الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَهُ، وَيَحْلِقُ أوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعَرِهِ. وَعَنْهُ، يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ، كَالْمَسْحِ.
ــ
يُسْألُ يومَ النَّحْرِ بِمنًى، قال رَجُلٌ: رَمَيْتُ بعدَ ما أمْسَيْتُ؟ قال: «لَا حَرَجَ» . رَواه البخارىُّ (1). فإنْ أخَّرَها إلى اللَّيْلِ، لم يَرْمِها حتى تَزُولَ الشمسُ مِن الغَدِ. وبه قال أبو حنيفةَ، وإسحاقُ. وقال الشافعىُّ، ومحمدٌ، وأبو يُوسُفَ، وابنُ المُنْذِرِ: يَرْمِى لَيْلًا؛ لقَوْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «ارْم وَلَا حَرَجَ» . ولَنا، أنَّ ابنَ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، قال: مَن فاتَه الرَّمْىُ حتى تَغِيبَ الشمسُ، فلا يَرْمِ حتى تَزُولَ الشمسُ مِن الغَدِ. وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«ارْمِ وَلَا حَرَجَ» . إنَّما كان في النَّهارِ؛ لأنَّه سَأَلَه في يَوْمِ النَّحْرِ، ولا يَكُونُ اليَوْمُ إلَّا قبلَ مَغِيبِ الشمسِ. وقال مالكٌ: يَرْمِى لَيْلًا، وعليه دَمٌ. ومَرَّةً قال: لَا دَمَ عليه. وإذا رَمَى انْصَرَفَ ولم يَقِفْ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَقِفْ عندَها.
1303 - مسألة: (ثم يَنْحَرُ هَدْيًا، إن كان معه، ويَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ مِن جَمِيعِ شَعرِه. وعنه، يُجْزِئُه بعضُه، كالمَسْحِ)
إذا فَرَغ مِن رَمْى
(1) في: باب الذبح قبل الحلق، وباب إذا رمى بعدما أمسى. . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 212، 214، 215.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الحلق والتقصير، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 458. والنسائى، في: باب الرمى بعد المساء، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 221. وابن ماجه، في: باب من قدم نسكًا قبل نسك، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1013.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجَمْرَةِ يومَ النَّحْرِ لم يَقِفْ وانْصَرَفَ، فأوَّلُ شئٍ يَبْدَأُ به نَحْرُ الهَدْىِ، إن كان معه هَدْىٌ، واجِبًا كانَ أو تَطَوُّعًا. فإن لم يَكُنْ معه هَدْىٌ، وعليه هَدْىٌ واجِبٌ، اشْتَراه. وإن لم يَكُنْ عليه واجِب، فأحَبَّ أن يُضَحِّىَ، اشْتَرَى ما يُضَحِّى به. ويَنْحَرُ الإِبِلَ ويَذْبَحُ ما سواها. والمُسْتَحَبُّ أن يَتَوَلَّى ذلك بيَدِه، ويَجُوزُ أن يَسْتَنِيبَ فيه. هذا قولُ مالكٍ، وأبى ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْى. وذلك لِما روَى جابِرٌ في صِفَةِ حَجِّ النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه رَمَى مِن بَطنِ الوَادِى، ثم انْصَرَفَ إلى المَنْحَرِ، فنَحَرَ ثَلاثًا وستينَ بَدَنَةً بيَدِه، ثم أعْطَى عَلِيًّا، فنَحَرَ ما غَبَر منها، وأشْرَكَه في هَدْيِه (1). ويُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُ الذَّبيحَةِ إلى القِبْلَةِ، ويقولُ: بسمِ اللَّه واللَّهُ أكبرُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: ثَبَت أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذَبَحَ يقولُ: «بِسْمِ اللَّه واللَّهُ أكْبَرُ» (2).
فصل: وإذا نَحَر الهَدْىَ فَرَّقَه على مَسَاكِينِ الحَرَمِ، وهم مَن كان في الحَرَم. وإن أطْلَقَها لهم، جازَ، كما روَى أنس، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَحَر خَمْسَ بَدَنَاتٍ، ثم قال:«مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . رَواه
(1) تقدم تخريجه في 8/ 363.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب استحباب الضحية. . .، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1557. وأبو داود في: باب ما يستحب من الضحايا، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 86. والترمذى، في: باب حدثنا الحسن بن على الخلال. . .، من أيواب الأضاحى. عارضة الأحوذى 6/ 318. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 375.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو داودَ (1). وإن قَسَمَها فهو أحْسَنُ وأفْضَلُ؛ لأنَّه بقَسْمِها يَتَيَقَّنُ إيصالَها إلى مُسْتَحِقِّها، ويَكْفِى المَساكِينَ تَعَبَ النَّهْبِ والزِّحامِ. ويَقْسِمُ جُلُودَها وجِلالَها (2)؛ لِما روَى علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: أمَرَنِى النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن أقُومَ على بُدْنِه، وأن أقْسِمَ بُدْنَه كُلَّها؛ جُلُودَها، وجِلالَها، وأن لا نُعْطِىَ الجازِرَ منها شَيْئًا، وقال:«نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» (3). وإنَّما لَزِمَه قَسْمُ جِلالِها؛ للخَبَرِ، ولأنَّه سَاقَها للَّهِ على تلك الصِّفةِ، فلا يَأْخُذُ شَيْئًا مِمّا جَعَلَه للَّهِ تعالَى. وقال بعضُ أصحابِنا: لا يَلْزمُه إعْطاءُ جِلالِها؛ لأنَّه إنَّما أهْدَى الحَيَوانَ دُونَ ما عليه. والسُّنَّةُ النَّحْرُ بِمنًى؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَحَر بها. وحيثُ نَحَر مِن الحَرَمِ أجْزَأَه؛ لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَطَرِيقٌ» . رَواه أبو داودَ (4).
فصل: يَلْزَمُه الحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ مِن جَمِيع شَعَرِه، وكذلك المَرْأَةُ.
(1) في: باب في الهدى. . .، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 409، وروايته فيه عن عبد اللَّه بن قرط، وليس عن أنس. وانظر: تحفة الأشراف 6/ 405.
وأخرج الحديث أيضًا عن عبد اللَّه بن قرط، النسائى في السنن الكبرى. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 350.
(2)
الجل للدابة، كثوب الإنسان، يلبسه يقيه البرد.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب لا يعطى الجزار. . .، وباب يتصدق بجلود الهدى، وباب يتصدق بجلال الهدى، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 210، 211. ومسلم، في: باب في الصدقة بلحوم الهدايا، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 954. وأبو داود، في: باب كيف تنحر البدن، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 409، 410. وابن ماجه، في: باب من جلل البدنة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1035. والدارمى، في: باب كيف تنحر البدن، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 74.
(4)
تقدم تخريجه في 8/ 194.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبه قال مالكٌ. وعنه، يُجْزِئُه بَعْضُه، كالمَسْحِ. كذلك قال ابنُ حامِدٍ. وقال الشافعىُّ: يُجْزِئُه التَّقْصِيرُ مِن ثَلاثِ شَعَراتٍ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: يُجْزِئُه ما يَقَعُ عليه اسمُ التَّقْصِيرِ؛ لتَنَاوُلِ اللَّفْظِ له. ولَنا، قولُه تعالَى:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (1). وهذا عامٌّ في جَمِيعِه، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم حَلَق جَمِيعَ رَأْسِه، تَفْسِيرًا لمُطْلَقِ الأمْرِ به، فيَجِبُ الرُّجُوعُ إليه. فإن كان الشَّعَرُ مَضْفُورًا قَصَّرَ مِن رُءُوس ضَفائِرِه. كذلك قال مالكٌ: تُقَصِّرُ المَرْأَةُ مِن جَمِيع قُرونِها. ولا يَجبُ التَّقْصِيرُ مِن كلِّ شَعَرِه؛ لأنَّ ذلك لا يُعْلَمُ إلَّا بحَلْقِه. وأَىُّ قَدْرٍ قَصَّرَ منه أجْزَأَ؛ لأنَّ الأمْرَ مُطْلق، فيَتَناوَلُ أقَلَّ ما يَقَعُ عليه الاسْمُ. قال أحمدُ: يُقَصر قَدْرَ الأُنْمُلَةِ. وهو قولُ ابنِ عُمَرَ، والشافعىِّ. وهو مَحْمُولٌ على الاسْتِحْباب. وبأىِّ شئٍ قَصَّرَ الشَّعَرَ أجْزَأَه. وكذلك إن نَتَفَه، أو أزالَه بنُورَةٍ؛ لأنَّ القَصْدَ إزالَتُه، ولَكِنَّ السُّنَّةَ الحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم حَلَق رَأْسَه، فروَى أنَسٌ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يومَ النَّحْر، ثم رَجَع إلى مَنْزله بمِنًى،
(1) سورة الفتح 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فدَعَا بذِبْحٍ، فذَبَحَ، ثم دَعَا بالحَلَّاقِ، فأخَذَ شِقَّ رَأسِه الأَيْمَنَ، فحَلَقَه، فجَعَل يَقْسِمُ بينَ مَن يلِيهِ الشَّعَرَةَ والشَّعَرَتَيْن، ثم أخَذَ (1) شِقَّ رَأْسِه الأيْسَرَ، فحَلَقَه، ثم قال:«هَهُنا أَبُو طَلْحَةَ؟» . فدَفَعَه إلى أبى طَلْحَةَ. رَواه أبو داودَ (2). والسُّنَّةُ أن يَبْدأ بشِقِّ رَأْسِه الأيْمَنِ، ثم الأيْسَرِ؛ لهذا الخَبَرِ، فإن لم يَفْعَلْ أجْزَأَه، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ؛ لأنَّ خيرَ المَجالِسِ ما اسْتُقْبِلَ به القِبْلَةُ. ويُكَبِّرُ وَقْتَ الحَلْقِ؛ لأنَّه نُسُكٌ، ويكونُ ذلك بعدَ النَّحْرِ.
فصل: وهو مُخَيَّرٌ بينَ الحَلْقِ والتَّقْصِير، في قولِ الجُمْهُورِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ. يَعْنِى في حَقِّ مَن لم يُوجَدْ منه مَعْنًى يَقْتَضِى وُجُوبَ الحَلْقِ عليه، إلَّا أنَّه يُرْوَى عن الحَسَنِ، أنَّه كان يُوجِبُ الحَلْقَ في الحَجَّةِ الأُولَى. ولا يَصِحُّ هذا؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالَى قال:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} . ولم يُفَرِّقْ. والنبىُّ صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ اللَّه المُحَلِّقِينَ وَالمُقَصِّرِينَ» . وقد كان معه مَن قَصَّرَ فَلم
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 182.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُنْكِرْ عليه. والحَلْقُ أفْضَلُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه، وقال:«رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ» . قالُوا: يا رسولَ اللَّه، والمُقَصِّرِينَ؛ قال:«رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ» . قالُوا: والمُقَصِّرِينَ يا رسولَ اللَّه؟ قال: «رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ وَالمُقَصِّرِينَ» . رَواه مسلم (1). فأمَّا مَن لَبَّدَ، أو عَقَص، أو ضَفَر، فقال أحمدُ: مَن فَعَل ذلك فلْيَحْلِقْ. وهو قولُ النَّخَعِىِّ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ. وكان ابنُ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، يقولُ: مَن لَبَّدَ، أو قَصَّرَ، أو عَقَدَ، أو فَتَلَ، أو عَقَصَ، فهو على ما نَوَى، إن نَوَى الحَلْقَ فلْيَحْلِقْ، وإلَّا فلا يَلْزَمُه. وقال أصحابُ الرَّأْى: هو مُخَيَّرٌ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ ما ذَكَرْنَاه يَقْتَضِى التَّخْيِيرَ على العُمُوم، ولم يَثْبُتْ في خِلافِ ذلك دَلِيلٌ. ووَجْهُ القولَ الأوَّلَ، ما رُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«مَنْ لَبَّدَ فَلْيَحْلِقْ» (2). وثَبَت عن عُمَرَ، وابنهِ، أنَّهُما أمَرا مَن لَبَّدَ رَأْسَه أن
(1) في: باب تفضيل الحلق على التقصير. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 945، 946.
كما أخرجه البخارى، في: باب الحلق والتقصير. . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 213. وأبو داود، في: باب الحلق والتقصير، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 457. وابن ماجه، في: باب الحلق، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1012. والدارمى، في: باب فضل الحلق. . .، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 64. والإمام مالك، في: باب الحلاق، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 395. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 353، 2/ 16، 79، 119، 138، 141، 5/ 381، 6/ 402.
(2)
أخرجه البيهقى، في: باب من لبد أو ضفر. . .، من كتاب. الحج. السنن الكبرى 5/ 135.