الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسُّنَّةُ أنْ يَأْكُلَ ثُلُثَهَا، وَيُهْدِىَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا، فَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ، جَازَ.
ــ
بخاتَمِى هذا أحَبُّ إلَىَّ مِن أنْ أهْدِىَ إلى البَيْتِ ألْفًا. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى والخُلَفَاءُ بعدَه، ولو عَلِمُوا أنَّ الصَّدَقَةَ أفْضَلُ لَعَدَلُوا إليها. ورَوَتْ عائشةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أحَبَّ إلَى اللَّه مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ، وَإنَّهُ لَيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بقُرُونِها وَأظْلَافِهَا وَأشْعَارِهَا، وَإنَّ الدَّمَ ليَقَعُ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِمَكَانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» . رَواه ابنُ ماجَه (1). ولأنَّ إيثارَ الصَّدَقَةِ على الأُضْحِيَةِ يُفْضِى إلى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وقولُ عائشةَ في الهَدْى لا في الأُضْحِيَةِ.
1375 - مسألة: (ويُسْتَحَبُّ أن يَأْكُلَ ثُلُثَها، ويُهِدىَ ثُلُثَها، ويَتَصَدَّقَ بثُلُثِها، وإن أكل أكثرَ، جازَ)
قال أحمدُ: نحن نَذْهَبُ إلى حَدِيثِ
(1) في: باب ثواب الأضحية، من كتاب الأضاحى. سنن ابن ماجه 2/ 1045.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في فضل الأضحية، من أبواب الأضاحى. عارضة الأحوذى 6/ 289.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عبدِ اللَّهِ؛ يَأْكُلُ هو الثُّلُثَ، ويُطْعِمُ مَن أرادَ الثُّلُثَ، ويَتَصَدَّقُ على المَسَاكِينِ بالثُّلُثِ. قال عَلْقَمَةُ: بَعَث معى عبدُ اللَّهِ بِهَدْيِه، فأمَرَنِى أن آكُلَ ثُلُثَها، وأن أُرْسِلَ إلى أهْلِ أخِيه بثُلُثٍ، وأن أتصَدَّقَ بثُلُثٍ. وعن ابنِ عُمَرَ، قال: الضَّحَايَا والهَدَايَا، ثُلُثٌ لَكَ، وثُلُثٌ لأهْلِكَ، وثُلُثٌ للمَسَاكِينِ. وهذا قولُ إسْحاقَ، وأحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ. وقال في الآخَرِ: يَجْعَلُها نِصْفَيْن؛ يَأْكُلُ نِصْفًا (1)، ويَتَصَدَّقُ بنِصْفٍ؛ لقَوْلِ اللَّهِ تَعالَى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (2). وقال أصحابُ الرَّأْى: ما كَثُرَ مِن الصَّدَقَةِ فهو أَفْضَلُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أهْدَى مائَةَ بَدَنَةٍ، وأمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ، فأَكَلَ هو وعَلِىٌّ مِن لَحْمِها، وحَسَيَا مِن مَرَقِها (3). ونَحَرَ خَمس بَدَناتٍ أو سِتَّ بَدَناتٍ، وقال:«مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . ولم يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا (4). ولَنا، ما روَى ابنُ عباسٍ في صِفَةِ
(1) في م: «نصفها» .
(2)
سورة الحج 28.
(3)
تقدم تخريجه في حديث جابر الطويل في 8/ 363.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 205.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُضْحِيَةِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ويُطْعِمُ أهْلَ بَيْته الثُّلُثَ، ويُطْعِمُ فُقَراءَ جِيرانِه الثُّلُثَ، ويَتَصَدَّقُ على السُّؤالِ بالثُّلُثِ. رَواه الحافِظُ أبو مُوسَى (1) في «الوَظائِفِ» ، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. ولأنَّه قَوْلُ ابنِ مسعودٍ، وابنِ عُمَرَ، ولم يُعْرَفْ لهما مُخَالِفٌ في الصحابةِ. ولأنَّ اللَّهَ تَعالَى: قال {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (2). والقَانِعُ: السَّائِلُ. يُقالُ: قَنَعَ قُنُوعًا. إذا سَألَ. والمُعْتَرُّ: الذى يَعْتَرِيكَ. أى يَتَعَرَّضُ لَكَ لتُطْعِمَه،
(1) محمد بن عمر بن أحمد أبو موسى، ابن المدينى، الشافعى، الحافظ، صاحب التصانيف، منها كتابه «الوظائف» ، توفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. طبقات الشافعية الكبرى 6/ 160 - 163.
(2)
سورة الحج 36.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يَسْألُ، فذَكَرَ ثَلَاثَةَ أصْنَافٍ، فيَنْبَغِى أن يُقْسَمَ بينَهم أثْلاثًا. وأمَّا الآيَةُ التى احْتَجَّ بها أصحابُ الشافعىِّ، فإنَّ اللَّهَ تَعالَى لم يُبَيِّنْ قَدْرَ المَأْكُولِ منها والمُتَصَدَّقِ به، وقد نَبَّهَ عليه في آيَتِنا، وفَسَّرَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم بفِعْلِه، وابنُ عُمَرَ بقَوْلِه. وأمَّا خَبَرُ أصحاب الرَّأْى، فهو في الهَدْى، والهَدْىُ يَكْثُرُ، فلا يَتَمَكَّنُ الإِنْسانُ مِن قَسْمِه وَأخْذِ ثُلُثِه، فتَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ. والأمْرُ في هذا واسِعٌ، فلو تَصَدَّقَ بها كلِّها، أو بأكْثَرِها، جَازَ، وإن أكَلَها كلَّها إلَّا أُوقِيَّةً تَصَدَّقَ بها، أجْزَأ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالَى أمَرَ بالأكْلِ والإطْعَامِ منها، ولم يُقَيِّدْه بشَئٍ، فمتى أكَلَ وأطْعَمَ، فقد أتَى بما أُمِرَ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: يَجُوزُ أكْلُها كلِّها. ولَنا، أنَّ اللَّهَ تَعالَى قال:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} . وظاهِرُ الأَمْرِ الوُجُوبُ. وقال بعضُ أهْلِ العِلْمِ: يَجبُ الأَكْلُ منها، ولا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بجَمِيعِها؛ للأمْرِ بالأكْلِ. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ خَمْسَ بَدَناتٍ، وقال:«مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا (1). ولأنَّها ذَبِيحَة يُتَقَرَّبُ بها إلى اللَّهِ تَعالَى، فلم يَجِبِ الأكْلُ منها، كالعَقِيقَةِ، فيكونُ الأَمْرُ للاسْتِحْبابِ أو للإباحَةِ، كالأمْرِ بالأَكْلِ مِن الثِّمارِ والزُّرُوعِ، والنَّظَرِ إليها.
فصل: ويَجُوزُ أن يُطْعِمَ منها كافِرًا. وبهذا قال الحَسَنُ، وأبو ثَوْرِ، وأصحابُ الرَّأْى. وكَرِهَ مالك، واللَّيْثُ إعْطاءَ النَّصْرَانِىِّ جلْدَ الأُضْحِيَةِ. وقال مالكٌ: غيرُهم أحَبُّ إلينا. ولَنا، أنَّه طَعامٌ له أكْلُهَ، فجازَ إطْعامُه الذِّمِّىَّ، كسائِرِ طَعامِه، ولأنَّه صَدَقَةُ تَطوُّعٍ، فأشْبَهَ سائِرَ صَدَقَةِ التَّطوُّعِ. وأمّا الصَّدَقَةُ الواجِبَةُ منها، فلا يُجْزِئُ دفْعُها (2) إلى كافِرٍ؛ لأنَّها واجِبَةٌ، فأشْبَهَتِ الزَّكَاةَ وكَفَّارَةَ اليَمِين.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 205.
(2)
في النسخ: «دفعه» وانظر: المغنى 13/ 381.