الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما قصصنا عليك خبر موسى، كذلك نقص عليك من الأخبار الماضية كما وقعت:{وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا} ، من عندنا، {ذِكْراً} ، وهو: القرآن، {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً} ، قال مجاهد: إثمًا، {خَالِدِينَ فِيهِ} ، أي: مقيمين في عذاب الوزر، {وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} ، أي: بئسما حملوا على أنفسهم من الإثم.
{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً} ، قال ابن عباس:{يَتَخَافَتُونَ} يتساررون، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} ، أي: في الدنيا. قاله ابن جرير.
قال البغوي: قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من أهوال يوم القيامة. وقيل: نسوا مقدار لبسهم لشدة ما أهمّهم.
وعن شعبة في قوله: {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} ، يقول: أعلمهم في أنفسهم، {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} . وقيل: المراد: مدة مكثهم في القبور.
عن ابن عباس قوله: {قَاعاً صَفْصَفاً} ، يقول: مستويًا لا نبات فيه، {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً} ، يقول: واديًا، {ولا أمتًا} ، يقول: رابية.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} يقول: سكنت، {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} ، قال: وطء الأقدام.
{يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} أن يشفع، {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ، قال قتادة:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الساعة، {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أمر الدنيا.
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} ، قال ابن عباس: ذلّت، {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} ، قال: خسر من أشرك بالله. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة» .
وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً} ، قال قتادة:{ظُلْماً} أن يزاد في سيئاته ولا يهضم من حسناته. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سيخلّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مدَّ البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كَتَبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أَفَلَكَ عذر؟ قال: لا يارب، فيقول: بلى إنّ لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتُخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فيقول: احضر وزنك، فيقول: يارب وما هذه البطاقة مع هذه السجّلات؟ فيقول: أنك لا تُظلم. قال: فتوضع السجلاّت في كفّة والبطاقة في كفّة فطاشت السجلاّت وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء» . رواه الترمذي، وابن ماجة.
وعن أنس رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة ماج النَّاس بعضهم في بعضٍ فيأتون آدم فيقولون اشفع إلى ربِّك» ، - وفي رواية - قال: «يَجْلِسُ الْمؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت
آدم أبو الناس، خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هُنَاكم. ويذكر خطيئته التي أصاب: أكله من الشَّجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحًا أول نبيٍ بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحًا فيقول: لست هُنَاكم ويذكر خطيئته التي أصاب: سؤاله ربه بغير علم. ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن. قال: فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هُنَاكم ويذكر
ثلاث كذباتٍ كذبهنَّ ولكن ائتوا موسى عبدًا آتَاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيًّا. قال: فيأتون موسى فيقول: إني لست هُنَاكم ويذكر خطيئَتهُ الَّتي أَصَاب قتله النَّفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلِمتهُ، قال: فيأتون عيسى فيقول: لَسْتُ هُنَاكُم ولكن ائتوا مُحَمدًا عبدًا غفر اللَّهُ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر. قال: فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه. فإذا رأيتُهُ وقعت ساجدًا فيدعني ما شَاء اللَّهُ أن يدعني ثمَّ يقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه. قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناءٍ وتحميد يُعَلِّمُنيهِ، ثمَّ أشفع فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فأخرج فأخرجهم منَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُم الجنَّة. ثمَّ أعود الثَّانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء اللَّهُ أن يدعني ثمَّ يقول: ارفع مُحَمَّدُ وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه. قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناءٍ وتحميد يُعلِّمنيه. قال ثمَّ أشفع فيحُدُّ لي حدًّا فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنَّة. حتى ما يبقى في النَّارِ إِلا من قد
حبسه القرآنُ. أَيْ: وجب عليه الخلود - ثمَّ تلا هذه الآية: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} - قال: وهذا المقامُ المحمود الذِي وُعِدَهُ نبيكم» . متفق عليه وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج من النار قوم بالشفاعة كأنهم الثعارير» قلنا: ما الثعارير؟ قال: «إنه الضغابيس» . متفق عليه. وعن عثمان بن عفان رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» . رواه ابن ماجة.
قال البغوي: {وَكَذَلِكَ} ، أي: كما بينا في هذه السورة، {أَنزَلْنَاهُ} ، يعني: أنزلنا هذا الكتاب، {قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، أي: بلسان العرب، {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} عبرة وعظة. قال قتادة:{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ما حذروا به من أمر الله وعقابه ووقائعه بالأمم قبلهم، {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ} القرآن، {ذِكْراً} ، أي: حدًا، وورعًا.
وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} ، أي: عمَّا يصفه به المشركون. {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ، قال مجاهد: لا تَتْلُه على أحد حتى نبيّنه لك، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} .
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: {وَقُل} يا محمد: {رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} صحيحًا إلى ما علّمتني أمره بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم. قال ابن عيينة: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفّاه الله عز وجل. وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم انفعني بما علّمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني
علمًا ينفعني، وزدني علمًا الحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من
حال أهل النار» .
* * *