الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاِسْتِعْمَال فَلَا حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا وَلَا لِمَنْفَعَتِهَا، وَأَنَّهُ يَجِبُ إِِبْطَالُهَا (1)، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: بُعِثْتُ بِهَدْمِ الْمِزْمَارِ وَالطَّبْل، (2) وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَال: أَمَرَنِي اللَّهُ بِمَحْقِ الْقَيْنَاتِ وَالْمَعَازِفِ. (3)
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ كَيْفِيَّةَ إِِبْطَال الْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ فَقَالُوا: الأَْصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ لإِِِِمْكَانِ إِِزَالَةِ الْهَيْئَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ، نَعَمْ لِلإِِِْمَامِ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا، وَإِِِنَّمَا تُفْصَل لِتَعُودَ كَمَا قَبْل التَّأْلِيفِ لِزَوَال اسْمِهَا وَهَيْئَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ بِذَلِكَ.
وَالْقَوْل الثَّانِي - مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْصِيل الْجَمِيعِ بَل بِقَدْرِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلاِسْتِعْمَال، فَلَا تَكْفِي إِِزَالَةُ الأَْوْتَارِ فَقَطْ لأَِنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا.
وَالثَّالِثُ: تُكْسَرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِِلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ.
(1) الدر المختار 5 / 135، وتكملة فتح القدير 7 / 405، وشرح المحلي والقليوبي 3 / 33، وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع 1 / 12، والمغني والشرح الكبير 5 / 446، وإغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 1 / 248.
(2)
حديث: " بعثت بهدم المزمار والطبل ". رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 323 وأشار ابن حجر في التهذيب (6 / 51) إلى تضعيف روايته لهذا الحديث.
(3)
حديث: " أمرني الله بمحق القينات والمعازف ". تقدم بمعناه في فقرة (5) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَعَازِفَ وَآلَاتِ اللَّهْوِ الْمَمْلُوكَةَ لِذِمِّيِّ لَا تَبْطُل لأَِنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِمِثْلِهَا، إِِلَاّ أَنْ يَسْمَعَهَا مَنْ لَيْسَ بِدَارِهِمْ أَيْ مَحَلَّتِهِمْ، حَيْثُ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَإِِِنِ انْفَرَدُوا بِمَحَلَّةِ مِنَ الْبَلَدِ، فَإِِِنِ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ أَيْ بِأَنْ لَمْ يُخَالِطْهُمْ مُسْلِمٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ. (1)
ضَمَانُ الْمَعَازِفِ
28 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِِلَى أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ (الْمَعَازِفَ) الْمُبَاحَةَ كَطَبْل الْغُزَاةِ وَالدُّفِّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ وَاسْتِمَاعُهُ فِي الْعُرْسِ يَحْرُمُ كَسْرُهَا، وَتُضْمَنُ إِِنْ كُسِرَتْ أَوْ أُتْلِفَتْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِِلَى أَنَّ الْمَعَازِفَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يَجِبُ فِي إِِبْطَالِهَا شَيْءٌ، لأَِنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ وَالْمُحَرَّمُ لَا يُقَابَل بِشَيْءِ، مَعَ وُجُوبِ إِِبْطَالِهَا عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ. (2)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِِتْلَافٌ ف 12 وَضَمَانٌ ف 140) .
سَرِقَةُ الْمَعَازِفِ
29 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ أَوْ
(1) مغني المحتاج 2 / 285، ونهاية المحتاج 5 / 166، 168، وحاشية القليوبي 3 / 33.
(2)
رد المحتار 5 / 135، وتكملة فتح القدير 7 / 405، ونهاية المحتاج 5 / 166 - 167، ومغني المحتاج 2 / 285، والمغني والشرح الكبير 5 / 445 - 446.
عَدَمِ إِِقَامَتِهِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْمَعَازِفَ الْمُحَرَّمَةَ أَوْ غَيْرَهَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِِلَى أَنَّ سَارِقَ الْمَعَازِفِ (آلَاتِ اللَّهْوِ) لَا تُقْطَعُ يَدُهُ، وَاخْتَلَفَ تَفْصِيلُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا قَطْعَ فِي جَمِيعِ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ، لأَِنَّهَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ لَا قِيمَةَ بِهَا بِدَلِيل أَنَّ مُتْلِفَهَا لَا يَضْمَنُهَا، وَلأَِنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - وَإِِِنْ كَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مُتْلِفِهَا فَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ - لَكِنَّ آخِذَهَا يَتَأَوَّل الْكَسْرَ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً تَدْرَأُ حَدَّ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي طَبْل الْغُزَاةِ، فَقِيل: يُقْطَعُ سَارِقُهُ لأَِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلَّهْوِ فَلَيْسَ آلَةَ لَهْوٍ، وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ - عَدَمَ وُجُوبِ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهِ لأَِنَّهُ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ وَإِِِنْ كَانَ وَضْعُهُ لِغَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهُ كَمَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ، فَصَارَتْ صَلَاحِيَّتُهُ لِلَّهْوِ شُبْهَةً تَمَكَّنَتْ فِيهِ فَدَرَأَتِ الْقَطْعَ. (1)
(1) فتح القدير وشرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير 4 / 232، والدر المختار بهامش رد المحتار 3 / 198.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ كَطُنْبُورٍ وَمِزْمَارٍ وَشَبَّابَةٍ وَإِِِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ مَا ذُكِرَ مُفَصَّلاً نِصَابًا، لأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ إِِجْمَاعًا فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ كَالْخَمْرِ، وَلَا يُقْطَعُ أَيْضًا بِمَا عَلَى آلَةِ اللَّهْوِ مِنْ حُلِيٍّ وَلَوْ بَلَغَ نِصَابًا لأَِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ وَتَابِعٌ لَهُ أَشْبَهَ الْخَشَبَ. (1)
وَالْقَائِلُونَ بِمُقَابِل الأَْصَحِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَّلُوا قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الشَّارِعَ سَلَّطَ عَلَى كَسْرِ مَا حَرُمَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ وَغَيْرِهِمَا، وَالتَّوَصُّل إِِلَى إِِزَالَةِ الْمَعْصِيَةِ مَنْدُوبٌ إِِلَيْهِ، فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِحَدِّ السَّرِقَةِ. (2)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ الطُّنْبُورِ وَالْعُودِ وَالْمَزَامِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ إِِلَاّ أَنْ تُسَاوِيَ بَعْدَ كَسْرِهَا - أَيْ إِِفْسَادِ صُورَتِهَا وَإِِِذْهَابِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِهَا - نِصَابًا، لأَِنَّ السَّارِقَ عِنْدَئِذٍ يَكُونُ قَدْ سَرِقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ.
(1) كشاف القناع 6 / 130 - 131.
(2)
مغني المحتاج 4 / 160، وأسنى المطالب 4 / 139.