الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ عَطِبَ الْهَدْىُ فِى الطَّرِيقِ، نَحَرَهُ مَوْضِعَهُ، وَصَبَغَ نَعْلَهُ الَّتِى فِى عُنُقِهِ فِى دَمِهِ، وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَتَهُ؛ لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ. وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ.
ــ
1364 - مسألة: (وإن عَطِبَ الهَدْىُ في الطَّرِيقِ، نَحَرَه في مَوْضِعِه، وصَبَغ نَعْلَه التى في عُنُقِه في دَمِه، وضَرَب بها صَفْحَةَ سَنامِه؛ ليعْرِفَه الفُقَراءُ، فيَأْخُذُوه. ولا يَأْكُلُ منه هو، ولَا أحَدٌ مِن أهْلِ رُفْقَتِه)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ مَن تَطَوَّعَ بهَدْىٍ غيرِ واجِبٍ، لم يَخْلُ مِن حالَيْن؛ أحَدُهُما، أن يَنْوِيَه هَدْيًا، ولا يُوجِبَه بلِسانِه ولا تَقْلِيدِه وإشعارِه، فهذا لا يَلْزَمُه إمْضاؤه، وله أولادُه ونماؤُه، والرُّجُوعُ فيه متى شاءَ، ما لم يَذْبَحْه؛ لأنَّه نَوَى الصَّدَقَةَ بشئٍ مِن مالِه، أشْبَهَ ما لو نَوَى الصَّدَقَةَ بدِرْهَمٍ. الثانى، أن يُوجِبَه بلِسَانِه أو يُقَلِّدَه ويُشْعِرَه مع النِّيَّةِ، فيَصِيرَ واجِبًا مُعَينًا، يَتَعَلَّقُ الوُجُوبُ بعَيْنه دُونَ ذِمَّةِ صاحِبِه، ويكونُ في يَدِ صاحِبِه كالوَدِيعَةِ، يَلْزَمُه حِفْظُه وإيصالُه إلى مَحِلِّه، فإن تَلف بغيرِ تَفْرِيطٍ منه، أو سُرِقَ، أو ضَلَّ، فلا ضَمانَ عليه، كالوَدِيعَةِ؛ لأنَّ الحَقَّ إنَّما تَعَلَّقَ بالعَيْنِ، فسَقَطَ بتَلَفِها. وقد روَى الدّارَقُطْنِىُّ (1)، بإسْنادهِ، عن ابنِ عُمَرَ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ أَهْدَى تَطَوُّعًا ثُمَّ ضَلَّتْ، فلَيْسَ عَلَيْهِ البَدَلُ، إلَّا أنْ يَشاءَ، فإنْ كَانَ نَذْرًا فَعَلَيْةِ البَدَلُ» . فأمَّا إن أتلَفَها، أو تَلِفَتْ بتَفرِيطِه، فعليه ضَمانُه؛ لأنَّه أتْلَفَ واجِبًا لغيرِه، فضَمِنَه، كالوَدِيعَةِ. وإن خافَ عَطَبَه، أو عَجْزَه عن المَشْى وصُحْبَةِ الرِّفاقِ، نَحَرَه مَوْضِعَه، وخَلَّى بينَه وبينَ المساكِينِ، ولم يُبَحْ له أكْلُ شئٍ منه، ولا لأحَدٍ مِن صحابتهِ، وإن كانُوا فُقَراءَ. ويُسْتَحَبُّ له أن يَصْبُغ نَعْلَ الهَدْى المُقَلَّدِ في عُنُقِه، ثم يَضْرِبَ بها صَفْحَتَه؛ ليَعْرِفَه الفُقَراءُ، فيَعْلَمُوا أنَّه هَدْىٌ،
(1) في: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 242.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَيَأْخُذُوه. وبهذا قال الشافعىُّ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ. ورُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه أكَلَ من هَدْيه الذى عَطِبَ، ولم يَقْضِ مَكانَه (1). وقال مالكٌ: يُباحُ لرُفْقَتِه ولسائِرِ النَّاس، غيرَ صاحِبِه أو سائِقِه، ولا يَأمُرُ أحَدًا يَأْكُلُ منه، فإن أكَل، أو أمَرَ مَن أكَلَ، أو ادَّخَرَ شَيْئًا مِن لَحْمِه، ضَمِنَه؛ لِما روَى هِشامُ بنُ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن ناجِيةَ بنِ كَعْبٍ (2) صاحِبِ بُدْنِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: يا رسولَ اللَّهِ، كيفَ أصْنَعُ بما عَطِبَ مِن الهَدْى؟ قال:«انْحَرْه، ثُمَّ اغْمِس قَلَائِدَهُ فِى دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا صَفْحَةَ عُنُقِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» (3). فيَدْخُلُ في عُمُومِ قولِه: «خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاس» . رُفْقَتُه وغيرُهم. ولَنا، ما روَى ابنُ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّ ذُويْبًا أبا قَبِيصَةَ (4) حَدَّثَه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان
(1) في الأصل: «ضمانه» .
(2)
هو ناجية بن كعب بن جندب الخزاعى، روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان صاحب بدنه، انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/ 399.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك. عن أبى داود 1/ 408. والترمذى، في: باب ما جاء إذا عطب الهدى ما يصنع به، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 144. واين ماجه، في: باب في الهدى إذا عطب، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1036. والدارمى، في: باب سنة البدنة إذا عطبت، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 65. والإمام مالك، في: باب العمل في الهدى إذا عطب أو ضل، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 380. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 338.
(4)
هو ذؤيب بن حلحلة، وقيل: ابن حبيب بن حلحلة، كان يسكن قُدَيْدًا، وهو موضع قرب مكة، وله دار بالمدينة، شهد الفتح، وعاش إلى زمن معاوية. أسد الغابة 2/ 182.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَبْعَثُ معه بالبُدْنِ، ثم يقولُ:«إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَئٌ فخَشِيتَ عَلَيْهَا، فانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمس نَعْلَها فِى دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، ولَا تَطْعَمْهَا أنْتَ وَلَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ رُفْقَتِكَ» . رَواه مسلمٌ (1) وفى لَفْظٍ: «ويُخَلِّيها وَالنَّاسَ، وَلَا يَطْعَمُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أحَدٌ مِنْ أصْحَابِهِ» . رَواه الإِمامُ أحمدُ (2). وهذا صَحِيحٌ مُتَضَمِّن للزِّيادَةِ ومَعْنًى خاصٍّ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه على عُمُومِ ما خالَفَه، ولا يَصِحُّ قِياسُ رُفْقَتِه على غيرِهم؛ لأنَّ الإِنْسانَ يُشْفِقُ على رُفْقَتِه، ويُحِبُّ التَّوْسِعَةَ عليهم، ورُبَّما وَسَّعَ عليهم مِن مُؤْنَتِه. وإنَّما مُنِعَ السّائِقُ ورُفْقَتُه مِن الأَكْلِ منها؛ لئلَّا يُقَصر في حِفْظِها، فيُعْطِبَها، ليَأْكُلَ هو ورُفْقَتُه منها، فتَلْحَقَه التُّهْمَةُ في عَطَبِها لنَفْسِه ورُفْقَتِه، فحُرِمُوها لذلك. فإن أكَلَ منها، أو باعَ، أو أطْعَمَ غَنِيًّا، أو رُفْقَتَه، ضَمِنَه بمثلِه لَحْمًا. وإن أتلَفَهَا، أو تَلِفَتْ بتَفْرِيطِه، أو خافَ عَطَبَها، فلم يَنْحَرْها حتى هَلَكَتْ، فعليه ضَمانُها يُوصِلُه إلى فُقَراءِ الحَرَمِ؛ لأنَّه لا يَتَعَذَّرُ عليه إيصالُ الضَّمانِ إليهم، بخِلافِ العاطِبِ. وإن أطْعَمَ منها فَقِيرًا، أو أمَرَه
(1) في: باب ما يفعل بالهدى إذا عطب في الطريق، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 963.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب في الهدى إذا عطب، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1036 والإمام أحمد، في: المسند 4/ 225.
(2)
في: المسند 4/ 225. ولفظه عنده: «ويخليهما للناس». في حديثه عن بدنتين.