الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس التاسع والخمسون بعد المائة
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً (64) فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً (74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا
أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً (82) } .
* * *
عن قتادة قوله: {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} . والبحران: بحر فارس والروم، وبحر الروم مما يلي الغرب، وبحر فارس مما يلي الشرق. وعن ابن عباس: قوله: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} ، قال: دهرًا. وقال عبد الله بن عمر: والحُقُب ثمانون سنة.
وقال ابن عباس: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً} وحلق بيده. وعن مجاهد:
قوله: {فِي الْبَحْرِ عَجَباً} ، قال: موسى يعجب من أثر الحوت في البحر ودوراته التي غاب فيها، فوجدا عندها خطرًا.
قوله عز وجل: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ
أَمْراً (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) } .
عن ابن عباس: قال {فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} يعني: عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه.
عن قتادة قوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} ، أي: عجباً، إن قومًا لجّجوا سفينتهم فخرقتها كأحوج ما تكون إليها؟ ! ولكن عَلِم من ذلك ما لم يعلم نبي الله موسى. ذلك من علم الله الذي آتاه، وقد قال لنبي الله موسى عليه السلام:{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} .
قال سعيد بن جبير: وجد خضر غلمانًا يلعبون، فأخذ غلامًا ظريفًا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين. وعن قتادة:{لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} ، والنكر أشد من الأمر. وعن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا، وعلى موسى، لو لبث مع
صاحبه لأبصر العجب، ولكنه قال:{إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} » . رواه ابن جرير.
عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: أن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل،
قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدًا بمجمعِ البحرينِ، هو أعلم منك. قال موسى: يا ربّ وكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا، فتجعلهُ بمكتل
فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمّ. فأخذ حوتًا فجعله بمكتل، ثُمَّ انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه السلام حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً} ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغداة، {قَالَ} موسى:{لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} ولم يجد موسى النَصَب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، {قَالَ} له فتاه:{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} ، قال: فكان للحوت سربًا ولموسى وفتاه عجبًا. فقال: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} ، قال: فرجع يقصّان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة. فإذا رجل مسجّي بثوب، فسلم عليه موسى. فقال الخضر: وأنّى بأرضك السلام. فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: أتيتك لتعلّمني {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} ، يا موسى
إني على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت. وأنت على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. فقال موسى: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} ، قال له الخضر:{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً * فَانطَلَقَا} ، يمشِيان عَلى ساحِل البحر، فمرّت سفينة فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدّوم، فقال له موسى: قد حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} ؟ ! {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} .
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكانت الأولى من موسى نسيانًا» . قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين. فقال له الخضر: ما علمي وعلمك في علم الله إلا: مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. ثم خرجا
من السفينة. فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذَ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتلهُ، فقال لهُ موسى:{أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} ؟ !
…
{قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} ؟ قال: وهذه أشد من الأولى، {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} ، {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} ، أي: مائلاً. فقال الخضر
بيده {فَأَقَامَهُ} فقال موسى: قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا؟ ! {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما» . قال سعيد بن جبير: كان ابن عباس: يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا)، وكان يقرأ:(وأما الغلام كان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) راوه البخاري وفي رواية: (وفي أصل الصخرة عين يقال لها: الحياة. لا يصيب من ماءها شيء إلا حَيِيَ فأصاب الموت من ماء تلك العين فتحرَّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر) .
وفي رواية: (فرجعا فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء، على كبد البحر؛ وفيها) . قال سعيد: وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامّا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً} لم تعمل الخبث؟ وفيها كانت الأولى نسيانًا، والثانية: شرطًا. والثالثة: عمدًا. وعن ابن عباس في قوله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} ، قال: حُفِظَا بصلاح أبيهما.
* * *