الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ النِّكَاحِ مَعَ قِلَّةِ الْمَهْرِ، وَأَنَّ الزَّوَاجَ بِمَهْرٍ قَلِيلٍ مَنْدُوبٌ وَمَرْغُوبٌ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ إِذَا كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَسْتَصْعِبِ النِّكَاحَ مَنْ يُرِيدُهُ، فَيَكْثُرُ الزَّوَاجُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ، وَيَكْثُرُ النَّسْل الَّذِي هُوَ أَهَمُّ مَطَالِبِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ كَثِيرًا، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إِلَاّ أَرْبَابُ الأَْمْوَال، فَيَكُونُ الْفُقَرَاءُ - الَّذِينَ هُمُ الأَْكْثَرُ فِي الْغَالِبِ - غَيْرَ مُزَوَّجِينَ، فَلَا تَحْصُل الْمُكَاثَرَةُ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (1) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَالاِقْتِصَادُ فِي الصَّدَاقِ أَحَبُّ إِلَيْنَا (2) .
الْمُغَالَاةُ فِي الْكَفَنِ
4 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فِي الْكَفَنِ، لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ، فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا. (3)
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُرَادُ بِالْمُغَالَاةِ فِي الْكَفَنِ الزِّيَادَةُ عَلَى كَفَنِ الْمِثْل.
وَقَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الْكَفَنِ، قَال
(1) نيل الأوطار 6 / 169 ط. دار الكتب العلمية ببيروت لبنان.
(2)
المجموع 16 / 327، والأم 5 / 58.
(3)
حديث: " لا تغالوا في الكفن. . " رواه البيهقي (3 / 403) في سننه الكبرى، وعند أبي داود (3 / 270) بلفظ " يسلبه ".
أَصْحَابُنَا: وَالْمُرَادُ بِتَحْسِينِهِ بَيَاضُهُ وَنَظَافَتُهُ وَسُبُوغُهُ وَكَثَافَتُهُ لَا كَوْنُهُ ثَمِينًا، لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْمُغَالَاةِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: الثَّوْبُ الْغَسِيل أَفْضَل مِنَ الْجَدِيدِ، وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى ثَوْبٍ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، فَقَال:" اغْسِلُوا هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهَا، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلِقٌ: قَال: الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ "، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُل عَلَى رُخْصِ الْكَفَنِ (1) .
الْمُغَالَاةُ فِي الْعِبَادَةِ:
5 -
يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِدَ الْمُسْلِمُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ وَسَطًا بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّفْرِيطِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَلَا يُكَلِّفَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يُطِيقُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ (2)، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ قَال أَحَدُهُمْ: إِنِّي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَال الثَّانِي: أَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَال الثَّالِثُ: أَقُومُ وَلَا أَنَامُ - خَطَبَ وَقَال: مَا بَال أَقْوَامٍ يَقُولُونَ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 578 ط مصطفى الحلبي، والمنتقى شرح الموطأ 2 / 7، والمجموع شرح المهذب 5 / 195 - 197، والقليوبي وعميرة 1 / 346، وعون المعبود 8 / 430، وكشاف القناع 2 / 104 - 105.
(2)
حديث: " إياكم والغلو في الدين " رواه أحمد (1 / 215) والحاكم في مستدركه (1 / 446) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.