الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَطُوفُ سَبْعًا، يَرْمُلُ في الثَّلَاثَةِ الأُوَلِ مِنْهَا، وَهُوَ إِسْرَاعُ الْمَشْى مَعَ تَقَارُبِ الخُطَى، وَلَا يَثِبُ وَثْبًا، وَيَمْشِى أرْبَعًا.
ــ
النّاسُ مِن وَراءِ الحِجْرِ إلَّا لذلك (1). وروَى ابنُ عباسٍ (2)، أنَّ مُعاوِيَةَ طافَ، فجَعَلَ يَسْتَلِمُ الأرْكانَ كُلَّها، فقال له ابنُ عباسٍ: لِمَ تَسْتَلِمُ هذَيْن الرُّكْنَيْن، ولم يَكُنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهما؟ فقال مُعاوِيَةُ: ليس شئٌ مِن هذا البَيْتِ مَهْجُورًا. فقال ابنُ عباسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3). فقال مُعاوِيَةُ: صَدَقْتَ. ولأنَّهُما لم يَتِمَّا على قَواعِدِ إبراهيمَ، عليه السلام، فلم يُسْنُّ اسْتِلامُهما، كالحائِطِ الذى يَلى الحِجْرَ.
1262 - مسألة: (ويَطُوفُ سَبْعًا، يَرْمُلُ في الثَّلاثَةِ الأْوَلِ منها؛ وهو إسْرَاعُ المَشْىِ مع تَقارُب الخُطىَ، ولا يَثِبُ وَثْبًا، ويَمْشِى أرْبَعًا)
(1) أخرجه البخارى، في: باب فضل مكة وبنيانها. . .، وباب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، - من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 179، 186.
وأخرجه مسلم مقتصرًا على أوله، في: باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 924.
(2)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في استلام الحجر والركن اليمانى دون ما سواها، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 91. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 217، 246، 332، 372.
(3)
سورة الأحزاب 21.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَجِبُ الطَّوافُ سَبْعًا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم طافَ سَبْعًا. ويَرْمُلُ في الثَّلاثَةِ الأُوَلِ منها مِن الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، ومَعْنَى الرَّمَلِ: إسْراعُ المَشْىِ مع مُقارَبَةِ الخَطْوِ مِن غيرِ وَثْبٍ. وهو سُنَّةٌ في الأشْواطِ الثَّلاثَةِ مِن طَوافِ القُدُومِ، وطَوافِ العُمْرَةِ للمُتَمَتِّعِ. لا نَعْلَمُ بينَ أهْلِ العِلْمِ فيه خِلافًا. ويَمْشِى أرْبَعَةَ أشْواطٍ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَمَل ثَلاثَةَ أشْواطٍ، ومَشَى أرْبَعًا. رَوِاه جابِرٌ، وابنُ عباسٍ، وابنُ عُمَرَ، رَضِىَ الله عنهم. وأحادِيثُهم مُتَّفقٌ عليها (1). فإن قِيلَ: إنَّما رَمَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه لإِظْهارِ الجَلَدِ
(1) تقدم تخرج حديث جابر الطويل في 8/ 363.
وأخرج حديثه في الرمل النسائى، في: باب الرمل من الحجر إلى الحجر، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 183. وابن ماجه، في: باب الرمل حول البيت، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 983. والدارمى، في: باب من رمل ثلاثًا. . . .، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 42. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 340.
وأخرج حديث ابن عباس وابن عمر، البخارى، في: باب كيف كان بدء الرمل، وباب الرمل في الحج والعمرة، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 184، 185 ومسلم، في: باب استحباب الرمل في الطواف. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 920 - 923.
كما أخرج حديثهما ابن ماجه، في: باب. الرمل حول البيت، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 983، 984. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 295، 306، 314، 2/ 13، 14.
وأخرج حديث ابن عباس، أبو داود، في: باب في الرمل، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 436. وأخرج حديث ابن عمر النسائى، في: باب الرمل في الحج والعمرة، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 183. والدارمى، في: باب من رمل ثلاثا. . . .، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 42، 43.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للمُشْرِكِين، ولم يَبْقَ ذلك المَعْنَى، إذْ قد نَفَى اللهُ المُشْرِكِين، فَلِمَ قُلْتُم: إنَّ الحُكْمَ يَيْقَى بعدَ زَوالِ عِلَّتِه؟ قُلْنا: قد رَمَلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أصْحابُه واضْطَبَعَ في حَجَّةِ الوَداعِ بعد الفَتْحِ، فثَبَتَ أنَّها سُنَّةٌ ثابِتَةٌ. وقال ابنُ عباس: رَمَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عُمَرِه كُلِّها، وفى حَجِّه، وأبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعثمانُ، والخُلَفاءُ مِن بعدِه. رَواه الإِمامُ أحمدُ في «المُسْنَدِ» (1). وقد ذَكَرْنا حَدِيثَ عمرَ. إذا ثَبَت أنَّ الرَّمَلَ سُنَّةٌ في الأشْواطِ الثَّلاثَةِ، فإنَّه يرمُلُ مِن الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، لا يَمْشِى في شئٍ منها. رُوِىَ ذلك عن عُمَرَ، واييه، وابنِ مسعودٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وهو قولُ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وقال طاوُسٌ، وعطاءٌ، والحسنُ، وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والقاسِمُ، وسالِمُ بنُ عبدِ اللهِ: يَمْشِى ما بينَ الرُّكْنَيْن؛ لِما روَى ابنُ عباسٍ، قال: قَدِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه مَكَّةَ، وقد وَهَنَتْهم الحُمَّى، فقال المُشْرِكُون: إنَّه يَقْدَمُ عليكم قَوْمٌ قد وَهَنَتْهم حُمَّى يَثْرِبَ، ولَقَوْا منها شَرًّا. فأطْلَعَ الله نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم على ما قَالُوا، فلَمّا قَدِمُوا قَعَد المُشْرِكُونَ مِمّا يَلِى الحِجْرَ، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه أن يَرْمُلُوا الأشْواطَ الثَّلاثَةَ، ويَمْشُوا ما بينَ الرُّكْنَيْن؛ ليَرَى المُشْرِكُونَ جَلَدَهم، فلَمّا رَأوْهم رَمَلُوا، قال المُشْرِكُونَ: هؤلاء الذين زَعَمْتُم أنَّ الحُمَّى قد وَهَنَتْهم! هؤلاء أجْلَدُ منَّا. قال ابنُ عباسٍ: ولم يَمْنَعْه أن يَأْمُرَهم
(1) المسند 1/ 225.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن يَرْمُلُوا الأشْواطَ كُلَّها إلَّا الإِبقاءُ عليهم. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولَنا، ما روَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَمَل مِن الحَجَرِ إلى الحَجَرِ (2). ومن رِوايَةِ مسلمٍ (3) عن جابِرٍ، قال: رَأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَل مِن الحَجَرِ حتى انْتَهَى إليه. وهذا يُقَدَّمُ على حديثِ ابنِ عباسٍ؛ لوُجُوهٍ، منها: أنَّ هذا إثْباتٌ، ومنها: أنَّ رِوايَةَ ابنِ عباسٍ إخْبارٌ عن عُمْرَةِ القضيَّةِ، وهذا إخْبارٌ عن فِعْلِه في حَجَّةِ الوَداعِ، فيكونُ مُتَأخِّرًا، فيَجِبُ تَقْدِيمُه، ومنها: أنَّ ابنَ عباسٍ كان صَغِيرًا في تلك الحالِ، وجابرٌ وابنُ عُمَرَ كانا رَجُلَيْن يَتَّبعان أفْعالَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويَحْرِصَان على حِفْظِها، فهما أعْلَمُ. ويَحْتَمِلُ أَن يكونَ ما قالَه ابنُ عباسٍ اخْتَصَّ بالذِينَ كانُوا في عُمْرَةِ القَضيَّةِ لضَعْفِهم والإِبقاءِ عليهم، وما رُوِّيناه سُنَّةٌ في سائِرِ النّاسِ.
(1) أخرجه البخارى، في: باب كيف كان بدء الرمل، من كتاب الحج، وفى: باب عمرة القضاء. . . .، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 2/ 184، 5/ 181. ومسلم، في: باب استحباب الرمل في الطواف. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 921، 922.
كما أخرجه أبو داود، في؛ باب في الرمل، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 436. والنسائى، في: باب العلة التى من أجلها سعى النبى صلى الله عليه وسلم بالبيت، من كتاب المناسلث. المجتبى 5/ 183. والإمام أحمد، في:
المسند 1/ 290، 294، 295.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب استحباب الرمل. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 921. وأبو داود، في: باب في الرمل، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 436. وابن ماجه، في: باب الرمل حول البيت، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 983. والإمام مالك، في: باب الرمل في الطواف، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 365. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 40، 59، 71، 100، 114، 123، 155، 157.
(3)
في: باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 921.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُسَنُّ الرَّمَلُ في غيرِ الأشْواطِ الثَّلاثَةِ الأُوَلِ مِن طَوافِ القُدُومِ، [أوْ طَوافِ](1) العُمْرَةِ، فإن تَرَك الرَّمَلَ والاضْطِباعَ فيها لم يَقْضِه في الأرْبَعَةِ الباقِيَةِ؛ لأنَّها هَيْئَةٌ فاتَ موضِعُها، فسَقَطَتْ، كالجَهْرِ في الرَّكْعَتَيْن الأوَّلَتَيْن، ولأنَّ المَشْىَ هَيْئَةٌ في الأرْبَعَةِ، كما أنَّ الرَّمَلَ هَيْئَةٌ في الثَّلاثَةِ، فإذا رَمَل في الأرْبَعَةِ الأخِيرَةِ كان تارِكًا للهَيْئَةِ في جَمِيع طَوافِه، كمَن تَرَكَ الجَهْرَ في الأوَّلَتَيْن مِن العِشاءِ، وجَهَر في الآخِرَتَيْنِ. فإن تَرَكَ الرَّمَلَ في شَوْطٍ مِن الثَّلاثَةِ الأُوَلِ أتَى به في الاثْنَيْن الباقِيَيْن، وإن تَرَكَه في اثْنَيْن أتَى به في الثالِثِ. كذلك قال الشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّ تَرْكَه للهَيْئَةِ في بعضِ مَحلِّها لا يُسْقِطها في بَقِيَّةِ مَحلِّها، كتاركِ الجَهْرِ في إحْدَى الرَّكْعَتَيْن الأوَّلَتَيْن، لا يُسْقِطه في الثانِيَةِ.
فصل: وإن نَسِىَ الرَّمَلَ، فليس عليه إعادَةٌ؛ لأنَّ الرَّمَلَ هَيْئَةٌ، فلم تَجِبِ الإعادَةُ بتَرْكِه، كهَيْئاتِ الصلاةِ، وكالاضْطِباعِ في الطَّوافِ. ولو تَرَكَه عَمْدًا، لم يَلْزَمْه. شئٌ. وبه قال عامَّةُ العُلَماءِ. وحُكِىَ عن الحسنِ،
(1) في م: «وطراف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِيِّ، وابنِ الماجِشُون، أنَّ عليه دَمًا؛ لأنَّه نُسُكٌ. وقد جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ تَرَكَ نُسُكًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ» (1). ولَنا، أنَّها هَيْئَةٌ فلم يَجِبْ بتَرْكِها شئٌ، كالاضْطِباعِ. والحَدِيثُ إنَّما يَصِحُّ عن ابنِ عباسٍ، وقد قال: مَن تَرَك الرَّمَلَ فلا شئَ عليه. ثم قد خُصَّ بالاضْطِباعِ.
فصل: ويُسْتَحَبُّ الدُّنُوُّ مِن البَيْتِ في الطَّوافِ؛ لأنَّه المَقْصُودُ، فإن كان قُرْبَه زِحامٌ، فظَنَّ أنَّه إذا وَقَف لم يُؤْذِ أحَدًا، وتَمَكَّنَ مِن الرَّمَلِ، وَقَف ليَجْمَعَ بينَ الرَّمَلِ والدُّنُوِّ مِن البَيْتِ، وإن لم يَظنَّ ذلك، وظَنَّ أنَّه إذا كان في (2) حاشِيَةِ النّاسِ تَمَكَّنَ مِن الرَّمَلِ، فَعَل، وكان أوْلَى مِن الدُّنُوِّ. وإن كان لا يَتَمَكَّنُ مِن الرَّمَلِ أيضًا، أو يَخْتَلِطُ بالنِّساءِ، فالدُّنُوُّ أوْلَى، ويَطُوفُ كيفما أمْكَنَه، فإذا وَجَد فُرْجَةً رَمَلَ فيها، وإن تَباعَدَ مِن البَيْتِ أجْزَأه، ما لم يَخْرُجْ مِن المَسْجِدِ، سَواءٌ حالَ بينَه وبينَ البَيْتِ حائِلٌ مِن قُبَّةٍ أو غيرِه، أو لم يَحُلْ؛ لأنَّ الحائِلَ لا يَضُرُّ في المَسْجِدِ، كما لو صَلَّى مُؤْتَمًّا بالإمامِ مِن وراءِ حائِلٍ، فقد رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، رَضِىَ اللهُ عنها،
(1) تقدم تخريجه في 8/ 125.
(2)
زيادة من المغنى.