الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحُكْمَ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ يُوقِعُ التَّفْرِيقَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَرِثُ الثَّانِي وَيَرِثُهَا، وَلَا تَرِثُ الأَْوَّل وَلَا يَرِثُهَا.
وَأَمَّا عِدَّتُهَا، فَمَنْ وَرَثَتْهُ اعْتَدَّتْ لِوَفَاتِهِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. (1)
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: اعْتِبَارُ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا
22 -
يُعْتَبَرُ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا حُكْمًا بِمُضِيِّ مُدَّةٍ عَلَى فَقْدِهِ، أَوْ بِبُلُوغِهِ سِنًّا مُعَيَّنَةً.
فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُحْكَمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ إِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ، لَا فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي السِّنِّ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فِيهَا الأَْقْرَانُ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةُ سَنَةٍ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ الْبُخَارِيُّ: هِيَ تِسْعُونَ سَنَةً، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا سَبْعُونَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: بِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَتْرُوكَةٌ إِلَى اجْتِهَادِ الإِْمَامِ، وَيُنْظَرُ إِلَى شَخْصِ الْمَفْقُودِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ. (2)
وَلِعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ هَذِهِ الأَْقْوَال فَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الْفَتْوَى عَلَى
(1) المغني 8 / 102، ومطالب أولي النهى 5 / 572.
(2)
المبسوط 11 / 35 - 36، وبدائع الصنائع 6 / 197، والزيلعي 3 / 311، والبحر الرائق 5 / 178.
التِّسْعِينَ سَنَةً وَهُوَ الأَْرْفَقُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الْفَتْوَى عَلَى الثَّمَانِينَ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِأَنَّ تَفْوِيضَ الْمُدَّةِ إِلَى الإِْمَامِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالأَْقْيَسُ. (1)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَهُمْ قَبْلاً.
(ر: ف 4) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَقْدِيرَ تِلْكَ السِّنِّ مَتْرُوكٌ لاِجْتِهَادِ الإِْمَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، أَوْ بِسَبْعِينَ، أَوْ بِثَمَانِينَ، أَوْ بِمِائَةٍ، أَوْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. (2)
23 -
فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ جَرَى تَقْسِيمُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي اعْتُبِرَ فِيهِ مَيِّتًا، لَا بَيْنَ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَقِيقَةً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، بِهَذَا قَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما، (3) وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، (4) وَهُوَ الْقَوْل الأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْقَوْل الآْخَرِ عِنْدَ
(1) الدر المنتقى 1 / 713، والبناية 6 / 69، والبحر الرائق 5 / 178، وفتح القدير 5 / 374، وتبيين الحقائق 3 / 312.
(2)
مغني المحتاج 3 / 26 - 27، وحاشية البجيرمي 3 / 260.
(3)
مصنف عبد الرزاق 7 / 85 - 86.
(4)
الفتاوى الهندية 2 / 300، وحاشية الطحطاوي على الدر 2 / 509 - 510، والمدونة 2 / 452، والتاج والإكليل 4 / 162.
الْحَنَابِلَةِ: يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَ الْمَفْقُودُ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ (1) وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْقَوْل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مِيرَاثَ الْمَفْقُودِ يُعْطَى لِوَرَثَتِهِ الأَْحْيَاءِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، (2) إِلَاّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: إِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ مِنْ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى حُكْمِهِ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيُعْطَى الْمَال لِمَنْ كَانَ وَارِثُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ. (3)
وَتَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَى فِيهِ تَقْسِيمُ مِيرَاثِهِ. (4)(ر: ف 5)
24 -
وَلَا بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيَّةُ. (5)
(1) المغني 6 / 365، 366، 8 / 103، وكشاف القناع 4 / 516، 6 / 488، والعذب الفائض 2 / 86، 87.
(2)
المبسوط 30 / 55، ومواهب الجليل 4 / 161، وحاشية البجيرمي 3 / 260، والوجيز 1 / 167.
(3)
فتح الوهاب 2 / 9، ومغني المحتاج 3 / 27.
(4)
بدائع الصنائع 6 / 197.
(5)
الدر المختار 4 / 297، والشرح الكبير 2 / 483، ومغني المحتاج 3 / 27.
وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَوْل الأَْصَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى حُكْمٍ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ (1) ".
وَأَمَّا طَبِيعَةُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ الْمَفْقُودَ مَيِّتًا، فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلَافٌ، فَهُوَ مُنْشِئٌ لِلْحَالَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي أَصْبَحَ عَلَيْهَا الْمَفْقُودُ عِنْدَ مَنْ قَال بِوُجُوبِ صُدُورِ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُظْهِرٌ عِنْدَ مَنْ قَال بِعَدِمِ وُجُوبِ الْحُكْمِ (ر: ف 6) .
وَلِهَذَا الْخِلَافِ نَتَائِجُ مُهِمَّةٌ جِدًّا، فَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحُكْمَ مُنْشِئٌ لَا تَسْتَطِيعُ الزَّوْجَةُ أَنْ تَبْدَأَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَلَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إِلَاّ بَعْدَ صُدُورِهِ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ أَمْوَال الْمَفْقُودِ لَا تُوَزَّعُ إِلَاّ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ صُدُورِ الْحُكْمِ لَا قَبْلَهُ، كَأَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ مَاتَ حَقِيقَةً فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ.
وَأَمَّا مَنْ قَال بِأَنَّ الْحُكْمَ مُظْهِرٌ، فَإِنَّ عِدَّةَ الزَّوْجَةِ تَبْدَأُ مِنْ تَارِيخِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، أَوْ مِنْ بُلُوغِ الْمَفْقُودِ السِّنَّ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا بَعْدَهَا، وَأَنَّ مِيرَاثَ الْمَفْقُودِ يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الأَْحْيَاءِ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ، وَلَا عِبْرَةَ لِصُدُورِ الْحُكْمِ.
(1) حاشية الدسوقي 4 / 487، وحاشية ابن عابدين 4 / 297، والمغني 6 / 365، 366.