الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(فروض الوضوء ستة) مبتدأ وخبر، جمع: فرض. ومعناه لغة: الحز والقطع والتقدير (1). وشرعًا: ما يترتب الثواب على فعله والعقاب على تركه (2).
والوضوء -بضم الواو- فعل المتوضئ، من الوضاءة، وهي النظافة والحسن، لأنه ينظف المتوضئ ويحسِّنه. وبفتحها: الماء يُتوضَّؤُ به (3).
وشرعًا: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة (4). وكان فرضه مع فرض الصلاة، كما رواه ابن ماجه (5).
أحدها: (غسل الوجه) وهو الأول من الستة (مع مضمضة واستنشاق) لأنهما منه. وحدُّهُ: من منابت شعر الرأس المعتاد إلى النازل من اللحيين -بفتح اللام وكسرها- والذِّقن وهو مجمع اللحيين طولًا مع مسترسل شعر اللحية. وحد الوجه عرضًا: من الأذن إلى الأذن.
(وغسل اليدين) مع المرفقين، وهما الفرض الثاني (و) غسل (الرجلين) مع الكعبين، وهما الفرض الثالث (ومسح جميع الرأس مع الأذنين) لأنهما منه، لحديث ابن ماجه:"الأذنان من الرأس"(6). وهو
(1) ينظر: "معجم مقاييس اللغة"(4/ 488)، و"القاموس"(ص 838).
(2)
ينظر: "شرح مختصر الروضة"(1/ 274)، و"المطلع"(ص 17، 18).
(3)
ينظر: "القاموس"(ص 70).
(4)
ينظر: "كشاف القناع"(1/ 82)، و"معونة أولي النهى شرح المنتهى"(1/ 267).
(5)
ذكر ذلك ابن مفلح في "المبدع"(1/ 113).
(6)
أخرجه ابن ماجه في "سننه" كتاب الطهارة وسننها، باب الأذنان من الرأس (1/ 152) من حديث عبد اللَّه بن زيد، وأبي أمامة، وأبي هريرة. وقد أخرج أبو داود (1/ 93)، والترمذي (1/ 53) حديث أبي أمامة. =
الفرض الرابع. (وترتيب) بين الأعضاء، كما ذكر اللَّه تعالى، لأنه أدخل ممسوحًا بين مغسولين، وقطع النظير عن نظيره، وهذا قرينة إرادة الترتيب. وتوضأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرتبًا، وقال:"هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به"(1). أي بمثله. وهذا هو الفرض الخامس. (و) السادس (موالاة) لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (2) لأن الأول شرط والثاني جوابه، وإذا وجد الشرط وهو القيام وجب أن لا يتأخر عنه جوابه وهو غسل الأعضاء، يؤيده حديث خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء. رواه أحمد، وأبو داود، وزاد: والصلاة (3). ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة فقط، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا متواليًا، وإنما لم تشترط في الغسل؛ لأن المغسول فيه بمنزلة العضو الواحد.
(والنية شرط لكل طهارة شرعية) لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"(4). أي لا عمل جائز ولا فاضل إلا بها (غير إزالة خبث) فلا
= والحديث صحيح بمجموع طرقه. ينظر: "نصب الراية"(1/ 59، 65)، و"التلخيص الحبير"(1/ 103)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" اللألباني (رقم 36).
(1)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا، عن ابن عمر (1/ 145) وسنده ضعيف. ينظر:"نصب الراية"(1/ 72)، و"علل ابن أبي حاتم"(1/ 45)، و"التلخيص الحبير"(1/ 93)، و"فتح الباري"(1/ 233).
(2)
سورة المائدة، الآية:6.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 424)، وأبو داود في "سننه" كتاب الطهارة، باب تفريق الوضوء (1/ 121) عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. . . به، وطريق أحمد فيه: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أحمد: هذا إسناد جيد. اهـ
وينظر: "التلخيص الحبير"(1/ 106)، و"إرواء الغيل"(1/ 127).
(4)
أخرجه البخاري في أول صحيحه (1/ 2)، ومسلم في "صحيحه" كتاب الإمارة (3/ 1515) عن عمر بن الخطاب.
يشترط له نية (و) غير (غسل كتابية لحل وطء) لزوج أو سيد من حيض أو نفاس أو جنابة؛ لأنها ليست من أهل النية، (و) غير غسل (مسلمة ممتنعة) من غسل لزوج أو سيد من نحو حيض حتى لا يطأها، فتغتسل قهرًا لحق الزوج أو السيد، ويباح له وطؤها ولا تصلي بالغسل المذكور؛ لعدم وجود النية، وقياسه منعها من طواف وقراءة ونحوها. ولا يُنوى عنها؛ لعدم تعذُّرها، بخلاف الميت فينوى عنه. وكذلك المجنونة يُنوى عنها.
وتسن النية عند أول كل مسنون وُجد قبل واجب (1). ويسن النطق بها سّرًا؛ (2) ليوافق اللسان القلب.
ويجب تقديمها على أول واجب وهو التسمية، ولا يضر سبق لسانه بغير قصده، ولا شكُّه في النية بعد فراغه.
(والتسمية) أي قول بسم اللَّه (واجبة في وضوء) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه عليه". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (3). (و) واجبة في (غسل و) واجبة في
(1) كغسل الكفين إن كان قبل التسمية، لتشمل النية فرض الوضوء وسننه، فيثاب عليها، ولا يُسنُّ النطق بالنية. ينظر:"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (1/ 49).
(2)
قال في "الإقناع"(1/ 38): والتلفظ بها وبما نواه هنا، وفي سائر العبادات بدعة، واستحبه سرًا مع القلب كثير من المتأخرين.
ومنصوص أحمد، وجمع محققين، خلافه، إلا في الإحرام، ويأتي.
وفي "الفروع" و"التنقيح": يسن النطق بها سرًا، فجعلاه سنة، وهو سهوٌ. اهـ وسيأتي الكلام على التلفظ بالنية (ص).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 418)، وأبو داود في "سننه" كتاب الطهارة، باب في التسمية في الوضوء (1/ 75)، وابن ماجه في "سننه" كتاب الطهارة، باب ما جاء في التسمية في الوضوء (1/ 140). وضعف إسناده النووي في "المجموع"(1/ 344). وقد سئل الإمام أحمد عن التسمية، فقال: لا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. . . اهـ ينظر: "التلخيص الحبير"(1/ 84 - 85) وقد حسَّن الحافظ العراقي هذا الحديث في كتابه "محجة القرب في فضل العرب"(ص 27 - 28) وذلك باعتبار طرق الحديث وشواهده. ينظر: "إرواء الغليل"(1/ 122 - 123).
(تيمم و) واجبة في (غسل يَدَيْ قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) وتجب أيضًا في الذكاة، وفي إرسال الجارحة.
(وتسقط) التسمية (سهوًا وجهلًا) لا عمدًا.
(ومن سننه) أي: الوضوء (استقبال قبلة، وسواك) لما تقدم (1)، ويكون فيه عند المضمضة (وبُداءة بغسل يَدَيْ غير قائم من نوم ليل) لفعله صلى الله عليه وسلم، كما ذكره عثمان، وعلي، وعبد اللَّه بن زيد في وصفهم وضوءه (2). (ويجب له) أي: للقيام من نوم الليل (لغسل ثلاثًا تعبدًا) لأمر الشارع صلى الله عليه وسلم به (3)، وعدم عقل معناه، كما تقدم (4).
(و) من سنن الوضوء -أيضًا- البداءة قبل غسل الوجه (بمضمضة) في فم (فاستنشاق) في أنف (ومبالغة فيهما) بأن يدير الماء في فمه ويجذبه في الاستنشاق إلى أقصى أنفه، لكن ذلك (لغير صائم) وأما الصائم فلا يسن له المبالغة فيهما، بل تكره، لئلا يدخل الماء إلى جوفه فيفسد صومه.
(و) من سننه (تخليل شعر كثيف) لا خفيف. وأما الخفيف فيجب تخليله حتى يصل الماء إلى أصوله. (و) تخليل (الأصابع) من اليدين والرجلين. (و) من سننه (غسلة ثانية وثالثة) في الأعضاء كلها خلا الرأس
(1) ينظر (ص 43).
(2)
حديث عثمان أخرجه البخاري في "صحيحه" في الوضوء، باب المضمضة في الوضوء (1/ 49)، ومسلم في "صحيحه" كتاب الطهارة (1/ 204 - 205). أما حديث علي، فأخرجه أبو داود في الطهارة، باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 81 - 84)، والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ (1/ 67 - 68)، والنسائي في الطهارة، باب غسل الوجه (1/ 68).
أما حديث عبد اللَّه بن زيد، فأخرجه البخاري في الوضوء، باب مسح الرأس كله (1/ 54)، ومسلم في الطهارة (1/ 210).
(3)
أخرجه البخاري في الوضوء، باب الاستجمار وترًا (1/ 48 - 49) ومسلم في الطهارة (1/ 233) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
(ص 21).
(وكره أكثر) من الثلاث، لأنه إسراف (1).
(وسُنَّ بعد فراغه) من الوضوء (رفع بصره إلى السماء وقول ما ورد) وهو: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. لحديث عمر -مرفوعًا-:"ما منكم من أحد يتوضأ فيُبْلِغ أو يُسْبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". رواه مسلم، والترمذي وزاد:"اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين". رواه أحمد، وأبو داود، وفي بعض رواياته:"فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء". وساق الحديث (2). وزاد في "الإقناع"(3): سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك (4).
(1) أخرج أبو داود، والنسائي، وابن خزيمة، وابن ماجه من طرق صحيحة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال:"من زاد على هذا فقد أساء وظلم" قاله الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 94).
(2)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 215)، والترمذي في أبواب الطهارة، باب فيما يقال بعد الوضوء (1/ 77 - 78)، وأحمد (1/ 19)(4/ 146، 153)، وأبو داود في الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ (1/ 118 - 119) قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 216): رواية أحمد وأبي داود في إسنادها رجل مجهول. اهـ يعني لفظ: "ثم رفع نظره إلى السماء".
(3)
(1/ 32).
(4)
لحديث أبي سعيد الخدري قال: "من توضأ، ففرغ من وضوئه، وقال: سبحانك اللهم، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، طبع عليها بطابع، ثم رفعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة". رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(ص 366). واختلف في وقفه ورفعه، وصحح النسائي الموقوف. ورجح الدارقطني في "العلل" الرواية الموقوفة. اهـ
ينظر: "التلخيص الحبير"(1/ 112).