المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس العشرون بعد المائتين - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٣

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الكهف]

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الستون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائة

- ‌[سورة مريم عليها السلام]

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائة

- ‌الدرس السبعون بعد المائة

- ‌[سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائة

- ‌[سورة الحج]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثمانون بعد المائة

- ‌[سورة المؤمنون]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائة

- ‌[سورة النور]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس التسعون بعد المائة

- ‌[سورة الفرقان]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة النمل]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس المائتان

- ‌الدرس الأول بعد المائتين

- ‌[سورة القصص]

- ‌الدرس الثاني بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس بعد المائتين

- ‌الدرس السادس بعد المائتين

- ‌الدرس السابع بعد المائتين

- ‌[سورة العنكبوت]

- ‌الدرس الثامن بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع بعد المائتين

- ‌الدرس العاشر بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الروم]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائتين

- ‌[سورة لقمان]

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائتين

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائتين

- ‌[سورة السجدة]

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس العشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة سبأ]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة فاطر]

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة يس]

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة الصافات]

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة ص]

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة الزمر]

- ‌الدرس الحادي والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة المؤمن]

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة فصلت]

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائتين

الفصل: ‌الدرس العشرون بعد المائتين

‌الدرس العشرون بعد المائتين

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ

ص: 494

ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً

(36)

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) } .

* * *

ص: 495

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) } .

روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه قالت: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

«إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك» وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: «إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} » إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله تعالى ورسوله والدار الآخرة؛ وفي رواية: (خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعدّها علينا شيئًا) .

وروى مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلُوس، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت، فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد - امرأة عمر - سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: «هن حولي

يسألنني النفقة» فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: ولله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما

ص: 496

ليس عنده؛ قال: وأنزل الله عز وجل الخيار، فبدأ بعائشة رضي الله عنها. الحديث.

قال قتادة: فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال:

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} فقصره الله عليهن. قال عكرمة: وكان تحته يومئذٍ تسع نسوة: خمس من قُرَيش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وكانت تحته: صفية ابنة حيي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق. وقال ابن زيد: فاخترن الله ورسوله، إلا امرأة واحدة جويرة ذهبت.

قوله عز وجل: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) } .

قال ابن كثير: يقول تعالى واعظًا نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستقرارهنّ تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناسب أن

يخبرهنّ بحكمهنّ وتخصيصهنّ دون سائر النساء، بأن من يأت منهنّ بفاحشة مبيّنة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهو النشوز وسوء الخُلُق، وعلى كل تقدير فهو شرط، والشرط لا يقتضي الوقوع، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فلما كانت محسانهنّ رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهنّ مغلّظًا، صيانة لجنابهنّ وحجابهنّ الرفيع، ولهذا قال تعالى: {مَن يَأْتِ

ص: 497

مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} . قال مالك عن زيد بن أسلم: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} ، قال: في الدنيا والآخرة، {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} ، أي: سهلاً هيّنًا.

ثم ذكر عدله وفضله في قوله: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} ، أي: تطع الله ورسوله وتستجب، {نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} ، أي: في الجنة، فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى علّيّن فوق منازل جميع الخلائق، في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش.

قوله عز وجل: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) } .

قال البغوي: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} ، قال ابن عباس: يريد ليس قدركنّ عندي مثل قدر غيركنّ من النساء الصالحات، أنتنّ أكرم عليّ وثوابكنّ أعظم لديّ، {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الله أَطَعْتُنّه، {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} ، لا تُلِنَّ بالقول للرجال ولا ترقّقنّ الكلام، {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} ، أي: فجور، وشهوة. والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقابلة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع معهم. {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} يوجبه الدين والإسلام بتصريح وبيان من غير خضوع.

قال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، أي: إِلزَمْنَ بيوتكنّ فلا

ص: 498

تخرجن لغير حاجة. وعن قتادة: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ، أي: إذا خرجتنّ من بيوتكن؛ قال: كانت لهنّ مشية وتكسّر وتغنُّج، يعني بذلك: الجاهليّة الأولى فنهاهنّ الله عن ذلك. وقال ابن زيد في قوله: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ، يقول: التي كانت قبل الإسلام؛ قال: وفي الإسلام جاهليّة. وقال مقاتل: والتبرّج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشدّه فيواري: قلائدها، وقرطها، وعنقها، ويبدوا ذلك كله منها وذلك التبرج، ثم عمّت نساء المؤمنين في التبرّج.

وقوله تعالى: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ، قال قتادة: فهم أهل بيت طهّرهم الله من السوء وخصّهم برحمة منه.

قال ابن كثير: وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ها هنا، لأنهنّ سبب نزول هذه الآية. وروى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها معه، ثم جَاءَ عليّ رضي الله عنه فأدخله معه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} . وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطيبًا بماء يدعى خمًّا، بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال:«أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحثَّ على كتاب الله عز وجل

ص: 499

ورغّب فيه، ثم قال:«وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» ثلاثًا؛ فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال:

هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس رضي الله عنهم. قال: كل هؤلاء حُرِمَ الصدقة بعده؟ قال: نعم) رواه مسلم.

وعن قتادة في قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} ، أي: السنّة. قال: يَمْتَنُّ عليهن بذلك. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} .

قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) } .

عن قتادة قال: (دخل نساءٌ على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: قد ذكركنّ الله في القرآن ولم نُذكر بشيء! أما فينا ما يُذكر؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} ) أي: المطيعين والمطيعات، {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} ، أي: الخائفين والخائفات، {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم

ص: 500

مَّغْفِرَةً} ، لذنوبهم، {وَأَجْراً عَظِيماً} في الجنة. وعن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله يُذكر الرجال ولا نُذكر! فنزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية.

قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (36) } .

قال البغوي: نزلت في زينب بنت جحش الأسدية، وأخيها عبد الله بن جحش، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، خطب النبي صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيدًا في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبنّاه، فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنّت أنه يخطبها لنفسه، فلما علمت أنه يخطبها لزيد أبت وقالت: أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة، وكذلك كره أخوها ذلك، فأنزل الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} ، يعني: عبد الله بن جحش، {وَلَا مُؤْمِنَةٍ} ، يعني: أخته زينب، {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً} ، أي: إذا أراد الله ورسوله أمرًا وهو: نكاح زينب لزيد، {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ، قال: والخيرة الاختيار؛ والمعنى: أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به. قال ابن كثير: فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي، ولا قول. كما قال تبارك وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} . وفي الحديث: «والذي نفسي

ص: 501

بيده

لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» ؛ ولهذا شدّد في خلاف ذلك فقال: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} ، كقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

قوله عز وجل: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) } .

عن قتادة: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بالإسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} ، قال: وكان يخفي في نفسه: ودّ أنه طلّقها. قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشدّ عليه منها، قوله:{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} ، ولو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي لكتمها،

{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} ، قال: خشي نبي الله صلى الله عليه وسلم مقالة الناس. وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما: كان الله تعالى أعلم نبيّه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها قال:{اتَّقِ اللَّهَ وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} قال الله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} .

ص: 502

وعن أنس رضي الله عنه قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: «اذهب فاذكرها عليَّ» . فانطلق حتى أتاها وهي تخمّر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، وأقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فولّيتها ظهري ونكصت على عقبيّ وقلت: يا زينب أبشري، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي عز وجل، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن.

وروى البخاري وغيره أن زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: (زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات) .

وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً} .

قال البغوي: أي: حاجة من نكاحها، {زَوَّجْنَاكَهَا} وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول وعن قتادة قوله:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً} ،

يقول: إذا طلقوهن؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنّى زيد بن حارثة، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} .

قال البغوي: أي: كان قضاء الله ماضيًا وحكمه نافذًا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} .

قال ابن كثير: أي: فيما أحل الله له وأمره به من تزويج زينب التي طلقها

ص: 503

زيد بن حارثة. {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} ، أي: هذا حكم الله تعالى في الأنبياء قبله، لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حَرج، وهذا رَدٌّ على مَنْ تَوَهَّم مِن المنافقين نقصًا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودَعيه، الذي كان قد تبناه. {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} ، أي: وكان أمره الذي يقدِّره كائنًا لا محالة، وواقعًا لا محيد عنه ولا معدل، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ} .

قال البغوي: يعني: سنّة الله في الأنبياء الذين يبلغون رسالات الله،

{وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} أي: لا يخشون قالة الناس ولائمتهم فيما أحلّ الله لهم وفرض عليهم {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} ، حافظًا لأعمال خلقه ومحاسبهم.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس: إن محمدًا تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، يعني: زيد بن حارثة ، أي: ليس أبا أحد من رجالكم الذين لم يلدهم فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها. {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ختم الله به النبوة. وعن ابن عباس: أن الله تعالى لما حكم أن لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلاً، {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} . وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارًا فأكملها وأحسنها، إلا موضع لبنة، فكان من دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلَاّ موضع هذه اللبنة، فإن موضع اللبنة ختم بي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» . متفق عليه.

* * *

ص: 504