الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، والأَفْضَلُ أن تَكُونَ خَلْفَ الْمَقَامِ يَقْرَأُ فِيهِمَا {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بَعْدَ «الْفَاتِحَةِ»
ــ
وهذا قولُ عَطاءٍ، والشافعيِّ، وأبى ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْى. ولا نَعْلَمُ عن غيرِهم خِلافهم. ويَتَخَرَّجُ أنَّ المُوالَاةَ في الطَّوافِ سُنَّةٌ. وهو قولُ أصحابِ الرَّأْىِ، قِياسًا على الصَّفَا والمَرْوَةِ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لِما ذَكَرنا.
1272 - مسألة: (ثم يُصَلِّى رَكْعَتَيْن، والأفْضَلُ أن تكونَ خلفَ المَقامِ، يَقْرَأُ فيهما: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. [و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. بعدَ الفاتحةِ)
يُسْتَحَبُّ لمَن قَضَى الطَّوافَ أن يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْن خلفَ المَقامِ؛ لقولِه تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1). ويُسَنُّ أن يقرأَ فيهما {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ] (2) في الأُولَى، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . في الثانية، فإنَّ جابِرًا، رَضِىَ الله عنه، روَى في صِفَةِ حَجِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: حتى أتَيْنَا البَيْتَ معه، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلاثًا،
(1) سورة البقرة 125.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومَشَى أرْبَعًا، ثم تَقَدَّمَ إلى مَقامِ إبراهيمَ، فَقَرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . فجَعَلَ المَقامَ بَيْنَه وبينَ البَيْتِ. قال محمدُ بنُ علىٍّ (1): ولا أعْلَمُهُ إلَّا ذَكَرَه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: كان يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْن: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (2). وحيثُ رَكَعَهُما ومهما قَرَأ فيهما، جازَ؛ فإنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، رَكَعَهما بذِى طُوًى. ورُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال لأُمِّ سَلَمَةَ:«إذَا أُقِيمتْ صَلَاةُ الصُّبْحَ فَطُوفِى عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ» (3) فَفَعَلَتْ ذلك، فلم تُصَلِّ حتىِ خَرَجَت. ولا بَأْسَ أن يُصَلِّيَهُما إلى غيرِ سُتْرَةٍ، وَيمُرَّ بينَ يَدَيْه الطَّائِفُون مِن الرِّجالِ والنِّسَاءِ؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهُما والطُّوّافُ بينَ يَدَيْه، ليس بينهما شئٌ (4). وكان ابنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّى والطُّوَّافُ بينَ يَدَيْه، فتَمُرُّ المرأةُ بينَ يَدَيْه، يَنْتَظِرُها حتى تَرْفَعَ رِجْلَها، ثم يَسْجُدُ (5). وكذلك سائِرُ الصَّلَواتِ بمَكَّةَ، لا يُعْتَبَرُ لها سُتْرَةٌ، وقد ذَكَرْنا ذلك (6).
فصل: والرَّكْعَتان فيه سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غيرُ واجِبَةٍ. وبه قال مالكٌ.
(1) راوى الحديث عن جابر.
(2)
تقدم تخرج حديث جابر في 8/ 363.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب من صلى ركعتى الطواف خارجًا. . . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 189.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/ 35.
(5)
أخرجه عبد الرزاق في الموضع السابق.
(6)
انظر ما تقدم في 3/ 645.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وللشافعيِّ قَوْلان؛ أحدُهما، أنَّهما واجِبَتان؛ لأنَّهما تابِعَتان للطَّوافِ، فكانا واجِبَتَيْن، كالسَّعْىِ. ولَنا، قولُه عليه السلام للأعْرابىِّ، حينَ سَأَلَه عن الفَرائِضِ، فذَكَرَ الصَّلَواتِ الخَمْسَ، فقال: هل علىَّ غَيْرُها؟ قال: «لَا، إِلَّا أنْ تَطَوَّعَ» (1). ولأنَّها صلاةٌ لم يُشْرَعْ لها جَماعةٌ، فلم تَكُنْ واجِبَةً، كسائِرِ النَّوافِلِ. وأمّا السَّعْىُ، فلم يَجِبْ، لكَوْنِه تابِعًا، ولا هو مَشْرُوعٌ مع كلِّ طَوافٍ، بخِلافِ الرَّكْعَتَيْن، فإنَّهما يُشْرَعان عَقِيبَ كُلِّ طَوافٍ.
فصل: فإن صَلَّى المَكْتُوبَةَ بعدَ طَوافِه، أجْزَأتْه عن رَكْعَتَىِ الطَّوافِ. رُوِىَ نَحْوُه عن ابنِ عباسٍ، وعَطاءٍ، وجابِرِ بنِ زَيْدٍ، والحسنِ، وسعيدِ ابنِ جُبَيْرٍ، وإسحاقَ. وعنه، أنَّه يُصَلِّى رَكْعَتَىِ الطَّوافِ بعدَ المَكْتُوبَةِ. قال أبو بكرٍ عبدُ العزيزِ: هو أقْيسُ. وبه قال الزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، وأصحابُ الرَّأىِ؛ لأنَّه سُنَّةٌ، فلم تُجْزِئْ عنها المَكْتُوبَةُ، كرَكْعَتَىِ الفَجْرِ. ولَنا، أنَّهما رَكْعَتان شُرِعَتَا للنُّسُكِ، فأجْزَأتْ عنهما المَكْتُوبَةُ، كرَكْعَتَىِ الإحْرامَ.
(1) تقدم تخريجه في 4/ 108.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا بَأْسَ أن يَجْمَعَ بينَ الأسَابِيع (1)، فإذا فَرَغ منها رَكَع لكلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْن. فَعَلَتْه عائشةُ، والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ (2). وبه قال عَطاءٌ، وطاوُسٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ. وكَرِهَه ابنُ عُمَرَ، والحسنُ، والزُّهْرِيُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَلْه، ولأنَّ تَأْخِيرَ الرَّكْعَتَيْن عن طَوافِهما يُخِلُّ بالمُوالَاةِ بينَهما. ولَنا، أنَّ الطَّوافَ يَجْرِى مَجْرَى الصلاةِ، يَجُوزُ جَمْعُها ويُؤَخِّرُ ما بينَها، فيُصَلِّيها بعدَها، كذلك ههُنا. وكَوْنُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَلْه لا يُوجبُ كراهَتَه؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَطُفْ أُسْبُوعَيْن ولا ثلاثةً، وذلك غيرُ مكْرُوهٍ بالاتِّفاقِ، والمُوالَاةُ غيرُ مُعْتَبَرَةٍ بينَ الطَّوافِ والرَّكْعَتَيْن، بدَلِيلِ أنَّ عُمَرَ صَلَّاهما بذِى طُوًى، وأخَّرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَكْعَتَىِ الطَّوافِ حينَ طافَتْ راكِبَةً بأمْرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وإن رَكَع لكلِّ أُسْبُوع عَقِيبَه، كان أوْلَى، وفيه اقْتِداءٌ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخُرُوجٌ مِن الخِلافِ.
فصل: والمُشْتَرَطُ لصِحَّةِ الطَّوافِ تِسْعَةُ أشْياءَ؛ الطَّهارَةُ مِن الحَدَثِ والنَّجاسَةِ، وسَتْرُ العَوْرَةِ، والنِّيَّةُ، والطَّوافُ بجَمِيعِ البَيْتِ، وأن يُكْمِلَ سَبْعَةَ أشْواطٍ، ومُحاذَاةُ الحَجَرِ بجَمِيعِ بَدَنِه، والتَّرْتِيبُ، وهو أن يَطُوفَ على يَمِينِه، والمُوالَاةُ. وسُنَنُه اسْتِلامُ الرُّكْنِ وتَقْبِيلُه أو ما قامَ
(1) أى الطواف سبعًا سبعًا.
(2)
المسور بن مخرمة بن نوفل الزهرى، صحابى جليل ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، فقُدم به المدينة في عقب ذى الحجة منة ثمان، ومات سنة أربع وستين. تهذيب التهذيب 10/ 151.