الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرْضَ حَرْثٍ وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعْدِنَ، وَجَاءُوا بِكِتَابِ الْقَطِيعَةِ الَّتِي قَطَعَهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَِبِيهِمْ فِي جَرِيدَةٍ، قَال: فَجَعَل عُمَرُ يَمْسَحُهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَقَال لِقَيِّمِهِ: انْظُرْ مَا اسْتَخْرَجْتَ مِنْهَا وَمَا أَنْفَقْتَ عَلَيْهَا فَقَاضِهِمْ بِالنَّفَقَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِمُ الْفَضْل، (1) فَعَلَى هَذَا مَا يَجِدُهُ فِي مِلْكٍ أَوْ مَوَاتٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِِنْ سَبَقَ اثْنَانِ إِلَى مَعْدِنٍ فِي مَوَاتٍ فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِهِ مَا دَامَ يَعْمَل فَإِِذَا تَرَكَهُ جَازَ لِغَيْرِهِ الْعَمَل فِيهِ، وَمَا يَجِدُهُ فِي مَمْلُوكٍ يُعْرَفُ مَالِكُهُ فَهُوَ لِمَالِكِ الْمَكَانِ.
وَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ فَهِيَ مُبَاحَةٌ عَلَى كُل حَالٍ إِلَاّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُول مِلْكِ غَيْرِهِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ وَتَمَّلَكَ بِمِلْكِ الأَْرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، لأَِنَّهَا مِنْ نَمَائِهَا وَتَوَابِعِهَا، فَكَانَتْ لِمَالِكِ الأَْرْضِ كَفُرُوعِ الشَّجَرِ الْمَمْلُوكِ وَثَمَرَتِهِ.
وَلأَِنَّ الْمَعَادِنَ السَّائِلَةَ مُبَاحَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ بِجَامِعِ السِّيُولَةِ فِي كُلٍّ، فَكَمَا أَنَّ الْمَاءَ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْكَلأَ ُ، وَالْمَاءُ، وَالنَّارِ (2) فَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ
(1) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني. . ". أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 423) .
(2)
حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث. . . " أخرجه أبو داود (3 / 751 تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث رجل من المهاجرين، وإسناده صحيح.
السَّائِلَةُ تَكُونُ مُبَاحَةً. (1)
الْوَاجِبُ فِي الْمَعْدِنِ
6 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ الْمُنْطَبِعَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالصُّفْرِ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ صَبِيٌّ أَوِ امْرَأَةٌ وَمَا بَقِيَ فَلِلآْخِذِ.
سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ، وَيَجِبُ الْخُمُسُ فِي الزِّئْبَقِ.
وَأَمَّا الْمَعْدِنُ الْمَائِعُ كَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ وَمَا لَيْسَ بِمُنْطَبِعٍ وَلَا مَائِعٍ كَالنُّورَةِ وَالْجِصِّ وَالْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَلَا يَجِبُ الْخُمُسُ فِيمَا وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ مِنَ الْمَعْدِنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَال الصَّاحِبَانِ يَجِبُ. (2)
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْخُمُسَ يَجِبُ فِي الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لأَِنَّ النُّصُوصَ خَالِيَةٌ عَنِ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ.
وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ حَوَلَانُ الْحَوْل لِوُجُوبِ الْخُمُسِ. (3)
(1) المغني لابن قدامة 3 / 28 - 29 ط. الرياض.
(2)
تبيين الحقائق 1 / 289، والفتاوى الهندية 1 / 184 - 185.
(3)
حاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق 1 / 288.
وَقَالُوا إِنَّ مَا يُصَابُ مِنَ الْمَعْدِنِ هُوَ غَنِيمَةٌ وَالْخُمُسُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فِي الْغَنِيمَةِ.
فَإِِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ مُحْتَاجًا عَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ لَا يَصِيرُ غَنِيًّا بِالأَْرْبَعَةِ الأَْخْمَاسِ فَرَأَى الإِِْمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ الْخُمُسَ لَهُ جَازَ، لأَِنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَهَذَا الَّذِي أَصَابَهُ فَقِيرٌ فَقَدْ صَرَفَ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَجُوزُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ دُونَ غَيْرِهَا الزَّكَاةُ.
قَال الْبَاجِيُّ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ إِخْرَاجِهِ، وَقَال الْبَعْضُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ مِنْ تُرَابِهِ وَكَانَ الْمُخْرِجُ مِنْ أَهْل الزَّكَاةِ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَكَانَ مِنْ أَهْل الزَّكَاةِ، مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَالإِِْسْلَامِ وَهَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقِيل لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُرِّيَّةٌ وَلَا إِسْلَامٌ.
وَضَمُّ الْعِرْقِ الْوَاحِدِ ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِرْقُ مُتَّصِلاً وَإِِنْ تَرَاخَى الْعَمَل بِانْقِطَاعِهِ، سَوَاءٌ حَصَل الاِنْقِطَاعُ اخْتِيَارًا أَوِ اضْطِرَارًا، كَفَسَادِ آلَةٍ وَمَرَضِ الْعَامِل.
(1) شرح السير الكبير 5 / 2173، وانظر بدائع الصنائع 2 / 68، و7 / 124 - 125.
وَأَمَّا الْمَعَادِنُ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ فَلَا يُضَمُّ مَا خَرَجَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ وَلَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يُضَمُّ عِرْقٌ آخَرُ لِلَّذِي كَانَ يَعْمَل فِيهِ أَوَّلاً فِي مَعْدِنٍ وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ كُل عِرْقٍ بِانْفِرَادِهِ، فَإِِنْ حَصَل مِنْهُ نِصَابٌ يُزَكَّى، ثُمَّ يُزَكَّى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِِنْ قَل، وَسَوَاءٌ اتَّصَل الْعَمَل أَوِ انْقَطَعَ، وَفِي نُدْرَةِ الْعَيْنِ - وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ لِتَصْفِيَةِ الْخُمُسُ مُطْلَقًا، وَجَدَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ، بَلَغَتْ نِصَابًا أَمْ لَا. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَجَمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ بَلَال بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ وَأَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَشَرَطَ لِلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا وَشَرَطَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْرَجُ نِصَابًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، أَمَّا غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الأَْمْوَال الْمُزَكَّاةِ. وَمَنْ وَجَدَ دُونَ النِّصَابِ لَمْ
(1) الخرشي 2 / 208 - 209، والدسوقي 1 / 406 وما بعدها، المنتقى للباجي 2 / 103 - 104. الخرشي 2 / 208 - 209، والدسوقي 1 / 406 وما بعدها، المنتقى للباجي 2 / 103 - 104.
يَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ، لأَِنَّهَا لَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ، وَلأَِنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفَادِ مِنَ الأَْرْضِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصَابُ كَالْعُشْرِ، وَإِِنْ وَجَدَ النِّصَابَ فِي دُفُعَاتٍ فَإِِنْ لَمْ يَنْقَطِعِ الْعَمَل وَلَا النَّيْل ضُمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِي إِتْمَامِ النِّصَابِ، وَكَذَا إِنْ قُطِعَ الْعَمَل لِعُذْرِ، وَيَجِبُ حَقُّ الْمَعْدِنِ بِالْوُجُودِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْل فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ لأَِنَّ الْحَوْل يُرَادُ لِكَمَال النَّمَاءِ وَبِالْوُجُودِ يَصِل إِلَى النَّمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْحَوْل كَالْمُعَشَّرِ. وَقَال فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَجِبُ حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل، لأَِنَّهُ زَكَاةُ مَالٍ تَتَكَرَّرُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْحَوْل كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ.
وَفِي مَا يَجِبُ مِنَ الزَّكَاةِ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ، وَالصَّحِيحُ مِنْهَا: وُجُوبُ رُبُعِ الْعُشْرِ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: هُوَ نَصُّهُ فِي الأُْمِّ وَالإِِْمْلَاءِ، وَقِيل يَجِبُ الْخُمُسُ لأَِنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالْوُجُودِ فَتَقَدَّرَتْ زَكَاتُهُ بِالْخُمُسِ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: إِنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ، وَإِِنْ أَصَابَهُ بِتَعَبٍ فَيَجِبُ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، لأَِنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفَادِ مِنَ الأَْرْضِ فَاخْتَلَفَ قَدْرُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُؤَنِ كَزَكَاةِ الزَّرْعِ.
وَيَجِبُ إِخْرَاجُ الْحَقِّ بَعْدَ التَّمَيُّزِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَقَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ
وَاجِدِ الْمَعْدِنِ زَكَاةٌ، وَسَوَاءٌ أَقُلْنَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ أَمْ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَقِيل: إِنْ قِيل بِرُبُعِ عُشْرٍ فَهُوَ زَكَاةٌ وَإِِلَاّ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفَ خَمْسٍ خُمُسُ الْفَيْءِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ مِنْ أَرْضٍ يَمْلِكُهَا عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَعْدِنِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الأَْرْضِ مِمَّا يُخْلَقُ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالْيَاقُوتِِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْكُحْل وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ كَالْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِعُمُومِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ} (2)
وَلأَِنَّهُ مَعْدِنٌ قُطِعَتِ الزَّكَاةُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ كَالأَْثْمَانِ، وَلأَِنَّهُ مَالٌ لَوْ غَنِمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ خُمُسُهُ فَإِِذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مَعْدِنٍ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ كَالذَّهَبِ.
وَالْوَاجِبُ فِي الْمَعْدِنِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَصِفَتُهُ
(1) المجموع 6 / 75 - 89.
(2)
سورة البقرة / 267.