الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُحرم ولي في مال عن من لم يميز، لتعذر النية منه، فإن لم يكن ولي فيحرم عنه من يتولاه، كفي قبول زكاة وهبة، ولو كان الولي محرمًا أو لم يحج ويقع لازمًا، وحكمه كالمكلف، نصًّا (1).
ويُحرم مميز عن نفسه بإذن وليه، لأنه يصح وضوؤه، فيصح إحرامه، كالبالغ، ويفعل ولي عن مميز وغيره ما يعجزهما من أفعال حج وعمرة، لكن لا يبدأ ولي في رمي جمرات إلا بنفسه، كنيابة حج، ولا يعتد برمي حلال لا عن نفسه، ولا عن غيره، وإن أمكن مناولة صغير نائبًا الحصى ناوله، وإلا استحب وضعه في كفه، ثم أخذه منه، ويرمي عنه.
ويُطاف بالصغير لعجزه عن طواف بنفسه، راكبًا، أو محمولًا، ككبير عاجز، ويعتبر لطواف صغير نية طائف به، لتعذر النية منه، ولا يعتبر كون الطائف به طاف عن نفسه، ولا كونه محرمًا، بخلاف الرمي.
وكفارة حج صغير، وما زاد عن نفقة الحضر، في مال وليه إن أنشأ السفر به تمرينًا على الطاعة، لأنه الذي أدخله فيه، ولو تركه لم يتضرر بتركه، وإن لا ينشئ السفر، بل سافر به لتجارة، أو خدمة، أو ليستوطن بمكة، ونحو ذلك، فلا تجب على الولي، بل من مال الصغير، لأنه لمصلحته.
وعمد صغير ومجنون؛ خطأ، لا يجب فيه إلا ما يجب في خطأ مكلف، أو في نسيانه لعدم اعتبار قصده.
تتمة:
لا يمنع زوج امرأته من حج فرض كملت شروطه، كبقية الواجبات، ويستحب لها استئذانه، وإن كان غائبًا كتبت إليه، فإن أذن، وإلا حجت بمحرم.
ولكل من أبوي حر بالغ، حرين، منعه من إحرام بنفل حج، أو
(1)"الفروع"(3/ 212).
عمرة، أو جهاد، للأخبار (1)، وما يفعله في الحضر من نفل نحو صلاة وصوم فلا يعتبر فيه إذن، وكذا السفر لواجب، كحج، وعلم، لأنه فرض عين، كالصلاة، وتجب طاعتهما في غير معصية، قال الشيخ تقي الدين (2): فيما فيه نفع لهما، ولا ضرر عليه، ولو شق عليه، ولا يحللانه إذا أحرم.
ولا يحلل غريم مدينًا أحرم بحج أو عمرة، لوجوبهما بالشروع (وإن عجز) من وجب عليه الحج والعمرة عن السعي (لكبر، أو مرض لا يُرجى برؤه) لنحو زمانة، أو لثقل، بحيث لا يقدر معه على ركوب إلا بمشقة شديدة، أو لكونه نِضْوَ (3) الخلقة، لا يقدر ثبوتًا على راحلة إلا بمشقة غير محتملة (لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر) حديث ابن عباس: أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللَّه، إن أبي أدركته فريضة اللَّه في الحج شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة أفأحج عنه؟ قال:"حجي عنه"(4). متفق عليه، وعلم من الحديث جواز نيابة المرأة عن الرجل، فعكسه أولى (من حيث وجبا) أي من بلد العاجز، لأنه وجب عليه كذلك.
(1) منها ما رواه البخاري، في الجهاد، باب الجهاد بإذن الأبوين (4/ 18) وفي الأدب باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين (7/ 69) ومسلم، في البر والصلة والآداب (4/ 1975) عن عبد اللَّه بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال:"ففيهما فجاهد".
(2)
الاختيارات الفقهية (ص 170) وعبارته: (ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين. وهو ظاهر إطلاق أحمد. وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره؛ وجب، وإلا فلا. وإنما لم يقيده أبو عبد اللَّه لسقوط الفرائض بالضرر. . اهـ
(3)
يقال: جَمَلٌ نِضْوٌ، أي: مهزول. "المصباح المنير"(2/ 838) و"المعجم الوسيط"(2/ 929).
(4)
البخاري، في الحج، باب وجوب الحج وفضله، وفي جزاء الصيد باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، وباب حج المرأة عن الرجل (2/ 140، 218) ومسلم، في الحج (2/ 973).
ويكفي أن ينوي النائب عن المستنيب وإن لم يسمه لفظًا، وإن نسي اسمه ونسبه نوى عمن دفع إليه المال ليحج ضنه (ويجزئه)(1) أي المستنيب فعل نائب (ما لم يبرأ قبل إحرام نائب) فإن برأ قبل إحرام نائبه لم يجزئه، لقدرته على المبدل قبل الشروع في البدل، ومن يُرجى برؤه لا يستنيب، فإن فعل لم يجزئه.
(وشرط لـ) وجوب حج أو عمرة على (امرأة مَحْرَم أيضًا) نصًّا (2)، قال: المحرم من السبيل (3). فمن لم يكن لها محرم لم يلزمها الحج بنفسها ولا بنائبها، ولا فرق بين الشابة والعجوز نصًّا (4)، ولا بين طويل السفر وقصيره، لحديث ابن عباس:"لا تسافر امرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. فقال رجل: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج؟ فقال: أخرج معها"(5). رواه أحمد.
والمحرم معتبر لمن لعورتها حكم، وهي بنت سبع سنين، فأكثر. ونفقة المحرم عليها، ولا يلزمه مع بذلها ذلك له سفر معها، وتكون كمن لا محرم لها (فإن أيست) المرأة (منه) أي من المحْرَم (استنابت) من يفعل النسك عنها، ككبير عاجز، والمراد أيست بعد أن وجدت المحرم، وفرطت بالتأخير، حتى فقد، لما قدمناه من نص الإمام (6)، وإن حجت بدون محرم حرم وأجزأ، وإن مات بالطريق مضت في حجها، إذ لا تستفيد برجوعها شيئًا، لأنها مع غير محرم.
(1) في "أخصر المختصرات"(ص 150): ويُجْزِآنِه.
(2)
"الفروع"(3/ 234).
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصدر السابق.
(5)
مسند أحمد (1/ 222، 346). وأخرجه أيضًا البخاري، في جزاء الصيد، باب حج النساء (2/ 219) ومسلم، في الحج (2/ 978).
(6)
المتقدم قريبًا.
(وإن مات من لزماه) أي الحج والعمرة، بأصل الشرع، أو بإيجابه على نفسه، ولو قبل التمكن من فعله (أخرجا من تركته) أي أخرج عنه من جميع مالِه حجة وعمرة من بلده، نصًّا (1)، لأن القضاء يكون بصفة الأداء، ولو لم يوص بذلك، لحديث ابن عباس، أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه، إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال:"نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دَيْن أكنت قاضيته؟ اقضوا اللَّه، فاللَّه أحق بالوفاء"(2) رواه البخاري.
ويجزئ أن يستناب عن معضوب (3)، أو ميت له وطنان، من أقرب وطنيه، ويجزئ من خارج بلده، إلى دون مسافة قصر.
ويسقط حج عمن وجب عليه، ومات قبله، بحج أجنبي عنه بدون مال، ودون إذن وارث، لأنه صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدين، وكذا عمرة، ولا يسقط عن حي معضوب، بفعل أجنبي إلا بإذنه، كدفع زكاة مال حي عنه بلا إذنه، بخلاف الدين، لأنه ليس بعبادة.
ومن وجب عليه نسك، ومات قبله، وضاق ماله عن أدائه من بلده، استنيب عنه من حيث بلغ، أو لزمه دَيْن وعليه حج، وضاق ماله عنهما، أخذ من ماله لحج بحصته كسائر الديون، وحج به من حيث بلغ، لحديث:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(4).
ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حج عن غيره، فرضًا، ولا نذرًا، ولا نفلًا، حيًا كان المحجوج عنه، أو ميتًا، فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام، لحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة قال:
(1)"الفروع"(249، 250).
(2)
البخاري، في جزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت (2/ 217، 218).
(3)
رجلٌ معضوبٌ: زَمِنٌ لا حراك به، كأن الزمانة عضبته ومنعه الحركة. "المصباح المنير"(2/ 567).
(4)
مسلم، في الحج (1/ 975) عن أبي هريرة.
حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة" (1). رواه الإمام أحمد، واحتج به.
ولو أحرم بنذر أو نفل من عليه حجة الإسلام، وقع حجه عنها، والنائب كالمنوب عنه.
(وسنَّ لمريد إحرام) قال ابن فارس (2): هو نية الدخول في التحريم، كأنه (3) يحرم على نفسه الطيب والنكاح وأشياء من اللباس، كما يقال: أشتى إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع. وشرعًا: نية النسك (4) -أي نية الدخول فيه- لا نية أن يحج أو يعتمر.
وسن لمريده (غسل) للخبر (5)، ولو حائضًا أو نفساء لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل (6) رواه مسلم. وأمر عائشة أن
(1) أبو داود، في المناسك، باب الرجل يحج مع غيره (2/ 403)، وابن ماجه، في المناسك، باب الحج عن الميت (2/ 969)، قال البيهقي في "سننه" (4/ 336): هذا إسناد صحيح، ليس في هذا الباب أصح منه. اهـ
وقال ابن الملقن في "الخلاصة"(1/ 345): إسناده على شرط مسلم.
وقد أعله الطحاوي بالوقف، والدارقطني بالإرسال، وابن المفلس الظاهري بالتدليس، وابن الجوزي بالضعف، وغيرهم بالاضطراب والانقطاع. وقد زال ذلك كله بما أوضحناه في الأصل. اهـ ينظر:"التلخيص الحبير"(2/ 237) وفي الباب أحاديث عدة. تنظر في كتاب "الأغسال" للدكتور عبد اللَّه الشريف (ص 287).
(2)
حلية الفقهاء بن فارس (ص 117).
(3)
كذا في الأصل. وفي "الحلية": كان الرجل يحرِّم على نفسه النكاح، والطيب، وأشياء من اللباس، فيقال: أحرم، أي: دخل في التحريم، كما يقال: أشتى. . اهـ
(4)
"التوضيح"(2/ 480).
(5)
الترمذي، في الحج، باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام (3/ 183، 184)، عن زيد بن ثابت، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل. وقال الترمذي: حسن غريب. اهـ
(6)
مسلم، في الحج (2/ 869) عن عائشة، وجابر رضي الله عنهما.
تغتسل لإهلال الحج وهي حائض (1). متفق عليه.
(أو تيمم لعذر) من عدم ماء، أو عجز عن استعماله، لنحو مرض، لعموم الآية (2)، ولا يضر حَدَثُه بين غسل وإحرام، كغسل الجمعة.
(و) سن له (تنظف) بأخذ شعره، وظفره، وقطع رائحة كريهة، ولأن الإحرام يمنع أخذ الشعر والأظفار، فاستحب قطعه قبله.
(و) سن له (تطيب في بدن) بما تبقى عينه كمسك، أو أثره كماء ورد وبخور، لقول عائشة: كنت أطيب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. وقالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم (3). متفق عليه.
(وكُره) لمريد إحرام تطيب (في ثوب) وله استدامة لبسه في إحرامه ما لم ينزعه، فإن نزعه، لم يلبسه حتى يغسل طيبه، لزومًا، لأن الإحرام يمنع الطيب، ولبس المطيب، دون الاستدامة. ومتى تعمد محرم مسَّ طيب على بدنه، أو نحاه عن موضعه ثم رده إليه، أو نقله إلى موضع آخر؛ فدى، لا إن سال بعَرَقٍ، أو شمس.
(و) سن لمريده (إحرام بإزار ورداء أبيضين) نظيفين جديدين، أو غسيلين، ونعلين، لحديث:"وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين"(4) رواه
(1) البخاري، في الحج، باب كيف تهل الحائض والنفساء (2/ 149) ومسلم، في الحج (2/ 870) عن عائشة في حديث طويل قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج، ودعي العمرة".
وفي حديث جابر عند مسلم (2/ 881): إن هذا أمر كتبه اللَّه على بنات آدم، فاغتسلي، ثم أهليّ بالحج.
(2)
{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} .
(3)
البخاري، في الحج، باب الطيب عند الإحرام (2/ 145) ومسلم، في الحج (2/ 846، 847).
(4)
مسند أحمد (2/ 34) من حديث ابن عمر، وقال الحافظ في التلخيص (2/ 253) رواه ابن =
أحمد، ويكون لبسه ذلك بعد تجرد ذكر من مخيط، كقميص، وسراويل، وخُفٍّ، لأنه صلى الله عليه وسلم"تجرد لإهلاله"(1) رواه الترمذي.
وسن إحرامه (عقب) صلاة (فريضة، أو) عقب صلاة (ركعتين) نفلًا، نصًا (2)، لأنه عليه السلام "أهل في دبر صلاة"(3) رواه النسائي (في غير وقت نهي) لتحريم النفل إذن، ويستحب أن يستقبل القبلة عند إحرامه، صح ذلك عن ابن عمر (4).
(ونيته) أي الإحرام (شرط) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(5) ولأنه عمل وعبادة محضة، فافتقر إليها، كالصلاة.
(والاشتراط فيه) أي الإحرام (سُنة) لحديث ضباعة بنت الزبير حين قالت له: إني أريد الحج، وأجدني وجعة. قال: حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني" (6) متفق عليه. زاد النسائي في رواية إسنادها
= المنذر في الأوسط، وأبي عوانة في صحيحه بسند على شرط الصحيح. اهـ
(1)
تقدم (ص 526).
(2)
"الإنصاف"(8/ 143).
(3)
النسائي، في مناسك الحج، باب العمل في الإهلال (5/ 162) عن ابن عباس، وأخرجه أيضًا الترمذي، في الحج، باب ما جاء متى أحرم النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 173) وقال: حسن غريب لا نعرف أحدًا رواه غير عبدالسلام بن حرب. وهو الذي يستحبه أهل العلم، أن يحرم الرجل في دبر الصلاة. اهـ قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 254): وفي إسناده خصيف، وهو مختلف فيه. اهـ
(4)
البخاري، في الحج، باب الإهلال مستقبل القبلة (2/ 148) عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنه إذا صلى بالغداة بذي الحليفة أمر براحلته، فرحلت، ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة، قائمًا، ثم يلبي، حتى يبلغ المَحْرَم، ثم يمسك، حتى إذا جاء ذا طوى بات به، حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
(5)
تقدم تخريجه (ص 53).
(6)
البخاري، في النكاح، باب الأكفاء في الدين (6/ 123) ومسلم، في الحج (2/ 867، 868) عن عائشة.
جيد: "فإن لك على ربك ما استثنيت"(1)، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فيسره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فيستفيد أنه متى حبس بمرض، أو عدو، ونحوه؛ حل، ولا شيء عليه، نصًّا (2)، ولو شرط أن يحل متى شاء، وإن أفسده، لم يقضه؛ لم يصح شرطه، لأنه لا عذر له فيه.
ويبطل إحرام ويخرج منه بردة، لعموم قوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (3) ولا يبطل بجنون، وإغماء وسكر كموت، ولا ينعقد إحرام مع وجود أحدها لعدم صحة القصد.
ويُخير مُريد إحرام بين ثلاثة أشياء: تمتع، فإفراد، فقران، وأفضل الثلاثة التمتع، كما قال:(وأفضل الأنساك التمتع) نصًّا (4)، فإنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ففي "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة، إلا من ساق هديًا (5)، وثبت على إحرامه لسوقه الهدي، وتأسف بقوله:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديًا، ولأحللت معكم"(6) ولا ينقل أصحابه إلا إلى الأفضل، ولا يتأسف إلا عليه، ولما في التمتع من اليسر والسهولة مع كمال أفعال النسكين.
(1) النسائي، في الحج، باب كيف يقول إذا اشترط (5/ 168) من حديث ابن عباس.
(2)
"شرح منتهى الإرادات"(2/ 13).
(3)
سورة الزمر، الآية:65.
(4)
"الفروع"(3/ 298).
(5)
البخاري، في الحج، باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج (2/ 151) ومسلم، في الحج (2/ 877) من حديث عائشة، وفيه: فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت: فحل من لم يكن ساق الهدي. . . الحديث.
(6)
أخرجه البخاري، في الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها، وفي العمرة باب عمرة التنعيم (2/ 171، 201) ومسلم، في الحج (2/ 884) عن جابر بن عبد اللَّه.
(وهو) أي التمتع (أن يحْرِمَ بعمرة في أشهر الحج) نصًا (1)، وهي: شوال، وذو القعدة، وتسع من ذي الحجة، نصًا (2). قال الأصحاب:(ويفرغ منها)، وفي "المستوعب" (3): ويتحلل (ثم) يحرم (به) أي الحج (في عامه) من مكة أو قربها أو بعيد منها، فلو كان أحرم قبل أشهر الحج لم يكن متمتعًا، ولو أتم أفعالها في أشهره.
(ثم) بعد التمتع في الأفضلية (الإفراد) لأن فيه كمال أفعال النسكين، (وهو) أي الإفراد (أن يحرم بحج) ابتداء (ثم) يحرم (بعمرة بعد فراغه منه) أي الحج مطلقًا.
(و) صفة (القِران أن يحرم بهما) أي الحج والعمرة (معًا أو) يُحرم (بها) أي العمرة ابتداء (ثم يدخله) أي الحج (عليها)، أي العمرة، لما في الصحيحين أن ابن عمر فعله، وقال: هكذا صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (4). ويكون إدخال حج عليها (قبل الشروع في طوافها) أي العمرة، فلا يصح بعد الشروع فيه لمن لا هدي معه، كما لو أدخله عليها بعد سعيها، وسواء كان في أشهر الحج، أو لا.
ويصح إدخال حج على عمرة ممن معه هدي ولو بعد سعيها، بل يلزمه، لأنه مضطر إليه، لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (5) ومن أحرم بالحج، ثم أدخل العمرة عليه، لم يصح إحرامه بها، لأنه لم يرد به أثرٌ، ولم يستفد به فائدة، بخلاف ما سبق، فلا يصير قارنًا،
(1)"الفروع"(3/ 299).
(2)
"الفروع"(3/ 287).
(3)
(4/ 52).
(4)
البخاري، في الحج، باب طواف القارن (2/ 168) وفي مواضع أخرى، ومسلم، في الحج (2/ 903).
(5)
سورة البقرة، الآية:196.
وعمل قارن كمفرد، نصًّا (1)، ويسقط ترتيبها، ويصير الترتيب للحج، كما يتأخر الحلاق إلى يوم النحر، فوطؤه قبل طواف القدوم لا يفسد عمرته، إذا وطئ وطئًا لا يفسد الحج، مثل إن وطئ بعد التحلل الأول.
(و) يجب (على كلِّ من متمتع وقارن إذا كان أُفقيًّا)، أي لم يكن من حاضري المسجد الحرام (دم نسك) لا دم جبران، إذ لا نقص في التمتع يجبره، وهذا في التمتع، والقران مقيس عليه، أما المتمتع فلقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) وذلك إجماعًا (3)، وأما القارن فلأنه ترفه بسقوط أحد السفرين، كالمتمتع (بشرطه) المعتبر له، وهو: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام للآية (4)، وهم أهل الحرم، ومن كان منه دون مسافة قصر، فمن كان له منزلان متأهل بهما، أحدهما دون مسافة قصر من الحرم، والآخر فوقها أو مثلها، لم يلزمه دم تمتع، ولو أحرم من أبعدهما.
الثاني: أن يعتمر في أشهر الحج، فلو أحرم بالعمرة في رمضان، ثم حل منها في شوال، لم يكن متمتعًا، كما تقدم آنفًا (5)، وإن أحرم الأفقي بعمرة في غير أشهر الحج، ثم أقام بمكة، واعتمر في الحل في أشهر الحج، وحج من عامه، فهو متمتع، نصًّا (6)، وعليه دم، لعموم الآية.
الثالث: أن يحج من عامه.
الرابع: أن لا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر فأكثر، فإن فعل، فأحرم بالحج، فلا دم عليه، نصًّا (7)، لما روي عن عمر، أنه قال: إذا اعتمر
(1)"شرح المنتهى"(2/ 14).
(2)
سورة البقرة، الآية:196.
(3)
"المغني"(5/ 351).
(4)
وهي قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
(5)
(ص 525).
(6)
"الشرح الكبير"(8/ 180).
(7)
"الشرح الكبير"(8/ 174).
في الحج ثم أقام فهو متمتع، فإن خرج ورجع فليس بمتمتع (1). وعن ابن عمر نحو ذلك (2).
الخامس: أن يحل من العمرة قباب إحرامه بالحج، فإن أحرم به قبل حله منها صار قارنًا.
السادس: أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده، أو من مسافة قصر من مكة، فلو أحرم من دون مسافة قصر من مكة، لم يكن عليه دم تمتع، ويكون حكمه حكم حاضري المسجد الحرام.
ولا يعتبر لوجوب دم تمتع وقران وقوع الحج والعمرة عن واحد، فلو اعتمر عن واحد، وحج عن آخر، وجب الدم بشرطه.
ولا تعتبر هذه الشروط في كون الآتي بالحج والعمرة يسمى متمتعًا، فإن المتعة تصح من المكي كغيره، لكن ليس عليه دم متعة، كما تقدم، ويلزم الدم بطلوع فجر يوم النحر.
ولا يسقط دم تمتع وقران بفساد نسكهما، لأن ما وجب الإتيان به في الصحيح وجب في الفاسد، كالطواف، وغيره، وسن لمفرد، وقارن؛ فسخ نيتهما، نصًا (3)، وينويان بإحرامهما عمرة مفردة، فمن كان منهما قد طاف وسعى، قصَّر وحلّ من إحرامه، وإن لم يكن طاف وسعى، فإنه يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا حلّا، أحرما بالحج، ليصيرا متمتعين، ما لم يسوقا هديًا، فإن ساقاه لم يصح الفسخ للخبر (4)، وكذا إن وقفا بعرفة، لم
(1) ذكره في "المغني"(5/ 354) بدون عزٍو.
(2)
كذلك ذكره في "المغني"(3/ 355) بدون عزو.
(3)
"الفروع"(3/ 328).
(4)
حديث جابر، البخاري، في الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف (2/ 171)، ومسلم في الحج (2/ 181) أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصروا، ويحلوا، إلا من كان معه الهدي. وكذا في حديث ابن عمر وعائشة المتفق عليهما، ينظر:"جامع الأصول"(3/ 119، 140).
يصح الفسخ أيضًا لعدم ورود ما يدل على إباحته.
وإن ساق الهدي متمتع، لم يكن له أن يُحلَّ من عمرته، فيحرم بحج إذا طاف وسعى لعمرته، قبل تحلل بحلق، لحديث ابن عمر: تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فقال:"من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه"(1) فإذا ذبحه يوم النحر منهما معًا، نصًا (2)، لأن التمتع أحد نوعي الجمع بين الحج والعمرة كالقران، ولا يصير قارنًا، لاضطراره لإدخال حج على عمرته.
(وإن حاضت متمتعة) أو نفست، قبل طواف العمرة (فخشيت فوات الحج) أو خشي غيرها فوات الحج (أحرمت به) أي الحج، وجوبًا (وصارت قارنة) لحديث مسلم: أن عائشة كانت متمتعة، فحاضت، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أهليِّ بالحج"(3)، ولم تقض هي، ولا غيرها، طواف القدوم، لفوات محله، كتحية المسجد.
ويجب على قارن وقف قبل طواف وسعي دمُ قران، إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام، قياسًا على التمتع كما تقدم (4)، فإن كان أحرم بالعمرة، وطاف وسعى لها، ثم أدخل الحج عليها، لسوقه الهدي، فعليه دم تمتع، وليس بقارن، كما تقدم، وتسقط العمرة عن القارن، فتندرج أفعالها في الحج، لحديث ابن عمر مرفوعًا:"من أحرم بالحج والعمرة، أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما، حتى يحل منهما جميعًا" إسناده جيد، رواه النسائي، والترمذي، وقال: حسن غريب (5).
(1) البخاري، في الحج، باب من ساق البدن معه (2/ 181) ومسلم، في الحج (2/ 901) حديث 1227.
(2)
"شرح المنتهي"(2/ 16).
(3)
مسلم، في الحج (2/ 870، 880).
(4)
(ص 521).
(5)
الترمذي، في الحج، باب ما جاء أن القارن يطوف طوافًا واحدًا (3/ 275)، والنسائي في =
ومن أحرم فلم يعين نسكًا، صح إحرامه، وصرفه لما شاء من الأنساك، وما عمل قبل صرفه لأحدها فهو لغو، لا يعتد به، لعدم التعيين، وإن أحرم بما أو بمثل ما أحرم به فلان، وعلم ما أحرم به قبل إحرامه أو بعده، انعقد إحرامه بمثله، لحديث جابر، أن عليًا قدم من اليمن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"بمَ أهللت؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأهل وامكث حرامًا"(1)، وعن أبي موسى نحوه، متفق عليهما (2). فإن تبين إطلاق الثاني صرفه لما شاء.
ومن أحرم بحجتين أو بعمرتين، انعقد بأحدهما، لأن الزمن لا يصلح لهما مجتمعين، فصح بواحد منهما كتفريق الصفقة.
ومن أحرم بنسك، أو بنذر، فنسيه قبل طواف، صرفه إلى عمرة استحبابًا، لأنه اليقين، ويجوز إلى غيرها، فإن صرفه إليه صح حجًّا فقط، لاحتمال أن يكون المنسي حجًا مفردًا، فلا يصح إدخال عمرة عليه، فلا تسقط بالشك، ولا دم عليه، لأنه ليس بمتمتع ولا قارن، وإن صرفه إلى تمتع فكفسخ حج إلى عمرة، فيصح، إن لم يقف بعرفة، ولم يسق هديًا، كما تقدم (3)، ويلزمه دم متعة بشروطه المتقدمة، ويجزئه تمتعه عن الحج والعمرة، لصحتهما بكل حال.
ومن أخذ من اثنين حجتين ليحج عنهما في عام واحد أدِّبَ على فعله
= مناسك الحج، باب طواف القارن (5/ 225، 226)، قال الترمذي: صحيح غريب، وقد رواه غير واحد عن عبد اللَّه بن عمر. ولم يرفعوه. وهو أصح. اهـ
وابن ماجه، في المناسك، باب طواف القارن (2/ 991).
(1)
البخاري، في الحج، باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 149)، ومسلم، في الحج (2/ 883، 884).
(2)
البخاري، في الحج، باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال. . . (2/ 149) ومسلم، في الحج (2/ 895).
(3)
(ص 523).
ذلك، لأنه فعل محرمًا، وإن أحرم عن أحدهما بعينه، صح، ولم يصح إحرامه للآخر في تلك السنة.
(وتسن التلبيةُ) لمن أحرم، عين نسكًا، أو لم يعينه، عقب إحرامه، لقول جابر: فأهل رسول اللَّه بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. . . الحديث متفق عليه (1). فتسن التلبية كتلبيته صلى الله عليه وسلم.
والتلبية من ألبَّ بالمكان إذا لزمه (2)، كأنه قال: أنا مقيم على طاعتك وأمرك. وثنيت وكررت، ولفظ لبيك مثنى، ولا واحد له من لفظه، ومعناه التكثير (3)، ولا تستحب الزيادة عليها.
وسن ذكر نسكه في التلبية، والقارن يبدأ بذكر العمرة لحديث أنس سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"لبيك عمرة وحجًا"(4) متفق عليه.
ويسن الإكثار من التلبية، لحديث "ما من مسلم يَضحى للَّه، يلبي حتى تغيب الشمس، إلا غابت بذنوبه، فعاد كما ولدته أمه"(5) رواه ابن ماجه.
(وتتأكد) التلبية (إذا علا نشزًا) بالتحريك، أي مكانًا
(1) أخرجه مسلم، في الحج، في حديث طويل (2/ 886، 892) وليس هو في صحيح البخاري من حديث جابر، ينظر:"هداية السالك" للكناني (2/ 509).
(2)
"القاموس المحيط"، (ص 170).
(3)
ينظر رسالة ابن رجل "شرح حديث لبيك اللهم لبيك" وهو حديث زيد بن ثابت في أذكار الصباح (ص 23).
(4)
البخاري، في الحج، باب التحميد والتسبيح، وباب نحر البدن قائمة (2/ 147، 186) ومسلم، في الحج (2/ 905) ولفظ البخاري: أهل بعمرة وحجة.
(5)
ابن ماجه، المناسك، باب الظلال للمحرم (2/ 976) من حديث جابر.
قال البوصيري في "الزوائد": إسناده ضعيف، لضعف عاصم بن عبد اللَّه، وعاصم بن عمر بن حفص.
مرتفعًا (1)(أو هبط واديًا أو صلى مكتوبة، أو أقبل ليل، أو) أقبل (نهار، أو التقت الرفاق، أو ركب) دابته (أو نزل) عنها (أو سمع ملبيًا، أو رأى البيت، أو فعل محظورًا ناسيًا) لحديث جابر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي في حجته إذا لقي راكبًا، أو على أكمة، أو هبط واديًا، وفي أدبار الصلوات المكتوبة، وفي آخر الليل"(2).
وسن جهر ذكر بها، لقول أنس: سمعتهم يصرخون بها صراخًا (3). رواه البخاري، وخبر السائب بن خلاد:"أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية"(4) رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
ولا تسن التلبية في مساجد الحلِّ، وأمصاره، بخلاف البراري، وعرفات، والحرم، ومكة. قال أحمد: إذا أحرم في مصره، لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز، لقول ابن عباس لمن سمعه يلبي بالمدينة: إن هذا لمجنون، إنما التلبية إذا برزت (5). ولا يلبي في طواف القدوم، والسعي بعده، لئلا يخلط على الطائفين والساعين. وتشرع التلبية بالعربية لقادر عليها، وإلا فبلغته.
(1)"المصباح المنير"(2/ 831).
(2)
قال الحافظ في "التلخيص"(2/ 254، 255) رواه ابن عساكر في "تخريجه لأحاديث المهذب" من طريق عبد اللَّه بن محمد بن ناجية في "فوائده" بإسناد له إلى جابر. وفي إسناده من لا يعرف. . اهـ
(3)
البخاري، في الحج، باب رفع الصوت بالإهلال (2/ 147) وفي الجهاد باب الخروج بعد الظهر، وباب الارتداف في الغزو والحج (4/ 6، 14) ولفظه: يصرخون بهما جميعًا.
(4)
الإمام أحمد (4/ 55، 56) وأبو داود، في الحج، باب كيف التلبية (2/ 405)، والنسائي في الحج باب رفع الصوت بالإهلال (5/ 162)، وابن ماجه، في المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية (2/ 975)، وقال الترمذي: صحيح. اهـ وقال ابن مفلح في "الفروع"(3/ 343): أسانيده جياد. اهـ
(5)
"الفروع"(3/ 343، 344).
وسن دعاء بعدها، فيسأل اللَّه الجنة، ويستعيذ به من النار، ويدعو بما أحب، لحديث الدارقطني، عن خزيمة بن ثابت: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته، سأل اللَّه مغفرته ورضوانه، واستعاذ برحمته من النار (1).
وسن صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، لأنه موضع شرع فيه ذكر اللَّه، فشرع فيه ذكر رسوله، كأذان. ولا يسن تكرارها في حالة واحدة. قاله أحمد (2). لعدم وروده.
وكره لأنثى جهر بتلبية، مخافة الفتنة بها، ولا يكره لحلال تلبية، كسائر الأذكار.
(وكره إحرام) بحج أو عمرة (قبل ميقات) وينعقد، لما روى سعيد، عن الحسن، أن عمران بن حصين أحرم من مصره، فبلغ ذلك عمر، فغضب، وقال: يتسامع الناس أن رجلًا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره (3).
وقال البخاري: كره عثمان أن يحرم من خراسان وكرمان (4).
(1) الدارقطني، الحج، باب المواقيت (2/ 238) وفي آخره: قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أيضًا الشافعي "ترتيب مسند الشافعي"(1/ 307)، وقال الشيخ العظيم آبادي في "التعليق المغني على سنن الدارقطني": وفيه صالح بن محمد، وهو مدني ضعيف. اهـ
(2)
"الفروع"(3/ 345).
(3)
وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة، كتاب الحج، من كره تعجيل الإحرام (ص 82) -القسم الأول من الجزء الرابع (الجزء المفقود) بنحوه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 217): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن لم يسمع من عمر.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الحج، باب قول اللَّه تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. . .} (2/ 150) وأخرج ابن أبي شيبة (ص 82) عن الحسن، أن ابن عامر أحرم من خراسان، فعاب ذلك عليه عثمان بن عفان وغيره. =
ولحديث أبي يعلى الموصلي (1)، عن أبي أيوب مرفوعًا:"يستمتع أحدكم بحله ما استطاع، فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه"(2).
(و) كره إحرام (بحج قبل أشهره) قال في "الشرح"(3): بغير خلاف علمناه. وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، منها يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، لحديث ابن عمر مرفوعًا:"يوم النحر يوم الحج الأكبر"(4) رواه البخاري، وقال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (5) أي في أكثرهن، وإنما فات الحج بفجر يوم النحر، لفوات الوقوف، لا لفوات الحج، ثم الجمع يقع على اثنين وبعض آخر، والعرب تغلب التأنيث في العدد خاصة لسبق الليالي فتقول: سرنا عشرًا.
وينعقد إحرام الحج بحج في غير أشهره، لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (6) وكلها مواقيت للناس، فكذا
= وكرمان، بالكسر، والفتح وهو أشهر بالصحة، وهي: ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان. . "معجم البلدان"(4/ 454).
(1)
أحمد بن علي بن المثنى، الإمام الحافظ. ولد سنة (210 هـ). صنف "المسند" وغيره. توفي سنة (307). "سير أعلام النبلاء"(14/ 174، 182).
(2)
ليس في مسنده حسب بحثي فيه. وأخرجه البيهقي، في الحج، باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . . (5/ 30، 31) وقال: هذا إسناد ضعيف، واصل بن السائب منكر الحديث، قاله البخاري وغيره. وروي فيه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وهو عن عثمان مشهور، وإن كان الإسناد منقطعًا، اهـ
(3)
المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (8/ 131).
(4)
البخاري، في الحج، باب الخطبة أيام منى (2/ 192)، وقال هشام بن الغاز: أخبرني نافع عن ابن عمر: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا، وقال: هذا يوم الحج الأكبر. . . وأخرجه أبو داود، في المناسك، باب يوم الحج الأكبر (2/ 483) وابن ماجه، في الحج، باب الخطبة يوم النحر (2/ 1516) متصلًا.
(5)
سورة البقرة، الآية:197.
(6)
سورة البقرة، الآية:189.
الحج كالميقات المكاني، وقوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ} أي: معظمه فيها، كحديث "الحج عرفة" (1). وقول ابن عباس: السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج (2). على الاستحباب، والإحرام تتراخى الأفعال عنه، فهو كالطهارة، ونية الصوم، بخلاف نية الصلاة.
(1) أبو داود، في المناسك، باب من لم يدرك عرفة (2/ 486)، والترمذي، في الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (3/ 228) والنسائي في الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة (5/ 264)، وابن ماجه في المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (2/ 1003) عن عبد اللَّه بن يعمر الديلي، وصححه الحاكم في "المستدرك"(1/ 464، 2/ 278).
(2)
البخاري، في الحج، باب قوله اللَّه تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. . .} (2/ 150) معلقًا، ورواه ابن أبي شيبة والحاكم (1/ 448) موصولًا، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.