الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُوَزَّعُ الإِِِْنْفَاقُ إِِنْ خَرَجَ الْعَامِل لِحَاجَةِ غَيْرِ الأَْهْل وَالْقُرْبَةِ مَعَ خُرُوجِهِ لِلْمُضَارَبَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، فَإِِِنْ كَانَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَاجَتِهِ مِائَةٌ وَفِي الْمُضَارَبَةِ مِائَةٌ فَأَنْفَقَ مِائَةَ كَانَ نِصْفُهَا عَلَيْهِ وَنِصْفُهَا مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ، وَإِِِنْ كَانَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي اشْتِغَالِهِ بِالْمُضَارَبَةِ مِائَتَيْنِ وَزَّعَ الإِِِْنْفَاقَ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُنْفِقُ الْعَامِل مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا جَزْمًا، وَكَذَا سَفَرًا فِي الأَْظْهَرِ كَمَا فِي الْحَضَرِ، لأَِنَّ لَهُ نَصِيبًا فِي الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ، وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ قَدْ تَكُونُ قَدْرَ الرِّبْحِ فَيُؤَدِّي إِِلَى انْفِرَادِهِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ فَيُؤَدِّي إِِلَى أَنْ يَأْخُذَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِ الْمَال وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، فَلَوْ شَرَطَ لَهُ النَّفَقَةَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ، وَفِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ أَنَّهُ يُنْفِقُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَزِيدُ بِسَبَبِ السَّفَرِ كَالإِِِْدَاوَةِ وَالْخُفِّ وَالسُّفْرَةِ وَالْكِرَاءِ لأَِنَّهُ حَبَسَهُ عَنِ الْكَسْبِ بِالسَّفَرِ لأَِجْل الْمُضَارَبَةِ، فَأَشْبَهَ حَبْسَ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ الْحَضَرِ، وَتُحْسَبُ النَّفَقَةُ مِنَ الرِّبْحِ فَإِِِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ خُسْرَانٌ لَحِقَ الْمَال (2) .
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 530 - 531، والشرح الصغير 3 / 705.
(2)
مغني المحتاج 2 / 317، ونهاية المحتاج 5 / 233، وروضة الطالبين 5 / 135 - 136.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ نَفَقَةٌ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ مَعَ السَّفَرِ بِمَال الْمُضَارَبَةِ، لأَِنَّهُ دَخَل عَلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنَ الرِّبْحِ شَيْئًا فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، إِِذْ لَوِ اسْتَحَقَّهَا لأََفْضَى إِِلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْبَحْ سِوَى النَّفَقَةِ إِِلَاّ بِشَرْطِ، قَال تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَوْ عَادَةً فَإِِِنْ شَرَطَهَا رَبُّ الْمَال وَقَدَّرَهَا فَحَسَنٌ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، فَإِِِنْ لَمْ يُقَدِّرْهَا وَاخْتَلَفَا فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ، لأَِنَّ إِِطْلَاقَ النَّفَقَةِ يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا هُوَ ضَرُورَاتُهُ الْمُعْتَادَةُ (1) .
ثَانِيًا: الرِّبْحُ الْمُسَمَّى:
48 -
مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضَارِبُ بِعَمَلِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى إِِنْ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ.
وَإِِِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ فِيهِ حِصَّتَهُ مِنْ رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ (2) .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِِلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ بِعَمَلِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ الرِّبْحَ الْمُسَمَّى - إِِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ - وَإِِِنَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ بِالْقِسْمَةِ، وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ
(1) كشاف القناع 3 / 516 - 517، والمغني 5 / 72.
(2)
بدائع الصنائع 6 / 107.
الْقِسْمَةِ قَبْضُ الْمَالِكِ رَأْسَ الْمَال، فَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ قَبْل قَبْضِ رَأْسِ الْمَال، حَتَّى لَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إِِلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَبِحَ أَلْفًا، فَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَرَأْسُ الْمَال فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّ الْمَال، فَهَلَكَتِ الأَْلْفُ الَّتِي فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بَعْدَ قِسْمَتِهِمَا الرِّبْحَ، فَإِِِنَّ الْقِسْمَةَ الأُْولَى لَمْ تَصِحَّ، وَمَا قَبَضَ رَبُّ الْمَال فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَمَا قَبَضَهُ الْمُضَارِبُ دَيْنٌ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ إِِلَى رَبِّ الْمَال حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَال رَأْسَ مَالِهِ، وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَال رَأْسَ الْمَال، وَالأَْصْل فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَثَل الْمُصَلِّي كَمَثَل التَّاجِرِ لَا يَخْلُصُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ، كَذَلِكَ الْمُصَلِّي لَا تُقْبَل نَافِلَتُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ (1) ، فَدَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ قَبْل قَبْضِ رَأْسِ الْمَال لَا تَصِحُّ، وَلأَِنَّ الرِّبْحَ زِيَادَةٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تَكُونُ إِِلَاّ بَعْدَ سَلَامَةِ الأَْصْل، وَلأَِنَّ الْمَال إِِذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ بِحَالِهَا، فَلَوْ صَحَّحْنَا قِسْمَةَ الرِّبْحِ لَثَبَتَتْ قِسْمَةُ الْفَرْعِ قَبْل الأَْصْل فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِِِذَا لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ فَإِِِذَا هَلَكَ
(1) حديث: " مثل المصلي كمثل التاجر. . ". أخرجه البيهقي في السنن (2 / 387) من حديث علي بن أبي طالب، وذكر أن فيه راويًا ضعيفًا.
مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ صَارَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ هُوَ رَأْسُ الْمَال، فَوَجَبَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِنْهُ تَمَامَ رَأْسِ الْمَال (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُقْسَمُ الرِّبْحُ فِي الْمُضَارَبَةِ إِِلَاّ بَعْدَ كَمَال رَأْسِ الْمَال، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ تَمَامِ رَأْسِ الْمَال يَكُونُ بِيَدِ رَبِّ الْمَال وَالْمُضَارَبَةُ عَلَى مَا شَرَطَا.
وَقَالُوا: لَا يَقْتَسِمُ رَبُّ الْمَال وَالْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحَ حَتَّى يُنَضَّ رَأْسُ الْمَال، أَوْ يَتَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهِ، لأَِنَّهُ إِِذَا قُسِمَ قَبْل نَضُوضِهِ أَوِ التَّرَاضِي عَلَى قَسْمِهِ قَدْ تَهْلَكُ السِّلَعُ أَوْ تَتَحَوَّل أَسْوَاقُهَا فَيَنْقُصُ رَأْسُ الْمَال، فَيَحْصُل الضَّرَرُ لِرَبِّ الْمَال بِعَدِمِ جَبْرِ رَأْسِ الْمَال بِالرِّبْحِ، وَإِِِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَضُوضَهُ فَالْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي تَعْجِيل ذَلِكَ أَوْ تَأْخِيرِهِ، فَمَا كَانَ صَوَابًا فَعَلَهُ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْعُرُوضِ إِِذَا تَرَاضَوْا عَلَيْهَا وَتَكُونُ بَيْعًا (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الأَْظْهَرُ أَنَّ الْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ الْحَاصِل بِعَمَلِهِ بِالْقِسْمَةِ لِلْمَال لَا بِظُهُورِ الرِّبْحِ، إِِذْ لَوْ مَلَكَ بِالظُّهُورِ لَكَانَ شَرِيكًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ هَلَكَ مِنَ الْمَالَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَل الرِّبْحُ
(1) بدائع الصنائع 6 / 107، 108.
(2)
التاج والإكليل 5 / 366، والفواكه الدواني 2 / 177.