المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٣

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الكهف]

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الستون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائة

- ‌[سورة مريم عليها السلام]

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائة

- ‌الدرس السبعون بعد المائة

- ‌[سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائة

- ‌[سورة الحج]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثمانون بعد المائة

- ‌[سورة المؤمنون]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائة

- ‌[سورة النور]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس التسعون بعد المائة

- ‌[سورة الفرقان]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة النمل]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس المائتان

- ‌الدرس الأول بعد المائتين

- ‌[سورة القصص]

- ‌الدرس الثاني بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس بعد المائتين

- ‌الدرس السادس بعد المائتين

- ‌الدرس السابع بعد المائتين

- ‌[سورة العنكبوت]

- ‌الدرس الثامن بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع بعد المائتين

- ‌الدرس العاشر بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الروم]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائتين

- ‌[سورة لقمان]

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائتين

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائتين

- ‌[سورة السجدة]

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس العشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة سبأ]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة فاطر]

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة يس]

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة الصافات]

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة ص]

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة الزمر]

- ‌الدرس الحادي والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة المؤمن]

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة فصلت]

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائتين

الفصل: ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين

‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ

إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ

ص: 634

يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) } .

* * *

ص: 635

قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) } .

عن قتادة: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} حتى بلغ: {بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} ، ذهاب المال والأهل والضرّ الذي أصابه في جسده. قال: ابتلي سبع سنين وأشهرًا مُلقى على كُناسة لبني إسرائيل تختلف الدوابّ في جسده، ففرّج الله عنه وعظّم له الأجر وأحسن عليه الثناء. {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} ، قال: ضرب برجله الأرض فإذا عينان تنبعان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى؛ قال وهب: فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء.

وعن قتادة: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ} ، قال: قال الحسن فأحياهم الله بأعيانهم وزادّهم مثلهم {رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ} . وعن مجاهد: قيل له: إن شئت أحييناهم لك، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وتعطى مثلهم في الدين، فاختار أن يكونوا في الآخرة. ومثلهم في الدين. وعن قتادة:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ} ، قال: كانت امرأته قد عَرَضت له بأمر، وأرادها إبليس على شيء، فقال: لو

تكلمت بكذا وكذا، وإنما حملها عليها الجزع - فحلف نبي الله: لِئن الله شفاه ليجلِدنَّها مائة جلدة قال: فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبًا، والأصل تكملة المِائَة، فضربها ضربة واحدة، فأبرّ نبيُّ الله، وخَفَّفَ الله عن أمَتِهِ، والله رحيم.

قال ابن كثير: وهذا من الفرج والمخرج

ص: 636

لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه، ولهذا قال جل وعلا:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} .

قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ (54) } .

عن ابن عباس قوله: {أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} ، يقول: أولي القوة في العبادة {وَالْأَبْصَارِ} ، يقول: الفقه في الدين. وقال مجاهد: {الْأَيْدِي} القوة في أمر الله، {وَالْأَبْصَارِ} العقول. وقال السدي:{الْأَيْدِي} : القوة في طاعة الله، {وَالْأَبْصَارِ} : البصر بعقولهم. وعن قتادة: {إِنَّا

أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} ، قال: بهذه أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله.

وقوله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ} ، أي: شرف وذكر جميل يذكرون به أبدًا. وعن السدي: {هَذَا ذِكْرٌ} ، قال: القرآن. {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} ، قال الحسن: منقلب، {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ} ، قال الحسن: أبواب تكلم، فتكلم: انفتحي انغلقي. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» . رواه مسلم.

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} ، قال قتادة: قصرن طرفهن على

ص: 637

أزواجهنّ فلا يردن غيرهم. {أَتْرَابٌ} قال: سنّ واحدة. {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ} . قال ابن كثير: أي: هذا الذي من صفة الجنّة التي وعدها لعباده المتّقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم، وقيامهم من قبورهم، وسلامتهم من النار. وعن قتادة:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} أي: ما له انقطاع.

قوله عز وجل: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59)

قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) } .

قال البغوي: {هَذَا} ، أي: الأمر هذا، {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} الكافرين {لَشَرَّ مَآبٍ} مرجع {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها {فَبِئْسَ الْمِهَادُ} . {هَذَا} ، أي: العذاب. {فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، قال الفرّاء: أي: هذا حميم وغسّاق فليذوقوه. والحميم: الماء الحارّ الذي انتهى حرّه. وقال ابن عباس: الغسّاق: الزمهرير يحرقهم ببرده كما تحرقهم النار بحرّها. وقال قتادة: هو ما يغسق. أي: يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة. {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ} ، مثله. أي: مثل الحميم والغسّاق، {أَزْوَاجٌ} ، أي: أصناف أخر من العذاب.

ص: 638

{هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} ، قال ابن عباس:{هَذَا} هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للكفار: {هَذَا} ، يعني: الأتباع، {فَوْجٌ} جماعة، {مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} النار، أي: داخلوها كما أنتم دخلتموها. قال الكلبي: إنهم يُضربون بالمقامع حتى

يوقعوا أنفسهم في النار خوفًا من تلك المقامع فقالت القادة: {لَا مَرْحَباً بِهِمْ} ، يعني: بالأتباع، {إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ} ، أي: داخلوها كما صلينا، {قَالُوا} ، فقال الأتباع للقادة:{بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} ، يقول الأتباع للقادة: أنتم بدأتم بالكفر قبلنا وشرعتم وسننتموه لنا {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} ، أي: فبئس دار القرار جهنم. {قَالُوا} يعني: الأتباع: {رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا} ، أي: شرعه وسنّه لنا: {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ} ، أي: ضعّف عليه العذاب. قال ابن مسعود: يعني: حيّات، وأفاعي.

وقالوا وهم في النار: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم} في الدنيا

{مِّنَ الْأَشْرَارِ} ، يعنون: فقراء المؤمنين. ثم ذكروا أنهم كانوا يسخرون من هؤلاء فقالوا: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} ؟ قال الفراء: هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجّب {أَمْ زَاغَتْ} أي مالت {عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} ؟ ومجاز الآية: ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتّخذناهم سخريًّا لم يدخلوا معنا النار؟ أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم حين دخلوا؟ {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} ، أي: تخاصم أهل النار في النار لحقّ. {قُلْ} يا محمد لمشركي مكّة: {إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ} مخوّف، {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} . انتهى ملخصًا.

قوله عز وجل: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ

ص: 639

الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) } .

قال ابن كثير: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} ، أي: خبر عظيم وشأن بليغ، وهو: إرسال الله تعالى إيّاي إليكم، {أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} أي: غافلون. قال مجاهد، وشريح القاضي، والسدي في قوله عز وجل:{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} يعني: القرآن. وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} أي: لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى في شأن آدم، وامتناع إبليس من السجود له ومحاجّته ربه في تفضيله عليه؟

انتهى. وعن قتادة: قوله: {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى} ، قال: هم الملائكة، كانت خصومتهم في شأن آدم حين قال ربك للملائكة:{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ} حتى بلغ: {سَاجِدِينَ} ، وحين قال:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} حتى بلغ: {وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} ففي هذا اختصم الملأ الأعلى. وفي حديث معاذ الطويل عند الإِمام أحمد قال - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قمت من الليل فصلّيت ما قدّر لي، فنعست في صلاتي حتى استيقظت، فإذا أنا بربّي عز وجل في أحسن صورة، فقال: يا محمد أتدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا ربّ؟ أعادها ثلاثًا، فرأيته وضع كفّه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري، فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت، فقال: يا محمد فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات. قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام

ص: 640

إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات» . الحديث.

قال ابن كثير: وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن، فإن هذا قد فُسّر، وأما الاختصام الذي في القرآن، فقد فُسّر بعد هذا، وهو قوله:{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} إلى آخر القصة. وعن ابن عمر قال: (خلق الله أربعة بيده: العرش، وعدن، والقلم، وآدم. ثم قال لكلّ شيء: كن فكان) . رواه ابن جرير. وعن قتادة قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، قال: علم عدوّ الله أنه ليست له عزّة. وعن مجاهد: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} ، يقول الله: الحقّ منّي وأقول الحقّ. قال ابن كثير: وهذه

الآية كقوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} .

قوله عز وجل: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) } .

قال ابن زيد في قوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} ، قل: لا أسألكم على القرآن أجرًا تعطوني شيئًا، {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} أتخرص

ص: 641

وأتكلّف ما لم يأمرني الله به. وعن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس من علم شيئًا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم؛ فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} .

وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} يعني: القرآن ذكر لجميع المكلّفين من الإنس والجنّ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} خبره وصدقه، {بَعْدَ حِينٍ} ، قال عكرمة: يعني: يوم القيامة. وقال الكلبي: من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا، ومن مات علمه بعد موته. قال الحسن بن آدم: عند الموت يأتيك الخبر اليقين.

* * *

ص: 642