الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السادس والستون بعد المائة
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا
يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (76) } .
* * *
عن مجاهد في قوله: {مَكَاناً سُوًى} ، قال: منصفًا بينهم. وعن ابن عباس قوله: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} فإنه يوم زينة يجتمع الناس إليه ويحشر الناس له.
عن ابن عباس قوله: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} ، يقول: فيهلككم. وقال قتادة: يستأصلكم.
وقوله تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ، قال قتادة: قال السحرة بينهم: إن كان هذا ساحرًا فإنا سنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر. وقال وهب بن منبه: جمع كل ساحر حباله وعصيّه، وخرج
موسى معه أخوه يتكئ على عصاه، حتى أتى المجمع، وفرعون في مجلسه معه أشراف أهل مملكته قد استكف له الناس، فقال موسى للسحرة حين جاءهم: {وَيْلَكُمْ
لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، فتراود السحرة بينهم، وقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر.
وقال ابن كثير: وقوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} ، أي: ويستبدّا بهذه الطريقة وهي: السحر. وقال ابن عباس: يعني: ملكهم الذي هم فيه والعيش. وقال علي بن أبي طالب: يصرفان وجوه الناس إليهما.
قال ابن كثير: وقوله: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً} ، أي: اجتمعوا كلكم صفًا واحدًا، وألقوا ما في أيدكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار وتغلبوا هذا وأخاه، {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} منا ومنه.
عن السدي قال: قالوا: يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال: بل ألقوا، فألقوا حبالهم وعصيهم وكانوا بضعة وثلاثين ألف
رجل ليس منهم رجل إلَاّ ومعه حبل وعصا. وعن وهب بن منبه قال: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا} فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى، وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصي والحبال، فإذا هي حيّات كأمثال الحبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضًا.
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} ، لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصي خيّل إليه أنها تسعى، فأوحى الله أن: ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. وفرح موسى فألقى عصاه من يده، فاستعرضت لما ألقوا من حبالهم وعصيّهم، وهي: حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقفها حية، حية حتى ما يُرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجّدًا قالوا: آمنا برب هارون وموسى، لو كان هذا سحرًا ما غلبنا.
وقال ابن عباس في قوله: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} لا يسعد حيث كان.
قوله عز وجل: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ
النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (76) } .
قال وهب بن منبه: لما قالت السحرة: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} ، قال لهم فرعون وأسف ورأى الغلبة البيّنة:{آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} ، أي: لعظيم السحار الذي علّمكم. وعن السدي: قال فرعون: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}
فقتلهم وقطّعهم، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين قالوا:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} وقال: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء.
وعن وهب بن منبه: {لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} ، أي: على الله، {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} اصنع ما بدا لك، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ، أي: ليس لك سلطان إلَا فيها ثم لا سلطان لك بعد. وقال ابن زيد في قوله: {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ}
، قال: أمرهم بتعلّم السحر، قال: تركوا كتاب الله وأمروا قومهم بتعليم السحر. وعن ابن إسحاق: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} خير منك ثوابًا، وأبقى عذابًا.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أما أهلها الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين ليسوا من أهلها فإن النار تمسّهم ثم يقوم الشفعاء فيشفعون، فتجعل الضبائر فيؤتى بهم نهرًا يقال له الحياة أو الحيوان، فينبتون كما ينبت العشب في حميل السيل» . رواه ابن أبي حاتم. وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة. ومنها تخرج الأنهار الأربعة، والعرش فوقها فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» رواه
أحمد وغيره. وفي الصحيحين: «إن أهل علّيين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم» ، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء؟ قال: «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» .
* * *