الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
هي أحد أركان الإسلام، ومبانيه المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه. . . "(1) إلخ، من زكا يزكو، إذا نما، أو تطهر (2)، لأنها تطهر مؤديها من الإثم، أي تنزهه عنه، وتنمي أجره، أو تنمي المال، أو الفقراء.
وأجمعوا على فرضيتها (3) واختلفوا هل فرضت بمكة أو بالمدينة. وذكر صاحب "المغني"، و"المحرر"، والشيخ تقي الدين: أنها مدنية (4)، قال في "الفروع" (5): ولعل المراد طلبها، وبعث السعاة لقبضها، فهذا بالمدينة. وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي (6): فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر (7). وفي "تاريخ" ابن جرير الطبري: أنها فرضت في السنة الرابعة من الهجرة (8).
(1) أخرجه البخاري، في الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس (1/ 8)، ومسلم، في الإيمان، (1/ 45) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
"المصباح المنير"(1/ 346)، "طلبة الطلبة"(ص 91).
(3)
"الإجماع" لابن المنذر (ص 51) و"موسوعة الإجماع"(1/ 465).
(4)
ذكر ذلك في "الفروع"(2/ 316).
(5)
المصدر السابق (2/ 316).
(6)
هو: أبو محمد، عبد المؤمن بن خلف الدمياطي. ولد أواخر سنة (613 هـ) حافظ للحديث، من أكابر الشافعية. ألف "السيرة النبوية" و"كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى" و"قبائل الخزرج" و"فضل الخيل" توفي سنة (755 هـ).
"معجم شيوخ الذهبي"(1/ 424، 425)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 286، 288).
(7)
نقله عنه في "معونة أولي النهى" 2/ 550، وينظر "البداية والنهاية" 5/ 312. ط دار هجر.
(8)
في "تاريخ ابن جرير"(2/ 418): في السنة الثانية من الهجرة: (وفيها أمر الناس بإخراج =
والزكاة حق واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (1). وهي (تجب في خمسة أشياء): في سائمة (2)(بهيمة الأنعام) الإبل والبقر، والغنم، وفي سائمة بقر الوحش، وغنمه، لشمول اسم البقر والغنم لهما، والمتولد بينهما، كالمتولد بين الظباء والغنم، وبين السائمة والمعلوفة، تغليبًا للوجوب (و) في (نقد و) في (عرض تجارة و) في (خارج من الأرض و) في (ثمار).
ولها شروط خمسة ليس منها بلوغ، ولا عقل. فتجب في مال صغير ومجنون، لعموم حديث: "أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم،
= زكاة الفطر) اهـ
وما نقله المؤلف عن تاريخ ابن جرير، نقله قبله: في "معونة أولي النهى"(2/ 551).
وقد حرر الخلاف في ذلك الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "فقه الزكاة"(1/ 60، 61) في مبحث مطول، قال فيه: إن الزكاة التي ذكرت في القرآن المكي، لم تكن هي بعينها الزكاة التي شرعت بالمدينة، وحددت نصبها ومقاديرها، وأرسل السعاة لجبايتها وصرفها، وأصبحت الدولة مسؤولة عن تنظيمها.
الزكاة في مكة كانت زكاة مطلقة من القيود والحدود، كانت موكولة إلى إيمان الأفراد.
ثم نقل الدكتور كلام الحافظ ابن كثير -في "تفسيره"(5/ 462) - على قوله تعالى في سورة المؤمنون: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} : الأكثر على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة.
والظاهر: أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام -وهي مكية- {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} .
وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا: زكاة النفس من الشرك والدنس. . وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا. . واللَّه أعلم. اهـ
(1)
"الفروع"(2/ 316) و"معونة أولي النهى"(2/ 551).
(2)
السائمة من الماشية: التي رَعَتْ بنفسها. "المصباح المنير"(1/ 404) و"طلبة الطلبة"(ص 91).
فترد على فقرائهم" (1). رواه الجماعة. وروى الشافعي في "مسنده" عن يوسف بن ماهك، مرفوعًا: "ابتغوا في أموال اليتامى لا تذهبها، أو لا تستهلكها الصدقة" (2). وكونه مرسلًا (3) غير ضار، لأنه حجة عندنا، وهو قول جماعة من الصحابة (4) منهم عمر، وابنه، وعلي، وابنه الحسن، وجابر بن عبد اللَّه، وعائشة. ورواه الأثرم عن ابن عباس.
ولأن الزكاة مواساة، وهما من أهلها كالمرأة بخلاف الجزية والعقل. ولا تجب في المال المنسوب للجنين.
فذكر الأول منها، بقوله (بشرط إسلام) فلا تجب على كافر، لحديث
(1) البخاري في الزكاة وغيره (2/ 108)، ومسلم في الإيمان (1/ 50)، وأبو داود، في الزكاة، باب في زكاة السائمة (2/ 242)، والنسائي، في أول الزكاة، باب وجوب الزكاة (5/ 2، 3)، وابن ماجه، في أول كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة (1/ 568)، من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما.
(2)
ترتيب مسند الشافعي للسندي (1/ 224) حديث 615، وهذا مرسل، يوسف بن ماهك ثقة تابعي، اختلف في وفاته، فقيل: مات سنة 106 هـ وقيل غير ذلك، ينظر:"تهذيب الكمال"(32/ 451). وله شاهد مرفوع، أخرجه الترمذي، في الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم (3/ 32)، والدارقطني (2/ 110)، والبيهقي (4/ 107) عن عبد اللَّه بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس، وقال: ألا من ولي يتيمًا له، فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة. لكن إسناده ضعيف. قال الترمذي: وفي إسناده مقال، لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث اهـ وشاهد موقوف عن عمر، أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 150) والدارقطني (2/ 110) والبيهقي (4/ 107) قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة. وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر-رضي الله عنه.
ينظر: "التلخيص الحبير"(2/ 167، 168) و"إرواء الغليل"(3/ 258).
(3)
المرسل: هو قول التابعي: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا، وفعل كذا. "نزهة النظر" لابن حجر (ص 41) و"قصب السكر - مع شرحها" للصنعاني (ص 62).
(4)
أخرج هذه الآثار أبو عبيد في "الأموال"(405، 406)، والبيهقي في "السنن الكبرى" كتاب الزكاة، باب من تجب عليه الصدقة (4/ 107، 108).
معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: "إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، فإن هم أطاعوك بذلك، فأعلمهم أن اللَّه قد افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم"(1)، متفق عليه.
ولأنها أحد أركان الإسلام، فلم تجب على كافر، كالصيام، ولو كان الكافر مرتدًّا، لأنه كافر، فأشبه الأصلي. فإذا أسلم لم تؤخذ منه لزمن ردته، لعموم قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الإسلام يجب ما قبله"(3).
(و) بشرط (حرية)، فلا تجب الزكاة على قِنٍّ، ولو قيل يملك بالتمليك، ولو كان مكاتبًا، لحديث جابر بن عبد اللَّه، مرفوعًا:"ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق"(4). رواه الدارقطني. ولأن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة، ومتى عتق استأنف الحول بما بقي له، إن بلغ نصابًا.
ولا يملك رقيق غيره، ولو ملك من سيده أو غيره، لأنه مال، فلا يملك المال، كالبهائم، فما جرى فيه صورة تمليك من سيد لعبده، فزكاته
(1) تقدم تخريجه (ص 397).
(2)
سورة الأنفال، الآية:38.
(3)
أخرجه أحمد (4/ 199، 204، 205) من حديث عمرو بن العاص، وأخرجه مسلم، في كتاب الإيمان (1/ 112) بلفظ:"أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله".
(4)
الدارقطني، كتاب الزكاة، باب ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق (2/ 108) وفي سنده عبد اللَّه بن بزيع. قال الذهبي في الميزان:(2/ 396) قال الدارقطني: لين، ليس بمتروك، وقال ابن عدي: ليس بحجة، ومن مناكيره. . . ثم ذكر هذا الحديث.
وأخرجه البيهقي، الزكاة، باب ليس في مال المكاتب زكاة (4/ 109) معلقًا، وقال: وهو ضعيف، والصحيح موقف. اهـ
وأخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، في المكاتب من قال: ليس عليه زكاة. (3/ 160) والبيهقي (4/ 109) موقوفًا على جابر. ينظر: "إرواء الغليل"(3/ 251).
على السيد، لأنه لم يخرج عن ملكه.
وأشار للثالث بقوله: (و) بشرط (ملك نصاب) وهو سبب وجوب الزكاة -أيضًا- فلا زكاة في مال حتى يبلغ نصابًا تقريبًا، في الأثمان، وقيم عروض تجارة، فتجب مع نقص يسير، كحبة، أو حبتين، لأنه لا ينضبط غالبًا، أشبه نقص الحول ساعة أو ساعتين، وتحديدًا في غيرهما.
(و) بشرط (1)(استقراره) أي ملك النصاب في الجملة، لأن الزكاة في مقابلة تمام النعمة، والملك الناقص ليس بنعمة تامة، فلا زكاة على سيد في دين كتابة، لنقص ملكه فيه، بعدم استقراره بحال، وعدم صحة الحوالة عليه، وضمانه.
ولا زكاة في حصة مضارب من ربح قبل قسمة، ولو ملكت بالظهور، لعدم استقراره، لأنه وقاية لرأس المال، فملكه ناقص، ويزكي رب المال حصته من ربح، نصًّا (2)، كالأصل تبعًا له.
وليس لعامل إخراج زكاة تلزم رب المال، بلا إذنه، نصًّا (3)، فيضمنها، لأنه ليس وليًّا له، ولا وكيلًا عنه فيها.
ولا زكاة في موقوف على غير معين، أو على مسجد، أو مدرسة، أو رباط، ونحوه، لعدم تعين المالك، ولا في نقد موصى به في وجوه بر، أو يشترى به وقف، ولو ربح، لعدم تعين مالكه، والربح كالأصل، لأنه نماؤه، فيصرف مصرفه، ويضمن إن خسر نصًّا (4).
(و) بشرط (سلامة من دَيْن) حال، أو مؤجل (ينقص النصاب) لما روى أبو عبيد، عن السائب بن يزيد، قال: سمعت عثمان بن عفان -رضي
(1) هذا الشرط الرابع، ويعبر عنه -أيضًا- بتمام الملك. ينظر:"كشاف القناع"(2/ 170).
(2)
"الشرح الكبير"(6/ 318).
(3)
"الإنصاف"(6/ 317، 318).
(4)
"الإنصاف"(6/ 316).
اللَّه تعالى- عنه يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دَيْن فليؤده، حتى تخرجوا زكاة أموالكم (1)، وفي لفظ: من كان عليه دين فليقض دينه، وليزك بقية ماله (2). وقد قاله بمحضر من الصحابة، فدل على اتفاقهم عليه، حيث لم ينكروه.
ولأن الزكاة وجبت مواساة للفقراء، وشكرًا لنعمة الغنى، وحاجة المدين لوفاء دينه كحاجة الفقير وأشد، ولو كان الدين كفارة أو نذرًا، أو كان زكاة غنم عن إبل، لأنه دين يجب قضاؤه، فمنع، كدين الآدمي، وفي الحديث:"دين اللَّه أحق أن يُقضى"(3).
والزكاة من جنس ما وجبت فيه تمنع بالأولى، إلا دينًا بسبب ضمان، فلا يمنع، لأنه فرع أصل في لزوم الدين، فاختص المنع بأصله، لترجحه، وإلا دَيْنًا بسبب حصاد، أو جذاذ، أو دياس، لسبق الوجوب، بخلاف الخراج، فإن لم ينقص الدَيْن النصاب، فلا زكاة عليه فيما يقابل الدين مما سبق، ويزكي باقيه، لعدم المانع، ومتى برئ مدين من دين بنحو قضاء من مال مستحدث، أو إبراء، ابتدأ حولًا منذ برئ، لأن ما منع وجوب الزكاة، منع انعقاد الحول وقطعه.
ومن له عرض قِنْية (4) يباع لو أفلس، بأن كان فاضلًا عن حاجته
(1)"الأموال"(ص 395)، وأخرجه -أيضًا- مالك في "الموطأ" باب الزكاة في الدين (1/ 253) ومن طريقه الشافعي "ترتيب مسنده" (1/ 226) وهو صحيح. ينظر:"التلخيص الحبير"(2/ 172، 173)، "إرواء الغليل"(3/ 260).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، الزكاة (3/ 194) ولفظه: فمن كان عليه دين فليقضه، وزكوا بقية أموالكم.
(3)
البخاري، في الصوم، باب من مات وعليه صوم حديث (2/ 240)، ومسلم، في الصيام (1/ 804) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
قَنَوْتُ الغنم وغيرها قِنْوةً وقُنْوةً، وقَنَيتُ أيضًا قِنيةً وقُنية، إذا قنيتها لنفسك لا للتجارة. "الصحاح":(6/ 2467).
الأصلية، يفي بدَيْنه الذي عليه، ومعه مال زكوي، جعل الدين في مقابلة ما معه، ولا يزكيه، لئلا تختل المواساة، ولأن عرض القنية كملبوسه في أنه لا زكاة فيه، فإن كان العرض لتجارةٍ زكى ما معه، نصًّا (1)، وكذا من بيده ألف له، وله على مليء ألف، وعليه ألف دين، فيجعل الدين في مقابلة ما بيده، فلا يزكيه، ويزكي الدين إذا قبضه.
وأشار للشرط الخامس بقوله: (و) بشرط (مضي حول) في أثمان، وماشية، وعروض تجارة، على نصاب تام، لحديث:"لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"(2) رفقًا بالمالك، ولتكامل النماء، فيواسي منه.
ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلا بد لها من ضابط، لئلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن المتقارب فيفنى المال (إلا في معشَّر) من خارج من الأرض وما في حكمه كالعسل، فلا يعتبر فيه حول، لقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (3) وذلك ينفي اعتباره في الثمار والحبوب، وأما العسل والمعدن والركاز فبالقياس عليهما، ولأن هذه الأشياء نماء في
(1)"معونة أولي النهى"(2/ 571).
(2)
ابن ماجه، في الزكاة، باب من استفاد مالًا (1/ 571) عن عائشة مرفوعًا. قال في "الزوائد": إسناده ضعيف، لضعف حارثة بن محمد اهـ.
وقال البيهقي في "السنن"(4/ 95): ورواه الثوري عن حارثة موقوفًا على عائشة. وحارثة لا يحتج بخبره. والاعتماد في ذلك على الآثار الصحيحة فيه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن عمر، وغيرهم رضي الله عنهم اهـ
وأخرجه الترمذي، في الزكاة، باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول (2/ 16) عن ابن عمر مرفوعًا. وقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث. . اهـ ثم رواه عن ابن عمر موقوفًا، وقال: وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. . اهـ وقال البيهقي (4/ 104): هذا هو الصحيح موقوف. اهـ ينظر: "التلخيص الحبير"(2/ 165)
(3)
سورة الأنعام، الآية:141.
نفسها تؤخذ الزكاة منها عند وجودها، ثم لا تجب فيها زكاة ثانية، لعدم إرصادها للنماء، إلا أن يكون المعدن أثمانًا، فتجب فيها عند كل حول، لأنها مظنة النماء من حيث إنها قيم الأموال، (و) إلا في (نتاج سائمة) بكسر النون فيتبع أصله في حوله إن كان نصابًا، لقول عمر: اعتد عليهم بالسخلة، ولا تأخذها منهم (1). رواه مالك، ولقول علي: عد عليهم الصغار والكبار (2). ولا يعرف لهما مخالف.
ولأن السائمة يختلف وقت ولادتها، فإفراد كلٍّ بحول يشق، فجعلت تبعًا لأمهاتها، كما تتبعها في الملك (و) إلا في (ربح تجارة) بالتصرف بالبيع والشراء للربح، وهو الفضل عن رأس المال، فيتبع الأصل في حوله إن كان نصابًا، لأنه في معنى النتاج.
وما عدا المعشرات، والنتاج، والربح من المستفاد، ولو من جنس ما يملكه، لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، ويضم إلى نصاب بيده من جنسه، أو ما في حكمه، وإن لا يكن الأصل نصابًا، فحول الجميع من حين كمل النصاب، فلو ملك خمسًا وعشرين بقرة، فولدت شيئًا فشيئًا، فحولها منذ بلغت ثلاثين، وحول صغار من حين ملك، كحول كبار.
(وإن نقص النصاب) مطلقًا (في بعض الحول ببيع أو غيره) كإبدال ما تجب الزكاة في عينه بغير جنسه (لا فرارًا) من الزكاة (انقطع) حوله -أي النصاب- لأن وجوده في جميع الحول شرط لوجوب الزكاة، ولم يوجد، وكذا كل ما خرج به عن ملكه من إقالة وفسخ، لنحو عيب، ورجوع واهب في هبة، ووقف وهبة، وجعله ثمنًا أو مثمنًا، أو صداقًا، أو أجرة ونحوه، إلا في ذهب بيع أو أبدل بفضة، كعكسه، فلا ينقطع الحول، لأن كلًّا منهما يضم إلى الآخر في تكميل النصاب، ويخرج عنه منه كالجنس الواحد، وإلا في
(1) في الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة (1/ 265).
(2)
قال الحافظ في "التلخيص"(2/ 165): لم أره. اهـ
أموال الصيارف، فلا ينقطع الحول بإبدالها، لئلا يؤدي إلى سقوط الزكاة في مال ينمو، وأصول الشرع تقتضي عكسه.
(وإن أبدله) أي: النصاب (بجنسه فلا) ينقطع الحول، نصًّا (1)، وإن اختلف نوعه، لأنه نصاب يضم إليه نماؤه في الحول، فيبنى حول بدله من جنسه على حوله كالعروض، فلو أبدله بأكثر، زكَّاه، إذا تم حول الأول كنتاج، نصًّا (2)، فمن عنده مائة من الغنم سائمة فأبدلها بمائتين زكاهما، وبالعكس يزكي مائة من الغنم، وبأنقص من نصاب انقطع الحول.
وإن فر من الزكاة لم تسقط بإخراج النصاب أو بعضه عن ملكه، ولا بإتلافه، أو جزء منه، عقوبة له بنقيض قصده، كوارث قتل مورثه، ومريض طلق لقصد حرمان الميراث. وقد عاقب تعالى الفارين من الصدقة، كما حكاه بقوله سبحانه:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ. . .} الآيات (3)، ولئلا يكون ذريعة إلى إسقاطها جملة لما جبلت عليه النفوس من الشح (4).
(وإذا قبض) رب الدين (الدين) أو عوض عنه، أو أحال به، أو عليه، أو أبرئ منه (زكاه لما مضى) من السنين، فلا يجب الإخراج قبل ذلك، لأنها وجبت مواساة، وليس منها إخراج زكاة ما لا ينتفع به، ويجزئ إخراجها قبل قبضه.
(وشُرط لها) أي الزكاة (في بهيمة أنعام) من إبل وبقر وغنم، سميت بهيمة لأنها لا تتكلم (5)، وبدأ بها اقتداء بالصديق في كتابه لأنس رضي الله عنهما أخرجه البخاري بطوله (6)، ويأتي بعضه مفرقًا (سومٍ أيضًا) وهو:
(1)"معونة أولي النهى"(2/ 575).
(2)
المصدر السابق (2/ 575، 576).
(3)
سورة القلم، الآية:17.
(4)
قال تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} .
(5)
ينظر: "القاموس"(1398).
(6)
البخاري، في الزكاة، باب زكاة الغنم (2/ 123، 124).
أن ترعى المباح أكثر الحول، لأن السائمة الراعية، يقال: سامت تسوم سومًا: إذا رعت، وأسمتها إذا رعيتها (1)، ومنه {فِيهِ تُسِيمُونَ} (2)، وخرج بالسائمة: المعلوفة، فلا زكاة فيها، لمفهوم حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا:"في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون"(3) رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وحديث الصديق مرفوعًا:"وفي الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة" الحديث، وفي آخره أيضًا:"إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاةً شاة واحدة، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربُّها"(4).
ولا تجب إلا فيما لدرٍّ ونسلٍ وتسمين، فلا تجب في سائمة للانتفاع بظهرها، كإبل تكرى وتؤجر، وبقر حرث، ونحوه، أكثر الحول (وأقل نصاب إبل خمسٌ)، فلا زكاة فيها قبل ذلك، لحديث:"ليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة"(5) وبدأ بالإبل تأسيًا بكتاب الشارع، حين فرض زكاة الأنعام، لأنها أعظم النعم قيمة وأجسامًا، وأكثر أموال العرب، (وفيها) أي الخمس (شاة) إجماعًا (6)، لحديث:"إذا بلغت خمسًا ففيها شاة" رواه
(1) تقدم (ص 426).
(2)
سورة النحل، الآية:10.
(3)
أحمد في "مسنده"(5/ 2، 4) وأبو داود، في الزكاة، باب في زكاة السائمة (2/ 233) والنسائي، في الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، وباب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلًا لأهلها ولحمولتهم (5/ 15، 25). قال الحاكم في "المستدرك"(1/ 398): صحيح الإسناد. وأقره الذهبي. اهـ ينظر: "التلخيص الحبير"(2/ 170).
(4)
أخرجه البخاري، في الزكاة، باب زكاة الغنم (2/ 123 - 124) وقد تقدم.
(5)
أخرجه البخاري، في الزكاة، باب من أدى زكاته فليس بكنز، وباب زكاة الورق، وباب ليس فيما دون خمسة ذود عدقة (2/ 111، 121، 125) ومسلم في أول كتاب الزكاة (2/ 673) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأخرجه مسلم -أيضًا- من حديث جابر.
(6)
"الإجماع" لابن المنذر (ص 51) و"إجماعات ابن عبد البر في العبادات"(2/ 720).
البخاري (1). وتكون الشاة بصفة إبل جودة ورداءة، غير معيبة، ففي إبل كرام شاة كذلك، وفي إبل معيبة شاة صحيحة، تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل، ولا يجزئ عن خمس من الإبل بعير، نصًّا (2)، ولا بقرة، ولو أكثر قيمة من الشاة، لأنهما غير المنصوص عليه، أشبه ما لو أخرج بعيرًا أو بقرة عن أربعين شاة.
(و) إذا زادت الإبل على الخمس فـ (في عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث) شياه (وفي عشرين أربع) شياه (وفي خمس وعشرين بنت مخاض) إجماعًا (3)، لحديث البخاري:"فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض"(4)(وهي) أي بنت المخاض (التي لها سنة)، سميت بذلك لأن أمها قد حملت، والماخض: الحامل (5). وهو تعريف لها بغالب أحوالها، لا أنه شرط، فإن كانت بنت المخاض عنده، وهي أعلى من الواجب خُيرّ بين إخراجها، وبين شراء ما بصفته ويخرجها، ولا يجزئه ابن لبون إذن، لوجود بنت مخاض صحيحة في ماله.
وإن كانت بنت المخاص معيبة، أو ليست في ماله، فذكر ابن لبون، وهو ما تم له سنتان، سمي بذلك، لأن أمه قد وضعت غالبًا، فهي ذات لبن (6)، ولو نقصت قيمته عن بنت المخاض، لعموم قوله في حديث أنس:"فإن لم يكن فيها بنت مخاض ففيها ابن لبون ذكر"(7) رواه أبو داود.
(1) تقدم في هذه الصفحة.
(2)
"الإنصاف"(6/ 398).
(3)
قال في "الشرح الكبير"(6/ 400): لا نعلم فيه خلافًا، إلا أنه يحكى عن علي رضي الله عنه في خمس وعشرين خمس شياه. قال ابن المنذر: ولا يصح ذلك عنه، وحكاه إجماعًا. اهـ
(4)
حديث أنس عن أبي بكر. تقدم قبل قليل.
(5)
"الزاهر"(ص 221، 224).
(6)
"الزاهر"(ص 222) و"المصباح المنير"(2/ 752).
(7)
سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة (2/ 214، 224).
أو حِقٌّ، وهو ما تم له ثلاث سنين سمي بذلك (1)، لأنه استحق أن يحمل عليه ويركب، ويقال للأنثى حقة لذلك، ولاستحقاقها طرق الفحل لها.
أو جذع وهو ما تم له أربع سنين، سمي بذلك لأنه يجذع إذا سقطت سنه (2)، ذكره في "المغني" وغيره (3)، أو ثَنِيّ، وهو ما تم له خمس سنين، سمي بذلك لأنه ألقى ثنيته (4).
والحق والجذع والثني أولى بالإجزاء عن بنت المخاص من ابن اللبون، لزيادة سنه بلا جبران في الكل، لظاهر الخبر.
ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة السن في غير هذا الموضع، فلا يجزئ حِقٌّ عن بنت لبون، ولا جذع عن حقه، ولا ثني عن جذعة، مطلقًا، لظاهر الحديث (5)، ولأنه لا نص فيه، ولا يصح قياسه على ابن اللبون مكان بنت المخاض، لأن زيادة سنه عليها يمتنع بها من صغار السباع، ويرعى الشجر بنفسه، ويرد الماء، ولا يوجد هذا في الحِقّ مع بنت اللبون، لأنهما يشتركان فيه.
(وفي ست وثلاثين بنت لبون، وهي التي لها سنتان، وفي ست وأربعين حقه وهي التي لها ثلاث) سنين (وفي إحدى وستين جذعة، وهي التي لها أربع) سنين، وهي أعلى سن يجب في الزكاة، وتجزئ ثنية وما فوقها عن بنت لبون، أو حِقة، أو جذعة، بلا جبران، لأنه لم يرد في الثنية (وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان) إجماعًا (6) (وفي مائة وإحدى
(1)"الزاهر"(ص 222) و"المصباح المنير"(1/ 198).
(2)
"الزاهر"(ص 222) و"المصباح المنير"(1/ 129).
(3)
"المغني"(4/ 16) وينظر: "معونة أولي النهى"(2/ 591).
(4)
"الزاهر"(ص 222) و"المصباح المنير"(1/ 117).
(5)
حديث أنس عن أبي بكر. تقدم تخريجه (ص 433).
(6)
"المغني"(4/ 16).
وعشرين ثلاث بنات لبون) لحديث البخاري عن أنس فيما كتب له الصديق لما وجهه إلى اليمن.
ويتعلق الوجوب بالنصاب كله، حتى بالواحدة التي يتغير بها الفرض، لأنها من النصاب، ولا شيء فيما بين الفرضين وسمي: العند، والوَقَص، والشَّنق (1) -بالشين المعجمة وفتح النون- فلا تتعلق الزكاة به، فلو كان له تسع من الإبل مغصوبة، وأخذ منها بعيرًا بعد الحول، أدى عنه خُمس شاة، لحديث أبي عبيد في "الأموال" عن يحيى بن الحكم مرفوعًا:"إن الأوقاص لا صدقة فيها"(2). ولأنه مال ناقص عن نصاب يتعلق به فرض مبتدأ، فلم يتعلق به الوجوب، كما نقص عن النصاب الأول.
(ثم) تستقر الفريضة إذا زادت الإبل على مائة وإحدى وعشرين (في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) للأخبار (3)، ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقائق، وهكذا، فإذا بلغت ما يتفق فيه الفرضان، كمائتين، خُيّر بين الحِقاق، وبين بنات اللبون.
ويصح كون الشطر من أحد النوعين والشطر من النوع الآخر، ومع عدم كل سن وجب، أو عيبه، فله أن يعدل إلى ما يليه من أسفل، ويخرج معه جبرانًا، أو إلى ما يليه من فوق، ويأخذ جبرانًا، لحديث الصديق في الصدقات قال: ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده، وعنده حقة، فإنه تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا، أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الِحقَّة، وليست عنده، وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا، أو
(1) ينظر: "الزاهر"(ص 226) و"المصباح المنير"(1/ 441).
(2)
كتاب "الأموال"(ص 350).
(3)
منها: حديث أنس عن أبي بكر. وقد تقدم تخريجه (ص 433).
شاتين (1). . . إلى آخره. فإن عدم ما يليه انتقل إلى ما بعده، وهو بنت اللبون في المثال، فإن عدمه -أيضًا- انتقل إلى ثالث وهو بنت المخاض، فيخرجها عن جذعة مع العدم، ويخرج معها ثلاث جبرانات، بشرط كون ذلك المخرج مع جبران فأكثر في ملكه، للخبر (2)، وإلا تعين الأصل الواجب، ولا مدخل لجبران في غير إبل، لأن النص إنما ورد فيها.
(وأقل نصاب البقر) أهلية كانت، أو وحشية (ثلاثون) لحديث معاذ: أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئًا حتى تبلغ ثلاثين (وفيها) أي: الثلاثين، (تبيع وهو الذي له سنة)، سمي بذلك لأنه يتبع أمه (3)، وهو جذع البقر الذي استوى قرناه وحاذى قرنه أذنه غالبًا، (أو تبيعة) لحديث معاذ، ويجزئ عن تبيع مسن وأولى.
(و) يجب (في أربعين) من بقر (مُسنَّة) لحديث معاذ وفيه: وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة (4). رواه الخمسة، وحسنه الترمذي، وقال ابن عبد البر: هو حديث ثابت متصل (5)، (وهي) أي المسنة (التي لها سنتان) سميت بذلك لأنها ألقت سنًّا غالبًا (6)، ولا فرض في البقر غير هذين السنين، وتجزئ أنثى أعلى من المسنة سنًّا، ولا
(1) ينظر الحاشية السابقة.
(2)
ينظر الحاشية السابقة.
(3)
"المصباح المنير"(1/ 72).
(4)
أحمد (5/ 230، 247)، وأبو داود، في الزكاة، باب في زكاة السائمة (2/ 234، 235)، والترمذي في الزكاة، باب زكاة البقر (3/ 11)، والنسائي في الزكاة باب زكاة البقر (5/ 25)، وابن ماجه، في الزكاة، باب صدقة البقر (1/ 576) من طريق مسروق عن معاذ. . به. قال الترمذي: حديث حسن. اهـ وقال الحاكم في "المستدرك"(1/ 398): صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي. ينظر:"التلخيص الحبير"(2/ 160).
(5)
"التمهيد"(2/ 275).
(6)
"الزاهر"(ص 225).
يجزئ مسن عن مسنة، لظاهر الخبر (1)، ولا يجزئ عن مسنة تبيعان لذلك.
(وفي ستين) من بقر (تبيعان ثم) إن زاد فـ (في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة) فإذا بلغت عددًا يتفق فيه الفرضان، كمائة وعشرين، فكإبل، فإن شاء أخرج أربعة أتبعة، أو ثلاث مسنات، لحديث يحيى بن الحكم، عن معاذ، وفيه: فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتبعة، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعًا، ومن العشرين ومائة ثلاثة مسنات أو أربعة أتبعة قال: وأمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن لا آخذ فيما بين ذلك سنًّا، إلا أن يبلغ مسنة، أو جذعًا، وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها (2). رواه أحمد.
ولا يجزئ ذكر في زكاة إلا التبيع، لورود النص فيه، والمسن عنه، لأنه خير منه، وإلا ابن لبون وحق وجذع وما فوقه عند عدم بنت مخاض، وتقدم (3)، وإلا إذا كان النصاب من إبل أو بقر أو غنم كله ذكورًا، لأن الزكاة مواساة، فلا يكلفها من غير ماله.
(وأقل نصاب الغنم) أهلية كانت، أو وحشية (أربعون) إجماعًا في الأهلية (4)، فلا شيء فيما دونها (و) يجب (فيها شاة) إجماعًا (5)، (وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان) إجماعًا (6)، (وفي مائتين وواحدة ثلاث) شياه (إلى
(1) خبر معاذ المتقدم.
(2)
أحمد (5/ 240)، وهو منقطع بين يحيى بن الحكم ومعاذ. إذ الحاكم لم يدرك معاذًا. قاله الحافظ في "تعجيل المنفعة"(ص 291) وينظر تخريج رواية مسروق عن معاذ في (ص 408).
(3)
(ص 435).
(4)
"الإجماع"(ص 51) و"المغني"(4/ 38).
(5)
"الإجماع"(ص 52) و"المغني"(4/ 38).
(6)
المصدران السابقان.
أربعمائة، ثم) تستقر الفريضة (في كل مائة شاة) لحديث ابن عمر، في كتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات الذي عمل به بعده أبو بكر حتى توفي، وعمر حتى توفي:"وفي الغنم من أربعين شاةً شاةٌ، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت شاة، ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث شياه، إلى ثلثمائة، فإذا زادت بعد، فليس فيها شيء بعدد حتى تبلغ أربعمائة، فإذا كثرت الغنم، ففي كل مائة شاة"(1) رواه الخمسة إلا النسائي.
(والشاة) الواجبة في زكاة الغنم، وفيما دون خمس وعشرين من إبل، وفي جبران (بنت سنة من المعز، ونصفها) أي: السنة (من الضأن) لحديث سويد بن غَفَلةَ قال: أتانا مُصَدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن، والثنية من المعز"(2). ولأنهما يجزئان في الأضحية، فكذا هنا، ولا يعتبر كونها من جنس غنمه، ولا من جنس غنم البلد، فإن وجد الفرض في المال أخذه الساعي، وإن كان أعلى خُيّر مالك بين دفعه، وتحصيل واجب فيخرجه.
ولا يؤخذ في زكاة تيس حيث يجزئ ذكر، لنقصه وفساد لحمه، إلا تيس ضراب برضى ربه.
ولا يؤخذ في زكاة هرمة، ولا معيبة، كما لا يضحى بها، نصًّا (3)،
(1) أحمد (2/ 15) وأبو داود، في الزكاة، باب في زكاة السائمة (2/ 225) والترمذي، في الزكاة، باب في زكاة الإبل والغنم (3/ 8، 10) وابن ماجه، في الزكاة، باب صدقة الغنم (1/ 577) قال الترمذي: حديث حسن. اهـ
(2)
هذا اللفظ المذكور ليس حديث سويد بن غفلة -أشار إلى ذلك الحافظ في "التلخيص"(2/ 161).
ولفظ حديث سويد عند أبي داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة:"أن لا نأخذ من راضع لبن، ولا تجمع بين متفرق، ولا تفرق بين مجتمع" وأخرجه النسائي، في الزكاة، باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتع (5/ 29، 30).
(3)
"الإنصاف"(6/ 445).
لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (1)، إلا أن يكون الكل كذلك.
ولا تؤخذ الرُّبى، وهي التي تربيّ ولدها (2)، ولا الحامل، لقول عمر: لا تؤخذ الرّبى، ولا الماخض (3). ولا تؤخذ طروقة الفحل، ولا كريمة وهي النفيسة، ولا أكولة. لقول عمر: ولا الأكولة (4)، ومراده السمينة (5)، إلا أن يشاء ربها.
وتؤخذ مريضة من نصاب كله مراض، وتؤخذ صغيرة من صغار غنم، لقول الصدّيق:"واللَّه لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليها"(6)، فدل على أنهم كانوا يؤدون العناق، ويتصور كون النصاب صغارًا بإبدال كبارها في أثناء الحول، أو تلد الأمهات، ثم تموت، ويحول الحول على الصغار.
ولا تؤخذ صغيرة من صغار إبل أو بقر، لفرق الشارع بين فرض خمس
(1) سورة البقرة، الآية:267.
(2)
في "النهاية" لابن الأثير (1/ 180): الرُّبى التي تُربَّي في البيت من الغنم لأجل اللبن. وقيل: هي الشاة القريبة العهد بالولادة، وجمعها رُبَابٌ بالضم. اهـ. والثاني هو الذي قاله الشافعي، وعليه الفقهاء، ينظر:"حلية الفقهاء"(ص 100، 101).
(3)
أخرجه مالك، في الزكاة، باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة (1/ 265) عن سفيان بن عبد اللَّه، أن عمر بن الخطاب بعثه مصدِّقًا، فكان يعدّ على الناس بالسخل
…
وفيه: "ولا تأخذ الأكولة ولا الربى، ولا الماخض، ولا فحل الغنم. وتأخذ الجذعة والثنية .. ".
(4)
المصدر السابق.
(5)
"حلية الفقهاء"(ص 101).
(6)
البخاري، في الزكاة، باب أخذ العناق في الصدقة (2/ 124)، ومسلم، كتاب الإيمان (1/ 52) من حديث أبي هريرة.
وعشرين وست وثلاثين من الإبل بزيادة السن، وكذلك بين ثلاثين وأربعين من البقر، فيقوم النصاب من الكبار، ويقوم فرضه، ثم تقوم الصغار، ويؤخذ عنها كبيرة بالقسط، محافظة على الفرض المنصوص عليه، بلا إجحاف بالمالك، فإن كان النصاب نوعين من جنس واحد كبخاتي (1)، وعراب (2)، أو بقر وجواميس (3)، أو ضأن ومعز أخذت الفريضة من أحدهما، وعلى قدر قيمة المالين.
(والخلطة (4) في بهيمة الأنعام) خاصة، وهي الإبل والبقر والغنم (بشرطها) المعتبر لها، بأن يشترك اثنان من أهل الزكاة، فلا أثر لخُلطة كافر، ولو مرتدًّا في نصاب ماشية لهم جميع الحول، ويشتركا في مُراح -بضم الميم- وهو المبيت (5)، وفي مسرح، وهو ما تجتمع فيه لتذهب إلى المرعى (6)، وفي محَلب -بفتح الميم- وهو موضع الحلب (7)، وفي فحل بأن لا يختص بطرق إحدى المالين، وفي مرعى، وهو موضع الرعي (تصيرِّ المالين كـ) المال
(1) البُخْتُ نوع من الإبل.
قال في "الزاهر"(ص 232) في أنواع الإبل: والفوالج: فحول سندية، ترسل في "الإبل" "العِرَاب" فتنتج "البُخْتَ" الواحد "بُخْتيّ" والأنثى "بختيَّة". ينظر:"المصباح المنير"(1/ 51).
(2)
العِرَاب من الإبل خلاف البخاتي، قال في "الشامل": العراب: جُرْدٌ ملسٌ حسان الألوان كريمة. "المستعذب"(1/ 147) و"المصباح المنير"(2/ 548).
(3)
الجواميس: نوع من البقر: معروف، وهو معرب، يعيش في الماء. "المستعذب" (1/ 146) وينظر:"الزاهر"(ص 231).
(4)
الخُلطة: بضم الخاء، أي الشركة، وبكسرها: العشرة. "المطلع"(ص 127).
(5)
المراح: الموضع الذي تأوي إليه، ولا يكون ذلك إلا بعد الزوال "المستعذب"(1/ 148).
(6)
المسرح: الموضع الذي تسرح فيه للرعي. "المستعذب"(1/ 148).
(7)
هو: موضع الحَلب. "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 108).
(الواحد) إيجابًا، وإسقاطًا، لحديث الترمذي:"لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهم بالسوية"(1). ورواه البخاري من حديث أنس (2).
وقوله: "لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" إنما يكون إذا كان المال لجماعة، فإن الواحد يضم بعض ماله إلى بعض، وإن كان في أماكن.
ولأن للخلطة تأثيرًا في تخفيف المؤنة، فجاز أن تؤثر في الزكاة كالسوم، ولا تعتبر نية الخُلطة، ولا اتحاد مشرب وراع، ولا اتحاد الفحل، إن اختلف النوع كالبقر، والجاموس، والضأن والمعز، وقد تفيد الخُلطة تغليظًا، كأن اختلط اثنان في أربعين شاة، لكل واحد منهما عشرون شاة، فيلزمهما شاة، وتخفيفًا، كثلاثة اختلطوا في مائة وعشرين شاة، لكل واحد أربعون فيلزمهم شاة.
ولا أثر لتفرقة مال، فيضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، ما لم يكن سائمة، فإن كان سائمة بمحلين، أو محال بينها مسافة قصر، فلكل حكم بنفسه، فإذا كان له شياه بمحال متباعدة، في كل محل أربعون، فعليه شياه بعدد المحال، ولا شيء عليه إن لم يجتمع له في كل محل أربعون، ما لم تكن خلطة.
(1) تقدم (ص 439).
(2)
البخاري، الزكاة، باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع. . . (2/ 122).