ما كانَ بمَكَّةَ، فإن رَجَع جَبَرَه بدَمٍ؛ لأنَّه تَرَك صِفَةً واجِبَةً في رُكْنِ الحَجِّ، أشْبَهَ ما لو دَفَع مِن عَرَفَةَ قبلَ الغُروبِ. والثالِثَةُ، يُجْزِئُ، ولا شئَ عليه. اخْتارَها أبو بَكْرٍ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ، وابنِ المنْذِرِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم طافَ راكِبًا (2). قال ابنُ المُنْذِرِ: لا قَوْلَ لأحَدٍ مع فِعْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّ اللهَ تَعالَى أمَر بالطَّوافِ مُطْلَقًا، فكَيْفَما أتَى به أجْزَأه، ولا يَجُوز تَقْيِيدُ المُطْلَقِ بغيرِ دَلِيلٍ.
فصل: والطَّوافُ راجِلًا أفْضَلُ، بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم في غيرِ حَجَّةِ الوَداعِ طافَ ماشِيًا، وأصحابُه طافُوا مُشاةً. وفى قولِ أُمِّ سَلَمَةَ: شَكَوْتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنِّى أشْتَكِى، فقالَ:«طُوفِى مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأنْتِ رَاكِبَةٌ» (3). دَلِيلٌ على أنَّ الطَّوافَ إنَّما يَكونُ مَشْيًا، وإنَّما طافَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم راكِبًا لعُذْرٍ، فإنَّ ابنَ عباسٍ روَى أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَثُرَ عليه النّاسُ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 100.
(2)
أخرجه مسلم، في: الباب السابق. وأبو داود، في: الباب السابق. والنسائى، في: باب الطواف بين الصفا والمروة. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 193. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 297، 369.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 96.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقُولُون: هذا محمدٌ، هذا محمدٌ. حتى خَرَج العَواتِقُ مِن البُيُوتِ، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لا يُضْرَبُ النّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فلَمّا كَثُرُوا عليه رَكِبَ. رَواه مسلمٌ (1). وكذلك في حَدِيثِ جابِرٍ: فإنَّ النّاسَ غَشُوه. ورُوِىَ (2) عن ابنِ عباسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طافَ راكِبًا؛ لشَكاةٍ به (3). وبهذا يَعْتَذِرُ مَنْ مَنَعَ الطَّوافَ راكِبًا عن طَوافِ النبىِّ، والحَدِيثُ الأوَّلُ أثْبَتُ. فعلى هذا يكونُ كَثْرَةُ النّاسِ وشِدَّةُ الزِّحامِ عُذْرًا. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَصَد تَعْلِيمَ النّاسِ، فلا يَتَمَكَّنُ إلَّا بالرُّكُوبِ.
(1) في: باب استحباب الرمل في الطواف. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 921، 922.
(2)
في النسخ: «رواه» . وانظر المغني 5/ 251.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب الطواف الواجب، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 434.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا طافَ راكِبًا أو مَحْمُولًا، فلا رمَلَ فيه. وقال القاضى: يَخُبُّ به بَعِيرُه. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَلْه، ولا أمَرَ به، ولا يَتَحَقَّقُ فيه مَعْنَى الرَّمَلِ.
فصل: فأمّا السَّعْىُ مَحْمُولًا وراكِبًا، فيُجْزِئُه لعُذْرٍ ولغَيْرِ عُذْرٍ؛ لأنَّ المَعْنَى الذى مَنَع الطَّوافَ راكِبًا غيرُ مَوْجُودٍ فيه.
فصل: ومَن طِيفَ به مَحْمُولًا، لم يَخْلُ مِن ثَلاثَةِ أحْوالٍ؛ أحَدُها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن يَنْوِيَا جَمِيعًا عن المَحْمُولِ، أو يَنْوِىَ المَحْمُولُ عن نَفْسِه، ولا يَنْوِىَ الحامِلُ شَيْئًا، فيَقَعُ عنه دُونَ الحامِلِ، بغيرِ خِلافٍ. الثانى، أن يَقْصِدا عن الحامِلِ، فيَقَعَ عنه، ولا شئَ للمَحْمُولِ، وكذلك إن نَوَى الحامِلُ عن نَفْسِه، ولم يَنْوِ المَحْمُولُ. الثالِثُ، أن يَقْصِدَ كلُّ واحِدٍ عن نَفْسِه، فيَقَعُ للمَحْمُولِ دُونَ الحامِلِ. وهذا أحَدُ قَوْلَىِ الشافعيِّ. والقَوْلُ الآخَرُ، يَقَعُ للحامِلِ؛ لأنَّه الفاعِلُ. وقال أبو حنيفةَ: يَقَعُ لهما؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما طائِف بنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، فأجْزَأ الطَّوافُ عنه، كما لو لم يَنْوِ صاحِبُه شَيْئًا، ولأنَّه لو حَمَلَه بعَرَفَاتٍ لكانَ الوُقُوفُ عنهما، كذا هذا. قال شيخُنا (1): وهو قَوْلٌ حَسَنٌ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه طَواف أجْزَأ عن المَحْمُولِ، فلم يَقَعْ عن الحامِلِ، كما لو نَوَيا جَمِيعًا، ولأنَّه طَوافٌ واحِدٌ فلم يَقَعْ عن شَخْصَيْن، كالرّاكِبِ، أمّا إذا حَمَلَه بعَرَفَةَ، فما حَصَل الوُقُوفُ بالحَمْلِ، فإنَّ المَقْصُودَ الكَونُ في عَرَفَاتٍ، وهما كائِنانِ بها، والمَقْصُودُ ههُنا الفِعْلُ، وهو واحِدٌ، فلا يَقَعُ عن شَخْصَيْن، ووُقُوعُه عن المَحْمُولِ أوْلَى؛ لأنَّه لم يَنْوِ بطَوافِه إلَّا لنَفْسِه، والحامِلُ لم يَخْلُصْ قَصْدُه بالطَّوافِ لنَفْسِه، فإنَّه لولم يَقْصِدِ الطَّوافَ بالمَحْمُولِ لَما حَمَلَه، فإنَّ تَمَكُّنَه مِن الطَّوافِ لاِ يَقفُ على حَمْلِه، فصارَ المَحْمُولُ مَقْصُودًا لهما، ولم يَخْلُصْ
(1) في: المغنى 5/ 55.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَصْدُ الحامِلِ لنَفْسِه، فلم يَقَعْ لعَدَمِ التَّعْيينِ. وقال أبو حَفْصٍ العُكْبَرِيُّ: لا يُجْزِئُ الطَّوافُ عن واحِدٍ منهما؛ لأَنَّ فِعْلًا واحِدًا لا يَقَعُ عن اثْنَيْن، وليس أحَدُهما أوْلَى به مِن الآخَرِ. وقد ذَكَرْنا أنَّ المَحْمُولَ أوْلَى بخُلُوصِ نِيَّتِه لنَفْسِه، وقَصْدِ الحامِلِ له. فإن عُدِمَتِ النِّيَّةُ منهما، أو نَوَى كلُّ واحِدٍ منهما عن الآخَرِ، لم تَصِحَّ لواحِدٍ منهما.