الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والعشرون بعد المائتين
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ
هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) } .
* * *
عن ابن عباس: قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ، يقول: يكون عليه وزر لا يجد أحدًا يحمل عنه من وزره شيئًا. وعن قتادة: قوله: {وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} ، أي: من يعمل صالحًا فإنما يعمله لنفسه.
وقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} ، قال ابن زيد: هذا مثل ضربه الله، فالمؤمن بصير في دين الله، والكافر أعمى، كما لا
يستوي الظلّ ولا الحرور، ولا الأحياء ولا الأموات. وقال ابن عباس: هو مثل ضربه الله لأهل الطاعة وأهل المعصية، يقول: وما يستوي الأعمى والظلمات والحرور ولا الأموات، فهو مثل
أهل المعصية، ولا يستوي البصير ولا النور، ولا الظلّ والأحياء، فهو مثل أهل الطاعة. وعن قتادة:{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع. وقال البغوي: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ} حتى يتّعظ ويجيب، {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُور} ، يعني: الكفار شبّههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا، {إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ} ما أنت إلا منذر تخوّفهم بالنار.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ} ما من أمة فيما مضى، {إِلَّا خلَا} سلف، {فِيهَا نَذِيرٌ} نبيّ منذر، {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ} بالكتب،
…
{وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} الواضح؛ كرّر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد. {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ، أي: إنكاري. وقال ابن كثير: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: ومع هذا كله كذّب أولئك رسلهم فيما جاؤوهم به، فأخذتهم، أي: بالعقاب والنكال، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ، أي: فيكف رأيت إنكاري عليهم عظيمًا شديدًا بليغًا. والله أعلم.
عن قتادة في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} أحمر، وأخضر، وأصفر. {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ} ، أي: طرائق بيض، {وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} ، أي: جبال حمر وبيض، {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} هو: الأسود. يعني: لونه كما اختلف ألوان هذه اختلف ألوان الناس، والدواب، والأنعام كذلك.
وعن ابن عباس: قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} ، قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير. وقال قتادة: كان يقال: كفى بالرهبة علمًا. وقال ابن مسعود: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية. وقال سعيد ابن جبير: الخشية: هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل. وقال ابن عباس: العالم بالرحمن من عباده، من لم يشرك به شيئًا، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، وحفظ وصيّته، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله.
عن قتادة قال: كان مطرف إذا مرّ بهذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} ، يقول: هذه آية القرّاء {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} . وعن قتادة: {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} إنه غفور لذنوبهم، شكور لحسناتهم.
عن قتادة: قوله: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} الكتب التي خلت قبله.
وعن ابن عباس: قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} إلى قوله: {الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} هم: أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، ورّثهم الله كل كتاب أنزله. وقال ابن
مسعود: (هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلث يجيئون بذنوب عظام، حتى يقول: ما هؤلاء؟ وهو أعلم تبارك وتعالى، فتقول الملائكة: هؤلاء جاءوا بذنوب عظام، إلا أنهم لم يشركوا بك، فيقول الرب: أدخِلوا هؤلاء في سعة رحمتي؛ وتلا عبد الله هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ) . وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} . فأما السابق بالخيرات فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا، وأما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغمّ والحزن فذلك قوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} . رواه ابن جرير وغيره. قال الزجاج: أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو لمَعاد.
وعن قتادة: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ} ، أقاموا فلا يتحولون، {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} ، أي: وجع، {وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} ، قال ابن عباس: اللغوب: العناء.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ
نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) } .
عن قتادة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ} بالموت {فَيَمُوتُوا} لأنهم لو ماتوا لاستراحوا {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} . وروى ابن
جرير وغيره عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، لكن ناسًا - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال: بخطاياهم - فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثّوا على أهل الجنة فقال: يا أهل الجنة: أفيضوا عليهم، فيَنبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل» . فقال رجل من القوم: حينئذٍ كأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية.
قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ} ، أي: يصيحون فيها يقولون:
…
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فيقول الله لهم توبيخًا: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} ، قال ابن عباس: العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم أربعون سنة. قال مسروق: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَعْذَرَ الله عز وجل إلى امرئ أخّر عمره حتى بلغ ستّين سنة» . رواه البخاري وغيره، وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجّة، فنعوذ بالله أن نعيِّر بطول العمر، قد نزلت هذه الآية:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} وإنّ فيهم لابن ثماني
عشرة سنة. وقال ابن زيد في قوله: {وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ} ، قال: النذير: النبيّ، وقرأ:{هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى} .
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} ، أي: ذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدّة أعماركم، فما لكم اليوم ناصر ينقذكم.
* * *