الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ، رَجَعَ إِلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ، لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا.
ــ
لا يُجْزِئُ عن طَوافِ الوَداعِ؛ لأنَّهما عِبادَتان واجِبتان، فلم تُجْزِئْ إحْداهُما عن الأُخْرَى، كالصلاتَيْن الوَاجِبَتَيْن. فأمَّا إنْ نَوَى بِطَوَافِه الوَدَاعَ، لِم يُجْزِئْه عن طَوَافِ الزِّيارَةِ؛ لقَوْلِه عليه السلام:«وَإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نوَى» (1). وحُكْمُه حُكْمُ مَن تَرَك طَوافَ الزِّيارَةِ، على ما نَذْكُرُه، إن شاءَ اللَّهُ تَعالَى (2).
1324 - مسألة: (فإن خَرَج قبلَ الوَداعِ، رَجَع إليه. فإن لمِ يُمْكِنْه، فعليه دَمٌ، إلَّا الحائِضَ والنُّفَساءَ، لا وَداعَ عليهما)
مَن خَرَج قبلَ
(1) تقدم تخريجه في 1/ 308.
(2)
انظر ما يأتى في صفحة 271، 272.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَداعِ فعليه الرُّجُوعُ، إن كان قَرِيبًا، وإن أبعدَ فعليه دَمٌ. هذا قولُ عَطاءٍ، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ. والقَرِيبُ مَن كان مِن مَكَّةَ دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ، والبَعِيدُ مَسافَةُ القَصْرِ فما زادَ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الشافعىِّ. وكان عَطاءٌ يَرَى الطائِفَ قَرِيبًا. وقال الثَّوْرِىُّ: حَدُّ ذلك الحَرَمُ، فمَن كان فيه فهو قَرِيبٌ، ومن خرَج منه فهو بَعِيدٌ. ولَنا، أنَّ مَن دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ في حُكْمِ الحاضِرِ، في أنَّه لا يُفْطِرُ ولا يَقْصُرُ، ولذلك عَدَدْناه مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَن لم يُمْكِنْه الرُّجُوعُ لعُذْرٍ، فهو كالبَعِيدِ. ولو لِم يَرْجِعِ القَرِيبُ الذى يُمْكِنُه الرُّجُوعُ، لم يَكُنْ عليه أكْثَرُ مِن دَمٍ. ولا فرْقَ بينَ تَرْكِه عَمْدًا أو خَطَأً، لعُذْرٍ أو غيرِه؛ لأنَّه مِن واجِباتِ الحَجِّ، فاسْتَوَى عَمْدُه وخَطَؤُه، والمَعْذُورُ وغيرُه، كسائِرِ واجِباتِه. فإن رَجَع البَعِيدُ، فطافَ للوَداعِ. فقال القاضى: لا يَسْقُطُ عنه الدَّمُ؛ لأنَّه قد اسْتَقَرَّ عليه ببُلُوغِه مَسافَةَ القَصْرِ، فلم يَسْقُطْ برُجُوعِه، كمَن تَجاوَزَ المِيقاتَ غيرَ مُحْرِمٍ، فأحْرَمَ دُونَه ثم رَجع إليه. وإن رَجَع القَرِيبُ فطافَ، فلا دَمَ عليه، سَواءٌ كان مِمَّن له عُذْرٌ يُسْقِطُ عنه الرُّجُوعَ، أو لَا؛ لأنَّ الدَّمَ لم يَسْتَقِرَّ عليه؛ لكَوْنِه في حُكْمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحاضِرِ (1). ويَحْتَمِلُ سُقُوطُ الدَّمِ عن البَعِيدِ برُجُوعِه؛ لأنَّه واجِبٌ أتَى به، فلم يَجِبْ عليهِ بَدَلُه، كالقَرِيبِ.
فصل: وإذا رَجَع البعِيدُ، فيَنْبَغِى أن لا يَجُوزَ له تَجاوُزُ المِيقاتِ إن كان تَجاوَزَه، إلَّا مُحْرِمًا؛ لأنَّه ليس مِن أهْلِ الأعْذَارِ، فيَلْزَمُه طَوافٌ لإحْرامِه بالعُمْرَةِ والسَّعْى، وطَوافُ الوَداعِ، وفى سُقُوطِ الدَّمِ عنه الخِلافُ المَذْكُورُ. وإن كان مِن دُونِ المِيقاتِ، أحْرَم من مَوْضِعِه. فأمَّا إن رَجَع القَرِيبُ، فظاهِرُ قولِ مَن ذَكَرْنا قولَه، أنَّه لا يَلْزَمُه إحْرامٌ لأنَّه رَجَع لإِتْمامِ نُسُكٍ مَأْمُورٍ به، فأشْبَهَ مَن رَجَع لطَوافِ الزِّيارَةِ، فأمَّا إن وَدَّعَ وخَرَج، ثم دَخَل مَكَّةَ لحاجَةٍ، فقالَ أحمدُ: أحَبُّ إلىَّ أن لا يَدْخُلَ إلَّا مُحْرِمًا، وأحَبُّ إلىَّ إذا خَرَج أن يُوَدِّعَ البَيْتَ بالطَّوافِ. وهذا لأنَّه لم يَدْخُلْ لإِتْمامِ النُّسُكِ، إنَّما دَخَل لحاجَةٍ غيرِ مُتَكَرِّرَةٍ، أشْبَهَ مَن يَدْخُلُها للإِقامَةِ بها.
(1) في النسخ: «الحائض» . وانظر: المغنى 5/ 340.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والحائِضُ والنُّفَساءُ لا وَداعَ عليهما، ولا فِدْيَةَ كذلك. هذا قولُ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. وقد رُوِى عن عُمَرَ، وابنِه، رَضِىَ اللَّه عنهما، أنَّهما أمَرا الحائِضَ بالمُقامِ لطَوافِ الوَداعِ، وكان زيدُ بنُ ثابتٍ يقولُ به، ثم رَجَع عنه. فرَوَى مسلمٌ (1) أنَّ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ خالَفَ ابنَ عباسٍ في هذا. قال طاوُسٌ: كُنْتُ مع ابنِ عباسٍ، إذْ قال زَيدُ بنُ ثابِتٍ: تُفْتِى أن لا تَصْدُرَ الحائِضُ حتى يكونَ آخِرُ عَهْدِها بالبَيْتِ. فقال له ابنُ عباسٍ: إمَّا لا، تَسْألُ فُلانَةَ الأنْصَارِيَّةَ، هل أمَرَها بهذا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: فرَجَعَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ إلى ابنِ عباسٍ يَضْحَكُ، وهو يقولُ: ما أرَاكَ إلَّا قد صَدَقْتَ. ورُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ أنَّه رَجَع إلى قولِ الجَماعَةِ أيضًا. وقد ثَبَت التَّخْفِيفُ عن الحائِضِ بحديثِ صَفِيَّةَ حينَ قالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّها حائِضٌ. فقال:«أحَابِسَتُنَا هِى؟» قالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّها قد أفاضَتْ
(1) أخرجه مسلم، في: باب وجوب طواف الوداع. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 963، 964.