الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السابع والستون بعد المائة
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا
هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن
تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) } .
* * *
عن مجاهد قوله: {يَبَساً} ، قال: يابسًا. وعن ابن عباس في قوله: {لا تخاف دركًا ولا تخشى} ، يقول: لا تخاف من آل فرعون دركًا، ولا تخشى من البحر غرقًا.
قال البغوي: وهذا تكذيب لفرعون في قوله: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} .
عن ابن عباس قوله: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} ، يقول: ولا تظلموا، {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} ، يقول: فقد شقي، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} من الشرك، {وَآمَنَ} ، يقول: وعد الله، {وَعَمِلَ صَالِحاً} ، يقول: أديّ فرائضي، {ثُمَّ اهْتَدَى} ، قال قتادة: ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه.
قال ابن إسحاق: وعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومه، ونجّاه وقومه:{ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} تلقاه فيها بما شاء فاستخلف موسى هارون في بني إسرائيل ومعه السامري، يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به، فلما كلّم الله موسى قال له: {وَمَا
أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} ، قال ابن عباس يقول: حزينًا.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} .
قال البغوي: صدقًا، أن يعطيكم التوارة، {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} مدة مفارقتي إياكم، {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} ، قال ابن كثير: أي: عن قدرتنا واختيارنا.
{وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} . وعن ابن عباس: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ} ، فهو ما كان مع بني إسرائيل من حليّ آل فرعون، يقول: خطؤنا مما أصبنا من حليّ عدوّنا، وقال قتادة: كان الله وقت لموسى ثلاثين ليلة ثم أتّمها بعشر، فلما مضت الثلاثون قال عدو الله السامريّ: إنما أصابكم الذي أصابكم عقوبة بالحليّ، الذي كان معكم، فهلّموا، وكانت حليًّا استعاروها من آل فرعون، فساروا وهي معهم فقدفوها إليه فصوّرها صورة بقرة، وكان قد صرّ في عمامته أو في ثوبه قبضة من أثر فرس جبرائيل، فقذفها مع الحليّ والصورة.
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ} فجعل يخور خوار البقرة فقال: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} ، وفي رواية: فقالوا هذا إلهكم وإله موسى
ولكن موسى نسي ربه عندكم، قال الله:{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} ذلك العجل الذي اتخذوه، {قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً} ؟ .
قال ابن كثير: وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورّعوا عن زينة القوم، فألقوها وعبدوا العجل، فتورّعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير، كما قال ابن عمر: انظروا إلى أهل العراق، قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسألون عن دم البعوضة.
قال ابن عباس: لما قال القوم: {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ، أقام هارون فيمن تبعه من المسلمين ممن لم يفتتن، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل، وتخوف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى:{فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} وكان له هائبًا مطيعًا.
قال ابن زيد في قوله: {فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} ، قال: ما أمرك؟ ما شأنك؟ ما هذا الذي أدخلك فيما دخلت فيه؟ {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} . قال قتادة: يعني: فرس جبريل صلى الله عليه وسلم، {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} ، قال ابن زيد: كذلك حدثتني نفسي. وقال قتادة: كان والله السامريُ عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة، ولكنّ عدو الله نافق بعدما قطع البحر مع بني إسرائيل.
وقال ابن كثير: {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} ، أي: حَسَّنَتْهُ وأعجبها إذ ذاك، {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ} ، أي: كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا، {أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ} ، أي: لا تماسّ الناس ولا
يمسّونك، {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً} ، أي: يوم القيامة، {لَّنْ تُخْلَفَهُ} ، أي: لا يحيد لك عنه.
وقوله: {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} . قال ابن عباس: فحرّقه ثم ذرّاه في اليمّ.
وقال ابن جرير: وقوله: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} ، يقول: ما لكم أيها القوم معبود إلَاّ الذي له عبادة جميع الخلق، لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي أن تكون إلَاّ له، {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} ، يقول: احتاط بكل شيء علمًا وعلمه، فلا يخفى عليه شيء ولا يضيق عليه علم جميع ذلك.
* * *