الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا لَوِ اشْتَرَى حَيَوَانًا حَامِلاً أَوْ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ، فَالأَْوْجَهُ أَنَّ الْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ مَال مُضَارَبَةٍ.
وَقِيل: كُل مَا يَحْصُل مِنْ هَذِهِ الْفَوَائِدِ مَال مُضَارَبَةٍ لِحُصُولِهَا بِسَبَبِ شِرَاءِ الْعَامِل الأَْصْل (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ - عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَ الْمِرْدَاوِيُّ - مِنْ جُمْلَةِ الرِّبْحِ: الْمَهْرَ وَالثَّمَرَةَ وَالأُْجْرَةَ وَالأَْرْشَ وَكَذَا النِّتَاجُ، وَقَال فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ (2) .
جَبْرُ تَلَفِ مَال الْمُضَارَبَةِ وَخَسَارَتُهُ
50 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِِلَى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بَعْضُ مَال الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ تَحْرِيكِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَوْ خَسِرَ فَإِِِنَّهُ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ إِِنْ كَانَ، أَيْ يُكْمِل مِنَ الرِّبْحِ مَا نَقَصَ بِالتَّلَفِ أَوِ الْخُسْرِ مِنْ رَأْسِ الْمَال، ثُمَّ إِِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ أَوْ زَادَ التَّلَفُ أَوِ الْخُسْرُ عَلَى الرِّبْحِ فَإِِِنَّهُ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَال. وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ.
قَال الْمَوْصِلِيُّ: مَا هَلَكَ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ فَمِنَ الرِّبْحِ لأَِنَّهُ تَبَعٌ كَالْعَفْوِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، فَإِِِنْ زَادَ فَمِنْ رَأْسِ الْمَال لأَِنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَإِِِنِ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ هَلَكَ رَأْسُ الْمَال أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ فِي
(1) نهاية المحتاج 5 / 234، 235.
(2)
الإنصاف 5 / 447.
الرِّبْحِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَال، لأَِنَّ الرِّبْحَ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَال، وَلَا يُعْرَفُ الْفَضْل إِِلَاّ بَعْدَ سَلَامَةِ رَأْسِ الْمَال، فَلَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ فَيَنْصَرِفُ الْهَلَاكُ إِِلَيْهِ، وَلَوْ فُسِخَتِ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ، ثُمَّ عَقَدَا الْمُضَارَبَةَ فَهَلَكَ رَأْسُ الْمَال لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ، لأَِنَّ هَذِهِ مُضَارَبَةٌ جَدِيدَةٌ، وَالأُْولَى قَدِ انْتَهَتْ فَانْتَهَى حُكْمُهَا، وَاشْتِرَاطُ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ بَاطِلٌ (1) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: النَّقْصُ الْحَاصِل بِرُخْصٍ فِي مَال الْقِرَاضِ هُوَ خُسْرَانٌ مَجْبُورٌ بِالرِّبْحِ، وَكَذَا النَّقْصُ بِالتَّعَيُّبِ وَالْمَرَضِ الْحَادِثَيْنِ، وَأَمَّا النَّقْصُ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ تَلَفُ بَعْضِ الْمَال، فَإِِِنْ حَصَل بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَال بَيْعًا وَشِرَاءً فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الاِحْتِرَاقَ وَغَيْرَهُ مِنَ الآْفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ خُسْرَانٌ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ، وَفِي التَّلَفِ بِالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ إِِذَا تَعَذَّرَ أَخْذُ الْبَدَل مِنَ الْمُتْلِفِ وَجْهَانِ، وَطَرَّدَ جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ فِي الآْفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ فِي الْجَمِيعِ الْجَبْرُ.
وَإِِِنْ حَصَل النَّقْصُ قَبْل التَّصَرُّفِ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خُسْرَانٌ فَيُجْبَرُ بِالرِّبْحِ الْحَاصِل بَعْدُ، لأَِنَّهُ بِقَبْضِ الْعَامِل صَارَ مَال مُضَارَبَةٍ، وَأَصَحُّهُمَا: يَتْلَفُ مِنْ رَأْسِ الْمَال لَا مِنَ الرِّبْحِ، لأَِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَل.
(1) الاختيار 3 / 20، 24، 25.
هَذَا إِِذَا تَلِفَ بَعْضُ مَال الْمُضَارَبَةِ، أَمَّا إِِذَا تَلِفَ كُلُّهُ بِآفَةِ سَمَاوِيَّةٍ قَبْل التَّصَرُّفِ أَوْ بَعْدَهُ فَتَرْتَفِعُ الْمُضَارَبَةُ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ، لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ جَمِيعَ مَال الْمُضَارَبَةِ أَوْ بَعْضَهُ أُخِذَ مِنْهُ بَدَلُهُ وَاسْتَمَرَّتْ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ (1) .
وَقَال الْبُهُوتِيُّ إِِنْ تَلِفَ رَأْسُ الْمَال أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ، أَوْ تَعَيُّبِ رَأْسِ الْمَال، أَوْ خَسِرَ بِسَبَبِ مَرَضٍ، أَوْ تَغَيُّرِ صِفَةٍ، أَوْ نَزَل السِّعْرُ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ فِي رَأْسِ الْمَال. جُبِرَتِ الْوَضِيعَةُ مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ قَبْل قِسْمَتِهِ، نَاضًّا أَوْ مَعَ تَنْضِيضِهِ بِالْمُحَاسَبَةِ، لأَِنَّهُ مُضَارَبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِل إِِلَاّ بَعْدَ كَمَال رَأْسِ الْمَال.
وَإِِِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَال قَبْل تَصَرُّفِ الْعَامِل فِيهِ انْفَسَخَتِ الْمُضَارَبَةُ فِي التَّالِفِ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَال هُوَ الْبَاقِيَ خَاصَّةً، لأَِنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَةٍ قَبْل التَّصَرُّفِ، أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْل الْقَبْضِ، وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ لأَِنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ.
وَقَالُوا: وَمَهْمَا بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى رَأْسِ الْمَال وَجَبَ جَبْرُ خُسْرَانِهِ مِنْ رِبْحِهِ وَإِِِنِ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ لأَِنَّهَا مُضَارَبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَحْرُمُ قِسْمَتُهُ وَالْعَقْدُ بَاقٍ إِِلَاّ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، لأَِنَّهُ مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّ
(1) روضة الطالبين 5 / 138 - 139، ومغني المحتاج 2 / 318 - 319.
الْمَال وَقَايَةً لِرَأْسِ مَالِهِ لأَِنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ فَيَجْبُرُهُ بِالرِّبْحِ، وَمَعَ امْتِنَاعِ الْعَامِل لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْزَمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ خُسْرُ مَال الْمُضَارَبَةِ بِالرِّبْحِ، هَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ أَوِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي فِيهَا قِرَاضُ الْمِثْل، وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْل فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا جَبْرٌ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُل مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْل، وَأَمَّا إِِنْ شَمِلَتْهَا الْمُضَارَبَةُ لَكِنِ اخْتَل مِنْهَا شَرْطٌ فَفِيهَا مُضَارَبَةُ الْمِثْل.
وَلَوْ دَخَل الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَال عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ بِالرِّبْحِ لَمْ يُعْمَل بِهِ وَالشَّرْطُ مُلْغًى، قَال الصَّاوِيُّ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا لِمَالِكِ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَكَى بَهْرَامٌ مُقَابِلَهُ عَنْ جَمْعٍ فَقَالُوا: مَحِل الْجَبْرِ مَا لَمْ يَشْتَرِطَا خِلَافَهُ وَإِِِلَاّ عُمِل بِذَلِكَ الشَّرْطِ، قَال بَهْرَامٌ: وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الأَْقْرَبُ لأَِنَّ الأَْصْل إِِعْمَال الشَّرْطِ لِخَبَرِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (2) مَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ.
(1) كشاف القناع 3 / 517 - 520.
(2)
ديث: " المسلمون على شروطهم. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 626) من حديث عمرو بن عوف المزني وقال: حديث حسن صحيح.