الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والسبعون بعد المائة
[سورة الحج]
مكية، وقيل: مدنية، وهي ثمان وسبعون آية
قال البغوي: سورة الحج مكية، إلَاّ:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الآيتين، أو إلا:{هَذَانِ خَصْمَانِ} الست آيات، فمدنيّات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى
الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (10) } .
* * *
روى ابن جرير وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر» . قال أبو هريرة: يا رسول الله وما الصور؟ قال: «قرن» . قال: فكيف هو؟ قال: «قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين. يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى. فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله، ويأمره فيمدّها ويطوّلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى:{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} فتسير الجبال فتكون سرابًا، وترجّ الأرض رجًّا، وهي التي يقول الله تعالى:{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} فتكون الأرض كالسفينة الموثقة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، وكالقنديل المعلّق بالعرش ترجحه الأرواح فتميد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار
فتلقّاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع، ويولّي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضًا، وهي التي يقول الله تعالى: {يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم
مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} ، فبينما هم على ذلك إذا انصدعت الأرض من قطر إلى قطر ورأوا أمرًا عظيمًا، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل ثم خسف شمسها وقمرها وانتثرت نجومها، ثم كُشطت عنهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك» . قال أبو هريرة: فمن استثنى الله حين يقول: {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} ؟ قال: «أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، ووقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه، وهو الذي يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} » . وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث يوم القيامة مناديًا: يا آدم إن الله يأمرك أن تبعث بعثًا من ذريتك إلى النار، فيقول آدم: يا رب مَنْ هم. فيقال له: من كل مائة تسعة وتسعون» . فقال رجل من القوم: من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول الله؟ قال: «هل تدرون؟ ما أنتم في الناس إلا كالشامة في صدر البعير» . رواه أحمد.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيّك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف - أراه قال - تسع مائة وتسعة وتسعين، فحينئذٍ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فشقّ ذلك على الناس حتى تغيّرت وجوههم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يأجوج ومأجوج
تسعمائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد. أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» . فكبّرنا ثم قال:«ثلث أهل الجنة» . فكبرنا ثم قال: «شطر أهل الجنة» . فكبرنا.
قال مجاهد: {تَوَلَّاهُ} اتبعه. وعن قتادة: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ} ، قال: كتب على الشيطان أنه من اتبع الشيطان من خلق الله.
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7) } .
عن قتادة في قول الله: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} ، قال: تامّة وغير تامّة. قال ابن جرير: المخلقة المصورة خلقًا تامًا، وغير المخلّقة أسقط قبل تمام خلقه. وقال
ابن زيد في قوله: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ، قال: الأجل المسمى: إقامته في الرحم حتى يخرج.
وعن ابن جريج في قوله: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} ، قال: لا نبات فيها، {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} ، قال قتادة: حسنت وعرف الغيث في ربوها، {وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} ، قال: حسن. وقال ابن جرير: {في كُلِّ زَوْجٍ} من كل نوع. قال ابن كثير:
…
{وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} ، أي: حسن المنظر، طيب الريح. قال البغوي: فهذا دليل آخر على البعث. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} ، أي: لتعلموا أن الله هو الحق، {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} .
قال البغوي: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ} ، متبخترًا لتكبره، وقال ابن كثير: لما ذكر تعالى حال الضلاّل الجهال المقلدين في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر والبدع فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} ، أي: بلا عقل صحيح ولا نقل صريح، بل بمجرد الهوى، {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي
الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} ، وقال ابن زيد:{ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ، قال: لاويًا رأسه معرضًا موليًا لا يريد أن يسمع ما قيل له، وقرأ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} ، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً} .
* * *