الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَكَانَ أَوِ الزَّمَانَ أَوْ صِفَةَ الْعَمَل أَوْ مَنْ يُعَامِلُهُ، بَل قَال لَهُ: خُذْ هَذَا الْمَال مُضَارَبَةً عَلَى كَذَا فَلَهُ الْبَيْعُ، وَلَهُ الاِسْتِئْجَارُ، وَلَهُ التَّوْكِيل، وَلَهُ الرَّهْنُ، وَلَهُ الإِِِْبْضَاعُ، وَالإِِِْحَالَةُ، لأَِنَّ كُل ذَلِكَ مِنْ عَمَل التُّجَّارِ.
بِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ (1) ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَهَبَ إِِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.
فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ لِلْعَامِل الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِعَرْضِ وَإِِِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ إِِذِ الْغَرَضُ الرِّبْحُ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ (2) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِل أَنْ يَفْعَلَهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوِ الْقَبْضِ وَالإِِِْقْبَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (3) .
وَإِِِنْ أَطْلَقَ رَبُّ الْمَال فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ حَالًّا.
وَفِي جَوَازِ الْبَيْعِ نَسِيئَةً رِوَايَتَانِ:
إِِحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ نَائِبٌ فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيْعُ نَسِيئَةً بِغَيْرِ إِِذْنٍ صَرِيحٍ كَالْوَكِيل وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّائِبَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ إِِلَاّ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ وَالاِحْتِيَاطِ، وَفِي النَّسِيئَةِ تَغْرِيرٌ بِالْمَال، وَقَرِينَةُ الْحَال تُقَيِّدُ مُطْلَقَ الْكَلَامِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَال: بِعْهُ حَالًّا.
(1) بدائع الصنائع 6 / 87 - 90، وانظر الاختيار 3 / 20.
(2)
نهاية المحتاج 5 / 229 - 231، والمهذب 1 / 387.
(3)
كشاف القناع 3 / 511.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً - وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ - لأَِنَّ إِِذْنَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَنْصَرِفُ إِِلَى التِّجَارَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلأَِنَّهُ يَقْصِدُ الرِّبْحَ، وَهُوَ فِي النَّسَاءِ أَكْثَرُ، وَيُفَارِقُ الْوَكَالَةَ الْمُطْلَقَةَ فَإِِِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِقَصْدِ الرِّبْحِ وَإِِِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيل الثَّمَنِ فَحَسْبُ، فَإِِِذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ كَانَ أَوْلَى (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ لِلْعَامِل شِرَاءَ الْمَعِيبِ إِِنْ رَأَى ذَلِكَ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ طَلَبُ الْحَظِّ، وَقَدْ يَكُونُ الرِّبْحُ فِي الْمَعِيبِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لِلْعَامِل الرِّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَإِِِنِ اقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ إِِمْسَاكَهُ فَلَا يَرُدُّهُ فِي الأَْصَحِّ لإِِِِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ (3) .
33 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
سَفَرِ الْعَامِل بِمَال الْمُضَارَبَةِ
وَالأَْصْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ - أَنَّ لِلْمُضَارِبِ السَّفَرَ بِمَال الْمُضَارَبَةِ إِِنْ أَطْلَقَ رَبُّ الْمَال الإِِِْذْنَ لِلْعَامِل وَلَمْ يُقَيِّدْهُ، لأَِنَّ الإِِِْذْنَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إِِلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَهِيَ جَارِيَةٌ بِالتِّجَارَةِ
(1) المغني 5 / 39 - 40.
(2)
نهاية المحتاج 5 / 229 - 231، والمهذب 1 / 387، والمغني 5 / 44.
(3)
المراجع السابقة.
سَفَرًا وَحَضَرًا، وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ اسْتِنْمَاءُ الْمَال وَهَذَا الْمَقْصُودُ بِالسَّفَرِ أَوْفَرُ، وَلأَِنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنِ الْمَكَانِ فَيَجْرِي عَلَى إِِطْلَاقِهِ، وَلأَِنَّ مَأْخَذَ الاِسْمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لأَِنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الأَْرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ طَلَبًا لِلْفَضْل. فَمَلَكَ السَّفَرَ بِمُطْلَقِهَا، قَال تَعَالَى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْل اللَّهِ} (1) .
وَنَقَل أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: إِِذَا دَفَعَ إِِلَيْهِ الْمَال بِالْكُوفَةِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِيهَا فَلَيْسَ لِلْعَامِل أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَال، وَلَوْ كَانَ الدُّفَعُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْكُوفَةِ فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، لأَِنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْمَال مُخَاطَرَةٌ بِهِ فَلَا تَجُوزُ إِِلَاّ بِإِِِذْنِ رَبِّ الْمَال نَصًّا أَوْ دَلَالَةً، فَإِِِذَا دَفَعَ إِِلَيْهِ الْمَال فِي بَلَدِهِمَا فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالسَّفَرِ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، وَإِِِذَا دَفَعَ إِِلَيْهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا فَقَدْ وَجَدَ دَلَالَةَ الإِِِْذْنِ بِالرُّجُوعِ إِِلَى الْوَطَنِ، لأَِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الإِِِْنْسَانَ لَا يَأْخُذُ الْمَال مُضَارَبَةَ وَيَتْرُكُ بَلَدَهُ، فَكَانَ دَفْعُ الْمَال فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا رِضًا بِالرُّجُوعِ إِِلَى الْوَطَنِ فَكَانَ إِِذْنًا دَلَالَةً (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: سَفَرُ الْعَامِل بِمَال الْمُضَارَبَةِ
(1) سورة المزمل / 20.
(2)
بدائع الصنائع 6 / 88، والشرح الصغير 3 / 694، وروضة الطالبين 5 / 134، والإنصاف 5 / 418، والمغني 5 / 41.
يَجُوزُ إِِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ (أَيْ لَمْ يَمْنَعْهُ) رَبُّ الْمَال قَبْل شَغْل الْمَال، فَإِِِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْل شَغْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ، فَإِِِنْ خَالَفَ وَسَافَرَ ضَمِنَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَالَفَ وَسَافَرَ بَعْدَ شَغْلِهِ إِِذْ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَال مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ بَعْدَهُ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِِنْ أَذِنَ رَبُّ الْمَال فِي السَّفَرِ أَوْ نَهَى عَنْهُ أَوْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَحَدِ الأَْمْرَيْنِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ، وَثَبَتَ مَا أَمَرَ بِهِ وَحَرُمَ مَا نَهَى عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ السَّفَرُ فِي مَوْضِعٍ مَخُوفٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ السَّفَرُ فِي طَرِيقٍ مَخُوفٍ وَلَا إِِلَى بَلَدٍ مَخُوفٍ، فَإِِِنْ فَعَل فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَتْلَفُ، لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِفِعْل مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْل أَبِي يُوسُفَ - فِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ الإِِِْمْلَاءِ عَنْهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِل أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَال وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا وَالطَّرِيقُ آمِنًا وَلَا مُؤْنَةَ فِي السَّفَرِ بِلَا إِِذْنٍ مِنَ الْمَالِكِ، لأَِنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَطَرِ.
وَقَال الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: مَحَل امْتِنَاعِ السَّفَرِ إِِلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ بَلَدِ الْمُضَارَبَةِ إِِذَا لَمْ يَعْتَدْ أَهْل بَلَدِ
(1) الشرح الصغير 3 / 694.
(2)
المغني 5 / 41، والإنصاف 5 / 418.