الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السابع والسبعون بعد المائة
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن
شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) } .
* * *
عن ابن عباس قوله: {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} ، يقول: ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام. وعن مجاهد وعطاء: {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} هما في حرمته سواء. وعن مجاهد: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ، قال: يعمل فيه عملاً سيئًا، {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ، قال الضحاك: إن الرجل ليهمّ بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر، ولم يعملها فتكتب عليه.
قال البغوي: قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} ، أي: وطأنا. قال ابن عباس: جعلنا، وقيل: بيَّنَّا.
وعن مجاهد في قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} ، قال: من الشرك. وعن عطاء في قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} ، قال: القائمون في الصلاة. وقال ابن زيد: القائم: الراكع. والساجد هو: المصلي، والطائف هو: الذي يطوف به. قال ابن كثير: هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله
وأشرك به، في البقعة التي أسّست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له.
قال ابن عباس: (لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} ، قال: يارب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعليّ البلاغ، فنادي إبراهيم: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحُجّوا. قال: فسمعه ما بين السماء والأرض، أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يُلَبون) ؟ وفي رواية: (فأسمع من في أصلابَ الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحجّ إلى يوم القيامة: لبيّك اللهم لبيّك) .
{يأْتُوكَ رِجَالاً} ، قال: على أرجلهم، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} ، قال: الإبل، {يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ، قال: بعيد، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} ، قال: هي الأسواق. وقال مجاهد: التجارة، وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة، {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} ، قال ابن
عباس: يعني أيام التشريق، {عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} ، قال الضحاك: يعني: البدن، {فَكُلُوا مِنْهَا} ، قال مجاهد: هي: رخصة، إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل، {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ، قال ابن عباس: يعني: الزمن الفقير.
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} ، قال ابن عمر: التفث: المناسك كلّها. وقال ابن عباس:
التفث: حلق الرأس وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة، والمزدلفة، {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ، قال: نحو ما نذروا من البدن. وقال مجاهد: نذر الحجّ والهدي، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، قال قتادة: عتق من الجبابرة. وقال ابن زيد: العتيق القديم. وعن عطاء في قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، قال: طواف يوم النحر.
قال مجاهد في قوله: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} ، قال: الحرمة مكة، والحج، والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها.
وقوله تعالى: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} ، قال قتادة: إلَاّ الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} ، قال ابن عباس: يقول تعالى ذكره: واجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان. وعن مجاهد قوله: {قَوْلَ الزُّورِ} ، قال: الكذب. وعن ابن عباس قوله: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ، يعني: الافتراء على الله والتكذيب. وعن ابن مسعود قال: تعدل شهادة الزور بالشرك، وقرأ:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} . وعن قتادة: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ
السَّمَاء} ، قال: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه، {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ، قال مجاهد: بعيد.
قال محمد بن أبي موسى: الوقوف بعرفة من شعائر الله، والجمع من شعائر الله، ورمي الجمار من شعائر الله، والبدن من شعائر الله، ومن يعظّمها فإنها من شعائر الله.
في قوله: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} فمن يعظمها، {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} . وعن ابن عباس في قوله:{وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} ، قال: استعظامها، واستحسانها، واستمساكها، {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ، قال: ما لم يُسَمَّ بُدْنًا. وعن عطاء: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ، قال هو: ركوب البدن، وشرب لبنها إن احتاج، {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} إلى مكة. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة قال:«اركبها» . قال: إنها بدنة، قال:«اركبها ويحك» ، في الثانية، أو في الثالثة. وفي حديث آخر عند مسلم قال:«اركبها بالمعروف إذا لُجِئْتَ إليها» .
قوله عز وجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) } .
عن مجاهد: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً} ، قال: إهراق الدماء،
…
{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} عليها، {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} المطمئنين إلى الله.
وقال ابن زيد في قوله: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ، قال: لا تقسوا قلوبهم، {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} من شدة في أمر الله
ونالهم من مكروه في جنبه، {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} المفروضة، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الأموال، {يُنفِقُونَ} في الواجب عليهم إنفاقها فيه، في زكاة ونفقة عيال، ومن وجبت عليه نفقته، وفي سبيل الله.
قال عطاء: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} ، قال: البقرة، والبعير. وقال مجاهد: إنما البدن من الإبل، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:«من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَب بقرة» . الحديث.
وعن مجاهد في قول الله: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} ، قال: أجر ومنافع في البدن. وعن ابن عباس في قوله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} ، قال: الله أكبر، الله أكبر، اللهم منك ولك قيامها على ثلاث أرجل، فقيل لابن عباس: ما نصنع بجلودها؟
قال: تصدقوا بها واستمتعوا بها. وعن مجاهد: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطت إلى الأرض، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} ، قال ابن عباس يقول: يأكل منها ويطعم. وقال
الحسن: القانع: الذي يقنع إليك ويسألك. والمعتر: الذي يتعرض لك ولا يسألك. وقال زيد بن أسلم: القانع: المسكين الذي يطوف. والمعترّ: الصديق. والضعيف: الذي يزور. وقال ابنه: القانع: المسكين الذي يعتر للقوم للحمهم وليس بمسكين، ولا تكون له ذبيحة، يجيء إلى القوم من أجل لحمهم. والبائس الفقير: هو: القانع. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فكلوا وادخروا ما بدا لكم» . وفي رواية: «فكلوا وأطعموا وتصدقوا» .
وعن إبراهيم في قول الله: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} ، قال: ما أريد به وجه الله. قال البغوي: وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا تحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله فأنزل الله هذه الآية: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، أرشدكم لمعالم دينه، ومناسك حجه، {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} .
* * *