الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثمانون بعد المائة
[سورة المؤمنون]
وهي مائة وثمان عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً
تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ
وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) } .
* * *
سئلت عائشة رضي الله عنها: كيف كان خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (كان خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فقرأت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى انتهت إلى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم) . رواه النسائي. وعن أبي سعيد الخدري مرفوعًا قال: «خلق الله الجنة لبنةً من ذهب ولبنةً من فضّة وغرسها، وقال لها: تكلّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فدخلتها الملائكة فقالت: طوبى لك منزل الملوك» .
وعن الحسن في قوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، قال: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضّوا بذلك البصر، وخفضوا به الجَنَاح. وعن ابن عباس قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ، يقول: الباطل.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} ، قال البغوي: أي: للزكاة الواجبة مؤدّون. وعن ابن عباس قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} ، يقول: رضي الله لهم إتيانهم أزواجهم وما ملكت أيمانهم، {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} ، قال ابن زيد: الذين يتعدّون الحلال إلى الحرام.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} ، حافظون. قال البغوي: أي: يحفظون ما اؤتمنوا عليه، والعقود التي عاقدوا الناس عليها، يقومون بالوفاء بها؛ والأمانات تختلف فتكون بين الله تعالى وبين العباد: كالصلاة، والصيام، والعبادات التي أوجبها الله عليه، وتكون من العبيد كالودائع والصانع، فعلى العبد الوفاء بجميعها. وعن مسروق:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ، قال: على ميقاتها. وقال قتادة: على مواقيتها وركوعها وسجودها. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، وإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} » . رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، قال قتادة: قتل
حارثة بن سراقة يوم بدر فقالت أمه: يا رسول الله إن كان ابني من أهل الجنة لم أبك عليه، وإن كان من أهل النار بالغت في البكاء، قال:«يا أم حارثة إنها جنات في عدن، وإن ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى من الجنة» .
عن قتادة في قوله: {مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} ، قال: استُلّ آدم من طين، وخُلقت ذريته من ماء مهين؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله، وعمله، وشقيّ، أو سعيد» . الحديث متفق عليه.
وعن أبي العالية: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} ، قال: نفخ الروح فيها، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، قال مجاهد: يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين. وعن ابن عباس:{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} ، يعني: ننقله
من حال إلى حال، إلى أن خرج طفلاً، ثم نشأ صغيرًا، ثم احتلم، ثم صار شابًّا، ثم كهلاً، ثم شيخًا، ثم هرمًا.
قال ابن زيد في قول الله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} ، قال: الطرائق: السماوات. وقد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
قوله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ
وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20) } .
عن ابن عباس في قوله: {مِن طُورِ سَيْنَاء} ، قال: الجبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم، {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} ، يقول: هو: الزيت يؤكل ويدّهن به. وقال ابن زيد في قوله: {وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} ، قال: هذا الزيتون صبغ للآكلين، يأتدمون به ويصطبغون به. قال ابن كثير: وطور سَيْنَاء هو: طور سينين وهو: الجبل الذي كلّم الله عليه
موسى بن عمران عليه السلام، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون.
قال ابن كثير: يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع، وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرث ودم، ويأكلون من لُحْمَانِها، ويلبسون من أصوافها، وأوبارها وأشعارها، ويركبون ظهورها، ويُحَمَّلونها الأحمال الثقال إلى البلاد النائية عنهم؛ كما قال تعالى:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
* * *