الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني والعشرون بعد المائتين
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (59) لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (73) } .
* * *
قال عكرمة: {الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، هم: أصحاب المقادير. وقال قتادة: سبحان الله ما زال أناس من جهلة بني آدم حتى تعاطوا أذى ربهم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول اللَّهُ عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يَسُبُّ الدهر وأنا الدهر، أُقَلِّبُ ليله ونهاره» . وعن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[الله] ، الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أَحَبَّهُم فَبِحُبِّي أحبَّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشَكَ أن يأخذه» . وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أيّ الربا أربى عند الله» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم، - ثم قرأ -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً
…
مُّبِيناً} » . قال قتادة: فإياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه ويغضب له.
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيماً (59) لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62) } .
عن ابن عباس قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} ، أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة. وقال قتادة: أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب، {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} ، وقد كانت المملوكة إذا مرّت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر يتشبهن بالإماء.
وعن عكرمة في قوله: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} قال: هم الزناة. {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} ، قال قتادة: الإرجاف: الكذب. وكانوا يقولون: أتاكم عدد وعدّه. {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} ، أي: لنحملنّك عليهم، لنحرّشك بهم، {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} أي: بالمدنية، {مَلْعُونِينَ} على كل حال، {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} إذا هم أظهروا النفاق {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ} يقول: هكذا سنة الله فيهم إذا أذهبوا النفاق {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
…
تَبْدِيلاً} .
قوله عز وجل: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ
سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) } .
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا علم له بالساعة وإن سأله الناس عن ذلك، وأرشده أنه يردّ علمها إلى الله عز وجل.
وقال البغوي: {وَمَا يُدْرِيكَ} ، أي: شيء يعلمك أمر الساعة، ومتى يكون قيامها؟ أي: أنت لا تعرفه، {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُون، قَرِيبًا} .
وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ} يا محمد {عَنِ السَّاعَةِ} متى هي قائمة؟ قل لهم: إنما علم الساعة عند الله لا يعلم وقت قيامها غيره، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} ، يقول: وما يشعرك يا محمد لعلّ قيام الساعة يكون منك قريبًا، قد قرب وقت قيامها ودنا حينُ مجيئها. وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} ، قال قتادة: أي: رؤوسنا في الشرّ والشرك، {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى كان رَجُلًا حيِيًّا ستيرًا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب في جلده، إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا، فخلا يومًا وحده فخلع ثِيَابَهُ
على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله عز وجل، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا، - قال -: ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} » .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} قال: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون عليه السلام، فقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: أنت قتلته. كان ألين لنا منك، وأشدّ حياء،
فآذوه من ذلك، فأمر الله الملائكة فحملته فمرّوا به على مجالس بني إسرائيل فتكلّمت بموته.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قسمًا فقال رجل من الأنصار: إن هذه القسمة ما أُرِيدَ بها وجهُ الله فقلت: يا عدوّ الله أما لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فاحمّر وجهه ثم قال:«رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» .
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} ، أي: عدلاً. قال قتادة: يعني به في منطقه وعمله كله. والسديد: الصدق. قال ابن عباس: مَنْ سَرّه أن يكون أكرم الناس فليتّق الله.
قال ابن عباس: الأمانة الفرائض التي افترضها الله على العباد. وقال الضحاك: عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} ، قال: (فلما عُرضت على آدم قال: أيْ ربّ وما الأمانة؟ قال: قيل: إن أدّيتها جُزيت، وإن
ضيّعتها عوقبت، قال: أيْ ربّ حملتها بما فيها، قال: فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية، فأُخرج منها) .
وعن الضحاك في قوله: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} ، قال: آدم، {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} ، قال:{ظَلُوماً} لنفسه، {جَهُولاً} فيما احتمل فيما بينه وبين ربه. وعن قتادة:{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} هذان اللذان خاناها، {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} هذان اللذان أدّياها، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانةٍ، وَصِدقُ حديثٍ، وَحسن خليقةٍ وعفةٌ طعمة» . رواه الإمام أحمد.
* * *