الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الحادي والسبعون بعد المائة
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ
عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) } .
* * *
عن ابن عباس قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} ، يقول: ملتصقتين، {فَفَتَقْنَاهُمَا} ، فرفع السماء ووضع الأرض. وقال مجاهد: ففتقهن سبع سماوات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض. وقال عطية: كانت السماء رتقًا لا تمطر، والأرض رتقًا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات، وجعل من الماء كل شيءٍ حيٍّ {أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} . قال قتادة: كُلَّ شيءٍ حيٍّ خلق من الماء.
قال ابن جرير: وقوله: {أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} ، يقول: أفلا يصدقون بذلك ويقرّون بألوهية من فعل ذلك، ويفردونه بالعبادة؟
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} ، أي: جبالاً، {أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً} بين الجبال، {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} .
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: جعلنا هذه الفجاج في الأرض ليهتدوا إلى السير فيها.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} ، قال قتادة: سقفًا مرفوعًا
وموجًا مكفوفًا، {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} ، قال مجاهد: الشمس، والقمر، والنجوم آيات السماء، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ، قال مجاهد: فلك كهيئة حديدة الرحى، {يَسْبَحُونَ} يجرون.
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما خلّدنا أحدًا من بني آدم يا محمد قبلك في الدنيا فنخلّدك فيها، ولا بدّ لك من أن تموت كما مات من قبلك {أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ؟ يقول: فهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون في الدنيا بعدك؟ لا ما ذلك. قيل: نزلت هذه الآية حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، وفي هذه الآية دلالة ظاهرة على أن الخضر عليه السلام ميت، لأن الله لم يجعل الخلد في الدنيا لأحد من بني آدم.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ، قال ابن عباس يقول: نبتليكم: بالشدّة، والرخاء، والسقم، والغنى، والفقر، والحلال، والحرام، والطاعة، والمعصية، والهدى، والضلال. وقال ابن زيد: نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون نختبرهم بذلك، لننظر كيف شكرهم فيما يحبون، وكيف صبرهم فيما يكرهون.
قوله عز وجل: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (41) } .
يقول تعالى: {وَإِذَا رَآكَ} ، يا محمد هؤلاء المشركون، {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً} ، سخريًا. يقول بعضهم لبعض:{أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} ، يعيبها؟ {وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} ، كما قال تعالى:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} .
وقوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} . قال سعيد بن جبير: لما دخلت الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت في جوفه
اشتهى الطعام، فوثب قائمًا قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عَجِلاً إلى ثمار الجنة فوقع، {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} .
قال البغوي: هذا خطاب للمشركين، كانوا يستعجلون بالعذاب {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ، قال الله تعالى:{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ} لا يدفعون، {عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} ، يُمنعون من العذاب، أي: لو علموا لما أقاموا عن كفّهم ولما استعجلوا، {بَلْ تَأْتِيهِم} ، أي: النار، {بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون، {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} ، فاصبر كما صبروا، {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} ، أي: نزل بهم العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه.
قال ابن عباس في قوله: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} قال: يحرسكم، {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ} يجأرون. أي: الآلهة لا يستطيعون نصر أنفسهم فكيف ينصرون عابديهم.
{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء} في الدنيا، {وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} فاغترّوا، {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} ، قال ابن عباس: تخرب القرية حتى يكون العمران في ناحية، {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} أم نحن؟
وعن قتادة قوله: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ} ، أي: بهذا القرآن، {وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ} ، يقول: إن الكافر قد صمّ عن كتاب الله، لا يسمعه ولا يشفع به ولا يعقله، {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} ، يقول: عقوبة، {لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ندموا حين لا ينفعهم الندم.
عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال: يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأضربهم وأشتمهم، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحسب ما
خانوك، وما عصوك، وكذبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل الذي بقيَ قِبَلَكَ» . فجعل الرجل يبكى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف، فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: «ما له لا يقرأ كتاب الله:
…
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} » ؟ فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئًا خيرًا من فراق هؤلاء، -يعني: عبيده -، إني أشهدكم أنهم أحرار كلهم) . رواه أحمد.
* * *