الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيام
الصيام لغة: الإمساك (1)، يقال: صام النهارُ إذا وقف سير الشمس، ومنه {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} (2)، وصام الفرس: أمسك عن العلف وهو قائم، أو عن الصهيل في موضعه. وشرعًا: إمساك بنية عن أشياء مخصوصة في زمن معين من شخص مخصوص (3).
وصوم شهر رمضان فرض، افترض في السنة الثانية من الهجرة إجماعًا (4)، فصام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعًا (5).
والأصل في فرضه قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (6)، وحديث ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما:"بني الإسلام على خمس. . . "(7) الحديث، متفق عليه.
وسمي شهر الصوم رمضان، قيل: لحر جوف الصائم فيه ورمضه، والرمضاء: شدة الحر (8). أو أنه وافق هذا الشهر أيام شدة الحر ورمضه، حين نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة. أو لأنه يحرق الذنوب، أو غير ذلك (9). ولا يكره قول رمضان بلا شهر، كما في كثير من
(1)"حلية الفقهاء"(ص 107) و"الزاهر"(1/ 139) و"القاموس المحيط"(ص 1460) و"المصباح المنير"(1/ 482).
(2)
سورة مريم، الآية:26.
(3)
"التنقيح المشبع"(ص 89).
(4)
"موسوعة الإجماع"(2/ 669).
(5)
"زاد المعاد"(2/ 30).
(6)
سورة البقرة، الآية:185.
(7)
تقدم تخريجه (ص 425).
(8)
"القاموس"(ص 830).
(9)
"تاج العروس"(18/ 364، 365) و"الشرح الكبير"(7/ 325).
الأخبار (1).
(يلزم) صوم شهر رمضان (كل مسلم مكلف، قادر برؤية الهلال) منه، لحديث:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"(2). ويستحب ترائي الهلال وقول ما ورد (3). فإن لم ير الهلال مع صحو ليلة الثلاثين من شعبان لم يصوموا، لأنه يوم الشك المنهي عنه (4)، (ولو من) رؤية مكلف (عدل)
(1) أخرج البخاري، في كتاب الصوم، باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان (3/ 32)، ومسلم، كتاب الصيام (2/ 758) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".
(2)
البخاري، في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا. . . (2/ 229) ومسلم، في الصوم (2/ 762) عن أبي هريرة.
(3)
أخرج الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول عند رؤية الهلال (5/ 504) عن طلحة بن عبيد اللَّه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك اللَّه".
قال الترمذي: حديث حسن غريب. اهـ
قال أبو داود، كما في "سننه" (5/ 327): ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح. اهـ
وقال العقيلي في "الضعفاء"(2/ 136) بعد أن رواه في ترجمة: سليمان بن سفيان المديني: وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كان هذا عندي من أصلحها إسنادًا، كلها لينة. اهـ
وقد صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(4/ 430، 431) بشواهده. وفيه نظر، وإنما يصح في ذلك آثار عن الصحابة، كأثر ابن عباس في "مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 343) وسنده حسن.
وينظر أكثر الأحاديث في الباب في "شرح العمدة" لشيخ الإسلام (1/ 37) وما بعدها و"ضعيف الجامع"(ص 638، 639).
(4)
روى الترمذي، في الصوم، باب ما جاء كراهية صوم يوم الشك (3/ 70)، عن صلة بن زفر، قال: كنا عند عمار بن ياسر، فأتي بشاة مصلية، فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم، فقال: إني صائم، فقال: من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري تعليقًا مختصرًا، ورواه أيضًا أبو داود، في الصوم، باب كراهية صوم يوم =
نصًّا (1) لا مستور، لحديث ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال. قال: "أتشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا عبده ورسوله؟ ". قال: نعم. قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدًا". رواه أبو داود والترمذي، والنسائي. وعن ابن عمر قال: ترآيت الهلال، فأخبرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه (2). رواه أبو داود.
ولأنه خبر ديني، لا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولو كان الرائي عبدًا، أو أنثى، أو بدون لفظ الشهادة، للخبرين، وثبت به بقية الأحكام، من حلول دين، ونحوه، تبعًا، وأما بقية الشهور فلا يقبل فيها إلا رجلان عدلان بلفظ الشهادة كالنكاح وغيره، والفرق: الاحتياط للعبادة.
ولو صاموا ثمانية وعشرين يومًا، ثم رأوا هلال شوال، قضوا يومًا واحدًا فقص، نصًّا (3)، ولو غم لشعبان ورمضان وجب تقدير رجب وشعبان ناقصين فلا يفطروا قبل اثنين وثلاثين يومًا، بلا رؤية، احتياطًا (أو بإكمال شعبان) ثلاثين يومًا (أو) بـ (وجود مانع من رؤيته) أي الهلال (ليلة الثلاثين منه) أي من شعبان (كغيم وجبل وغيرهما) كقتر ودخان، فيجب صوم يوم تلك الليلة، حكمًا ظنيًّا، احتياطًا، للخروج من عُهدة الوجوب، بنية أنه من رمضان في قول عمر، وابنه، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأنس، ومعاوية، وعائشة، وأسماء ابنتي أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنهم
= الشك (2/ 749)، والنسائي، في الصوم، باب صيام يوم الشك (4/ 153)، وابن ماجه، في الصيام، باب ما جاء في صيام يوم الشك (1/ 527).
ورواه البخاري تعليقًا في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم الهلال. . . "(2/ 229)،
وقال الحاكم في "المستدرك"(1/ 424): صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
(1)
"الفروع"(3/ 14).
(2)
أبو داود، في الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (2/ 756) صححه ابن حزم. ينظر:"التلخيص الحبير"(2/ 199).
(3)
"الفروع"(3/ 17).
أجمعين (1)، لحديث نافع عن ابن عمر، مرفوعًا:"إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم، فأقدروا له" قال نافع: كان عبد اللَّه بن عمر، إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون يومًا، يبعث من ينظر له الهلال، فإن رؤي فذاك، وإن لم يُرَ، ولم يحل دون منظره سحاب، ولا قتر، أصبح مفطرًا، وإن حال دون منظره سحاب، أو قتر، أصبح صائمًا (2).
ومعنى: "اقدروا له"(3) ضيقوا، لقوله تعالى:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (4)، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} (5) والتضيق: جعل شعبان تسعة وعشرين يومًا، وقد فسره ابن عمر بفعله، وهو راويه، وأعلم بمعناه، فوجب الرجوع إليه، ويجزئ صوم هذا اليوم إن ظهر منه، لأن صومه وقع بنية رمضان، لمستند شرعي، أشبه الصوم للرؤية.
وتثبت أحكام صوم من صلاة تراويح، ووجوب كفارة بوطء فيه، ووجوب إمساك على من أكل فيه جاهلًا، أو لم يبيت النية ما لم يتحقق أنه من شعبان، ولا تثبت بقية الأحكام الشهرية بالغيم، فلا يحل دين مؤجل به، ولا يقع طلاق وعتق معلقين به، ولا تنقضي عدة، ونحو ذلك، عملًا بالأصل.
(وإن رؤي) الهلال (نهارًا) ولو قبل الزوال في أول رمضان، أو غيره، أو في آخره (فهو لـ) ليلة (المقبلة) نصًا (6)، لأنها ليلة رؤي الهلال في يومها،
(1) جمع هذه الآثار ابن الجوزي في "درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم"(ص 52 إلى 56).
(2)
مسلم، في الصيام (2/ 459) المسند منه فقط. وأخرجه أبو داود بتمامه، في الصوم، باب الشهر يكون تسعًا وعشرين (2/ 740).
(3)
"القاموس"(ص 591).
(4)
سورة الطلاق، الآية:7.
(5)
سورة سبأ، الآية:11.
(6)
"الشرح الكبير مع الإنصاف"(7/ 334).
فلم يجعل لها كما لو رؤي آخر النهار.
والهلال يختلف بالكبر والصغر، والعلو والانخفاض، وقربه من الشمس، اختلافًا شديدًا لا ينضبط، فيجب طرحه، والعمل بما عول الشرع عليه. وروى البخاري في "تاريخه":"من أشراط الساعة أن يروا الهلال، يقولون: ابن ليلتين"(1)(وإن صار) من ليس أهلًا لوجوب الصيام عليه (أهلًا لوجوبه في أثنائه) أي ذلك اليوم، كأن أسلم كافر في أثناء نهار، أو عقل مجنون، أو بلغ صغير (أو قدم مسافر مفطرًا، أو طهرت حائض أمسكوا) عن مفسدات الصوم لحرمة الوقت، (وقضوا) ذلك اليوم، لأنهم لم يصوموه.
وكذا إن تعمد مقيم، أو طاهر الفطر، فسافر المقيم، أو حاضت الطاهر، بعد فطرهما، لزمهما إمساك ذلك اليوم بعد السفر، والحيض، نصًّا (2)، عقوبة، والقضاء.
وإن علم مسافر أنه يقدم غدًا بلدًا قصده، لزمه الصوم، نصًّا (3)، كمن نذر صوم يوم يقدم فلان، وعلم يوم قدومه، فينويه من الليل.
(ومن) عجز عن الصوم و (أفطر لكبر) كشيخ هرم، وعجوز، يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة (أو) أفطر لـ (مرضٍ لا يُرجى برؤه، أطعم لكل يوم مسكينًا) مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره، لقول ابن عباس
(1)"التاريخ الكبير"(4/ 345) عن طلحة بن أبي حدرد. وأخرجه الطبراني في "الصغير"(2/ 41) عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة، وأن يرى الهلال لليلة، فيقال لليلتين. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 146): وفيه عبد الرحمن بن الأزرق الأنطاكي، ولم أجد من ترجمه.
ينظر: "السنن الواردة في الفتن" لأبي عمرو الداني (4/ 791، 795) و"المقاصد الحسنة"(ص 432) بلفظ: "من علامة الساعة انتفاح الأهلة. . ".
(2)
"الفروع"(3/ 23).
(3)
"الفروع"(3/ 24).
في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (1): ليست بمنسوخة، هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم (2). رواه البخاري. فإن كان العاجز عنه مسافرًا سفرًا مباحًا، فلا فدية لفطره بعذر معتاد، ولا قضاء لعجزه عنه، قال الشيخ منصور: فيعايا بها (3).
(وسن الفطر) وكره الصوع (لمريض يشق عليه) الصوم (و) لـ (مسافر يقصر) ولو بلا مشقة، لحديث:"ليس من البر الصيام في السفر"(4). متفق عليه، وإن صام أجزأه، نصًّا (5)، لحديث:"هي رخصة من اللَّه، فمن أخذها فهو حسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه"(6). رواه مسلم.
وسن الفطر، وكره الصوم -أيضًا- لزيادة مرض، أو طوله بقول طبيب مسلم ثقة، لقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (7)، ويباح الفطر لمريض قادر على الصوم، يتضرر بترك التداوي، ولا يمكنه فيه، كمن به رمد، يخاف بترك الاكتحال.
ويجوز الوطء لمن به مرض ينتفع به فيه، كالمداواة، أو به شبق (8) ولم تندفع شهوته بدونه، ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ، ولا كفارة، ويقضي عدد ما أفسده من الأيام، ما لم يتعذر القضاء عليه لشبق، فيطعم عن كل يوم
(1) سورة البقرة، الآية:184.
(2)
البخاري، في التفسير، سورة البقرة (5/ 155).
(3)
"شرح المنتهى"(1/ 476). وقوله: "يُعايا بها": أي يلغز بها. قال في "اللسان"(15/ 112): والمعاياة: أن تأتي بكلام لا يهتدى له. اهـ
(4)
البخاري، في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: ليس من البر الصوم في السفر (2/ 238) ومسلم، في الصيام (2/ 786)، عن جابر رضي الله عنه.
(5)
"الفروع"(3/ 30).
(6)
مسلم، الصيام (2/ 790) عن حمزة بن عمرو الأسلمي.
(7)
سورة البقرة، الآية:185.
(8)
الشبق: هيجان الشهوة. "طلبة الطلبة"(ص 137).
مسكينًا، ككبير، ومتى لم يمكنه الوطء إلا بإفساد صوم موطوءة، جاز ضرورة، ووطء طاهر صائمة أولى من وطء حائض. والأفضل لحاضر نوى صومًا، وسافر، عدم الإفطار، خروجًا من الخلاف (1).
(وإن أفطرت حامل أو) أفطرت (مرضع خوفًا على أنفسهما قضتا فقط) ولا إطعام عليهما، كالمريض، وأولى (أو) أفطرتا خوفًا (على ولديهما) قضتا (مع الإطعام ممن يمون الولَد) لكل يوم مسكينًا، ما يجزئ في كفارة، كما تقدم.
ومتى قبل رضيع ثدي غير أمه، وقدر أن يستأجر له، لم تفطر، لعدم الضرورة، وظئرٌ كأمٍّ في إباحة فطر إن خافت على نفسها، أو على الولد.
ويجب الفطر على من احتاج إليه لإنقاذ معصوم من مهلكة، كغرق، ونحوه، وليس لمن أبيح له فطر رمضان صوم غيره فيه.
(1) المذهب: جواز الفطر له. والأفضل ما ذكر من عدم الفطر. وهذا من مفردات المذهب. وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز له الفطر في ذلك اليوم.
لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ولأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، وإذا تلبس بها حاضر ثم سافر، وجب أن يغلب حكم الحضر، كما لو افتتح الصلاة في سفينة ثم اندفعت به الريح.
والراجح مذهب أحمد لحديث عبيد بن جبير قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان، فدفع، ثم قُرِّب غداه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. ثم قال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود وغيره.
ولأنه أحد الأمرين المنصوص عليها في إباحة الفطر، فإذا وجد أثناء النهار أباحه، كالمرض. وقياسهم على الصلاة لا يصح، فإن الصوم يفارق الصلاة، لأن الصلاة يلزم إتمامها بنيتها، بخلاف الصوم.
ينظر: "رد المحتار على الدر المختار"(3/ 416) و"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (1/ 444) و"كفاية الأخيار"(ص 206) و"الشرح الكبير"(7/ 379، 380) و"شرح العمدة" لشيخ الإسلام -كتاب الصيام- (1/ 63).