الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِنْسِ مَا عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، لأَِنَّ الْمُقَاصَّةَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ الْمَالِيَّةُ، وَالأَْمْوَال كُلُّهَا فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (1) .
أَنْوَاعُ الْمُقَاصَّةِ
5 -
الْمُقَاصَّةُ نَوْعَانِ:
أ - اخْتِيَارِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي تَحْصُل بِتَرَاضِي الْمُتَدَايِنَيْنِ
ب - وَجَبْرِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي تَحْصُل بِتَقَابُل الدَّيْنَيْنِ بِشُرُوطِ مُعَيَّنَةٍ.
وَيُشْتَرَطُ لِحُصُول الْمُقَاصَّةِ الْجَبْرِيَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ اتِّحَادُ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا وَوَصْفًا، وَحُلُولاً، وَقُوَّةً وَضَعْفًا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمُقَاصَّةِ الاِخْتِيَارِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْوَصْفِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالآْخَرُ مُؤَجَّلاً، أَوْ أَحَدُهُمَا قَوِيًّا وَالآْخَرُ ضَعِيفًا فَلَا يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا إِلَاّ بِتَرَاضِي الْمُتَدَايِنَيْنِ سَوَاءٌ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ (2) .
(1) بدائع الصنائع 5 / 234، والهداية وشروحها 5 / 380 ط بولاق، ونيل الأوطار 5 / 254، 255، ومواهب الجليل 4 / 549.
(2)
مرشد الحيران المادة (225، 226) والأم للشافعي 8 / 59 ط دار المعرفة، والمنثور في القواعد للزركشي 1 / 391، والمغني 9 / 447، 448.
وَالْمَالِكِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِالْمُقَاصَّةِ الْجَبْرِيَّةِ الَّتِي تَقَعُ بِنَفْسِهَا إِلَاّ نَادِرًا.
قَال الدُّسُوقِيُّ: غَالِبُ أَحْوَال الْمُقَاصَّةِ الْجَوَازُ، أَمَّا وُجُوبُهَا فَهُوَ قَلِيلٌ إِذْ هُوَ فِي أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ: إِذَا حَل الدَّيْنَانِ، أَوِ اتَّفَقَا أَجَلاً، أَوْ طَلَبَهَا مَنْ حَل دَيْنُهُ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ (1) .
مَحَل الْمُقَاصَّةِ الْجَبْرِيَّةِ وَشُرُوطُهَا
6 -
مَحَل الْمُقَاصَّةِ الدَّيْنُ فَلَا تَقَعُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ وَلَا بَيْنَ عَيْنٍ وَدَيْنٍ إِلَاّ إِذَا تَحَوَّلَتِ الْعَيْنُ إِلَى دَيْنٍ، فَإِنْ تَحَوَّلَتْ جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ بِالدَّيْنِ الَّذِي تَحَوَّلَتِ الْعَيْنُ إِلَيْهِ بِشُرُوطِهِ.
7 -
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْوَصْفِ أَوِ الأَْجَل أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَكْسُورًا وَالآْخَرُ صَحِيحًا لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ الْجَبْرِيَّةُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَقَاصَّ الْمُتَدَايِنَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا (2) .
وَإِذَا أَتْلَفَ الدَّائِنُ عَيْنًا مِنْ مَال الْمَدْيُونِ وَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ سَقَطَتْ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِلَا تَرَاضِيهِمَا (3) .
(1) حاشية الدسوقي 3 / 227.
(2)
حاشية ابن عابدين 4 / 239، 240، والفتاوى الهندية 3 / 230.
(3)
مرشد الحيران المادة (230) .
وَطَرِيقَةُ الْمُقَاصَّةِ مُطْلَقًا أَنَّهَا تَقَعُ بِقَدْرِ الأَْقَل مِنَ الدَّيْنَيْنِ: فَإِنْ كَانَ لأَِحَدِهِمَا مِائَةُ رِيَالٍ دَيْنًا عَلَى الآْخَرِ، وَلِلْمَدْيُونِ عَلَيْهِ مِائَةُ جُنَيْهٍ مَثَلاً، وَتَقَاصَّا يَسْقُطُ مِنْ قِيمَةِ الْجُنَيْهَاتِ قِصَاصًا بِقَدْرِ الرِّيَالَاتِ وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الْجُنَيْهَاتِ مَا بَقِيَ مِنْهَا (1) .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلدَّائِنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلِلْمَدْيُونِ عَلَى الدَّائِنِ مِائَةُ دِينَارٍ، فَإِذَا تَقَاصَّا: تَصِيرُ الدَّرَاهِمُ قِصَاصًا بِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ، وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ مَا بَقِيَ مِنْهَا (2) .
8 -
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُقَاصَّةُ فِي الدُّيُونِ مِنْهَا مَا يَجُوزُ، وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ، وَالْجَوَازُ نَظِيرٌ لِلْمُتَارَكَةِ، وَالْمَنْعُ تَغْلِيبٌ لِلْمُعَاوَضَةِ أَوِ الْحَوَالَةِ إِذَا لَمْ تَتِمَّ شُرُوطُهَا، وَإِذَا قَوِيَتِ التُّهْمَةُ وَقَعَ الْمَنْعُ، وَإِنْ فُقِدَتْ حَصَل الْجَوَازُ، وَإِنْ ضَعُفَتْ حَصَل الْخِلَافُ.
فَإِذَا كَانَ لِرَجُل عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَكَانَ لِذَلِكَ الآْخَرِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَرَادَ اقْتِطَاعَ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ مِنَ الآْخَرِ لِتَقَعَ الْبَرَاءَةُ بِذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو: أَنْ يَتَّفِقَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ أَوْ يَخْتَلِفَا:
(1) مرشد الحيران المادة (227) .
(2)
حاشية ابن عابدين 4 / 239، 240، والفتاوى الهندية 3 / 230.
فَإِنِ اخْتَلَفَا جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ مِثْل أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ عَيْنًا وَالآْخَرُ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا وَالآْخَرُ طَعَامًا.
وَإِنِ اتَّفَقَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ فَلَا يَخْلُو:
9 -
أ - أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُمَا عَيْنَيْنِ: فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِي دَيْنَيِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالآْخَرُ مِنْ قَرْضٍ بِشُرُوطٍ هِيَ:
أَنْ يَتَّحِدَا قَدْرًا وَصِفَةً حَل الدَّيْنَانِ مَعًا أَوْ حَل أَحَدُهُمَا أَمْ لَا، بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ اتَّفَقَ أَجَلُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ.
وَإِنَّمَا جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ الْمُعَاوَضَةُ وَالْمُبَارَأَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ.
وَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَ دَيْنَا الْعَيْنِ فِي الصِّفَةِ أَيْ: الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْقَدْرِ أَيِ الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ كَدَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ، أَوْ مَعَ اخْتِلَافِهِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ إِنْ حَلَاّ مَعًا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ أَوِ اخْتَلَفَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالآْخَرُ مِنْ قَرْضٍ، إِذْ هِيَ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ مُبَادَلَةُ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَعَ اخْتِلَافِهِ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَهُمَا جَائِزَانِ بِشَرْطِ التَّعْجِيل فِي الأَْوَّل وَالْحُلُول فِي الثَّانِي.
وَإِنْ لَمْ يَحِلَاّ: وَاتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا، أَوْ حَل أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ فَلَا تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ لأَِنَّهَا مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ بَدَلٌ مُؤَخَّرٌ، وَمَعَ اخْتِلَافِهِ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ، كَأَنِ اتَّفَقَا نَوْعًا وَاخْتَلَفَا زِنَةً حَال كَوْنِهِمَا مِنْ بَيْعٍ كَدِينَارِ كَامِلٍ وَدِينَارٍ نَاقِصٍ فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا إِنْ حَلَاّ وَإِلَاّ فَلَا، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْعَدَدِ.
وَإِذَا كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ قَرْضٍ: مُنِعَتِ الْمُقَاصَّةُ سَوَاءٌ حَلَاّ، أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يَحِلَاّ، اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا.
وَإِنْ كَانَا مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ مُنِعَتْ إِنْ لَمْ يَحِلَاّ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، فَإِذَا حَلَاّ: فَإِنْ كَانَ الأَْكْثَرُ هُوَ الَّذِي مِنْ بَيْعٍ مُنِعَتْ، لأَِنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ قَرْضٍ بِزِيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ جَازَتْ، لأَِنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ بَيْعٍ بِزِيَادَةِ وَهِيَ جَائِزَةٌ (1) .
10 -
ب - إِذَا كَانَا طَعَامَيْنِ: إِذَا كَانَ الدَّيْنَانِ أَصْلُهُمَا طَعَامَانِ فَلَا يَخْلُو:
1 -
أَنْ يَكُونَا مِنْ قَرْضٍ: وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ حُكْمُ الْمُقَاصَّةِ فِيهَا كَحُكْمِ دَيْنَيِ الْعَيْنِ فِي صُوَرِ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ.
فَتَجُوزُ إِنِ اتَّفَقَا صِفَةً وَقَدْرًا سَوَاءٌ حَلَاّ أَوْ
(1) القوانين الفقهية / 297، وحاشية الدسوقي 3 / 228، وجواهر الإكليل 2 / 77.
حَل أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَحِلَاّ، اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا، أَوِ اخْتَلَفَا صِفَةً مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ أَوِ اخْتِلَافِهِ.
وَلَا تَجُوزُ إِنْ لَمْ يَحِلَاّ أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا كَأَنِ اخْتَلَفَا قَدْرًا.
2 -
أَنْ يَكُونَا مِنْ بَيْعٍ: حَيْثُ تُمْنَعُ الْمُقَاصَّةُ فِي الطَّعَامَيْنِ إِذَا كَانَا مُرَتَّبَيْنِ فِي الذِّمَّتَيْنِ مِنْ بَيْعٍ، سَوَاءٌ حَل أَجَلُهُمَا أَوْ أَجَل أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يَحِلَاّ، اتَّفَقَ أَجَلُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ، وَلَوْ مُتَّفِقَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً لأَِنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْل قَبْضِهِ.
وَقَال أَشْهَبُ: تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الطَّعَامَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَالْحُلُول بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالإِْقَالَةِ
3 -
إِذَا كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ: فَإِنَّ دَيْنَيِ الطَّعَامِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالآْخَرُ مِنْ قَرْضٍ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا بِشَرْطَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْجِنْسِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ.
وَلَا تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ إِنْ لَمْ يَحِلَاّ بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ حَل أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَحِل الآْخَرُ، لاِخْتِلَافِ الأَْغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الأَْجَل (1) .
(1) المراجع السابقة.
11 -
ج - إِذَا كَانَا عَرَضَيْنِ: وَالْمُرَادُ بِالْعَرَضِ هُنَا مَا قَابَل الْعَيْنَ وَالطَّعَامَ فَيَشْمَل الْحَيَوَانَ، فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِي الدَّيْنَيْنِ إِذَا كَانَا عَرَضَيْنِ مُطْلَقًا عَنِ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَبِكَوْنِهِمَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا أَجَلاً أَوْ لَا حَل أَجَلُهُمَا أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يَحِلَاّ، لِبُعْدِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ فِي الْعَرَضِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعٌ وَإِطْلَاقُ الْمُقَاصَّةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَهَذَا إِنِ اتَّحَدَا جِنْسًا وَصِفَةً كَثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ أَوْ مَرَوِيَّيْنِ، أَوْ ثَوْبَيْنِ مِنَ الْقُطْنِ جَيِّدَيْنِ أَوْ رَدِيئَيْنِ.
وَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَا أَجَلاً: بِأَنْ أُجِّلَا بِأَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَثَوْبٍ وَكِسَاءٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَجُوخَةٍ مُنِعَتِ الْمُقَاصَّةُ إِنْ لَمْ يَحِلَاّ مَعًا، أَوْ لَمْ يَحِل أَحَدُهُمَا، وَإِلَاّ جَازَتْ، أَيْ تَجُوزُ بِحُلُول أَحَدِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ لاِنْتِفَاءِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ.
وَإِنِ اتَّحَدَا جِنْسًا كَثَوْبَيْ قُطْنٍ، وَالصِّفَةُ مُتَّفِقَةٌ: كَهَرَوِيَّيْنِ أَوْ مَرَوِيَّيْنِ، أَوْ مُخْتَلِفَةٌ: كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيًّا وَالآْخَرُ مَرَوِيًّا جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ إِنِ اتَّفَقَ الأَْجَل، وَأَحْرَى إِنْ حَلَاّ، لِبُعْدِ التُّهْمَةِ، وَإِلَاّ بِأَنِ اخْتَلَفَ الأَْجَل مَعَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ فَلَا تَجُوزُ مُطْلَقًا: سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (1) .
(1) حاشية الدسوقي 3 / 229، 230، والقوانين الفقهية 298، وجواهر الإكليل 2 / 77.
12 -
وَلِلْمُقَاصَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - أَنْ يَكُونَ فِي الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ، فَأَمَّا الأَْعْيَانُ فَلَا يَصِيرُ بَعْضُهَا قِصَاصًا عَنْ بَعْضٍ لأَِنَّهُ يَكُونُ كَالْمُعَاوَضَةِ فَيَفْتَقِرُ إِلَى التَّرَاضِي. وَلأَِنَّ الأَْغْرَاضَ تَخْتَلِفُ فِي الأَْعْيَانِ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ فَإِنَّهَا فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ فَلَا مَعْنَى لِقَبْضِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَدِّهِ إِلَيْهِ، وَمِنْ أَجْل هَذَا الشَّرْطِ امْتَنَعَ أَخْذُ مَال الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا كَانَ مُقِرًّا بَاذِلاً لِلْحَقِّ، لأَِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الدَّفْعِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَلَوْ أَخَذَهُ ضَمِنَهُ، وَلَا يُقَال يَصِيرُ قِصَاصًا عَنْ حَقِّهِ، لأَِنَّ الْقِصَاصَ فِي الدُّيُونِ لَا فِي الأَْعْيَانِ.
ب - أَنْ يَكُونَ فِي الأَْثْمَانِ، أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ كَالطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ فَلَا تَقَاصَّ فِيهَا، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: بِأَنَّ مَا عَدَا الأَْثْمَانِ يُطْلَبُ فِيهَا الْمُعَايَنَةُ.
وَحَكَى الإِْمَامُ فِي جَرَيَانِ الْمُقَاصَّةِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ جَرَيَانَهُ، وَقَال ابْنُ الرِّفْعَةِ إِنَّهُ الْمَنْصُوصُ كَمَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ.
ج - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَا سَلَمَيْنِ، لَمْ يَجُزْ قَطْعًا وَإِنْ تَرَاضَيَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ.
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَوَازَ، لَكِنَّ الْمَنْقُول عَنِ الأُْمِّ مَنْعُ التَّقَاصِّ فِي السَّلَمِ.
د - أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْحُلُول وَالأَْجَل، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالآْخَرُ دَنَانِيرَ لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ.
هـ - أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا مِنَ الآْخَرِ، فَإِنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الآْخَرِ، فَقَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يَجْرِي بِلَا خِلَافٍ، وَقَال الإِْمَامُ فِيهِ احْتِمَالٌ.
و أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَى الاِحْتِيَاطِ، وَلِهَذَا قَال ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَفْرُ الْمُسْتَحِقِّ بِحَقِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ، إِلَاّ فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَالأَْيْتَامِ وَالأَْمْوَال الْعَامَّةِ لأَِهْل الإِْسْلَامِ.
ز - أَنْ لَا يَكُونَ فِي قِصَاصٍ وَلَا حَدٍّ، فَلَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ لَمْ يَتَقَاصَّا، وَلَوْ تَجَارَحَ رَجُلَانِ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا دِيَةُ الآْخَرِ (1) .
13 -
وَعَلَى هَذَا لَوْ ثَبَتَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، وَلِلآْخَرِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةٍ كَسَلَمٍ وَقَرْضٍ، أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ، وَكَانَ الدَّيْنَانِ مُتَّفِقَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُول، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ سَبَبُ
(1) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 393.
وُجُوبِهِمَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوِ اخْتَلَفَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ، قَال الزَّرْكَشِيُّ: فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
أَصَحُّهُمَا: عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ أَنَّ التَّقَاصَّ يَحْصُل بِنَفْسِ ثُبُوتِ الدَّيْنَيْنِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الرِّضَا، لأَِنَّ مُطَالَبَةَ أَحَدِهِمَا الآْخَرَ بِمِثْل مَالِهِ عِنَادٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلأَِنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَارِثِهِ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِانْتِقَال التَّرِكَةِ لِوَارِثِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا فِي دَيْنِهِ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، لاِنْتِقَال الْعَيْنِ إِلَيْهِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ إِنْ تَرَاضَيَا، وَإِلَاّ فَلِكُل مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الآْخَرِ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: يَسْقُطُ بِرِضَا أَحَدِهِمَا.
وَالْقَوْل الرَّابِعُ: لَا يَسْقُطُ وَلَوْ تَرَاضَيَا (1) .
14 -
وَأَمَّا شُرُوطُ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مِنْ حَيْثُ جِنْسِ الدَّيْنَيْنِ وَالأَْجَل وَالصِّفَةِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ أَمْثِلَةٍ فِي هَذَا الصَّدَدِ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ كَانَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ، وَكَانَا نَقْدَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَجَلاً وَاحِدًا تَقَاصَّا وَتَسَاقَطَا، وَلَا يَجُوزُ إِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، لأَِنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنِ،
(1) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 391.